بقلم الأستاذ عبدالله زرق رئيس التحرير المكلف بصحيفة «ذا سيتيزن» بتاريخ 18/9/2011م إن ترقية علي عثمان محمد طه من منصب النائب الثاني لرئيس الجمهورية إلى منصب النائب الأول، طبقاً للحسابات الداخلية لحزب المؤتمر الوطني، تمثل حسماً مبكراً لمسألة من سيخلف البشير في رئاسة الجمهورية عام 2015م، نظراً لأن طه الذي يتسنم تنظيم الحركة الإسلامية، يمكنه من خلال هذا الموقع القيادي ومنذ الآن أن يضع الترتيبات التي تمكِّنه من أن يوفر الشروط التي تدعم خلافته للبشير بعد انتهاء فترة رئاسته الحالية. تلك الترتيبات ربما لن تكون خالية من الصراع والمنافسة، خاصة إذا ما وضعنا في الاعتبار أن ما بات يُعرف في الدوائر السياسية بتهميش طه منذ توقيع اتفاقية السلام عام 2005م كان من نتائج الصراع والمنافسة بين مختلف أصحاب النفوذ والتيارات المتصارعة داخل الحزب الحاكم ومواقفها المتباينة من اتفاقية نيفاشا.. وقد تجددت حرب الاختلافات بعد أن قام د. نافع علي نافع الأمين العام لحزب المؤتمر الوطني بالتوقيع في أديس أبابا على الاتفاقية الإطارية مع مالك عقار رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان قطاع الشمال، في 28 يونيو 2011م بجانب أن التيار الذي عارض اتفاقية نيفاشا تحت اسم منبر السلام العادل أدى إلى تهميش الفريق المفاوض في نيفاشا بقيادة طه، مما أدى إلى تحويل مهمة الإشراف على تنفيذ بنود الاتفاقية إلى فريق آخر لديه العديد من التحفظات على الاتفاقية، الشيء الذي جعله يتعامل معها بأسلوب انتقائي، أدى إلى إثارة العديد من الأزمات في طريق التطبيق.. وقد أدى هذا بدوره إلى منح طه، الفرصة للتباحث مع مشار حول تسوية المشكلات الطارئة.. عندما أصبح واضحاً أن الجنوبيين متجهون إلى الانفصال عبر الاستفتاء، بدأ اتجاه داخل حزب المؤتمر الوطني في تحميل طه وفريق نيفاشا مسؤولية فصل الجنوب وسط أحاديث متداولة عن خلاف دائر بين طه ونافع، وعند حدوث توزيع لولاء أعضاء حزب المؤتمر الوطني والتيارالإسلامي بين الرجلين.. ففي مقال نُشر مؤخراً، حذر القائد الإسلامي الطيب زين العابدين من أن أي انقسام في الحزب الحاكم سوف تكون له عواقب أشد خطورة من الانقسام الذي حدث في العام 1999م، رافضاً في نفس الوقت فكرة تحميل أحد الجوانب مسؤولية اتفاقية نيفاشا.. إن توقيع اتفاقية أديس أبابا اعتبر بمثابة الضربة القاضية لكل من طه ونافع من أجل تمهيد الطريق أمام سيطرة مجموعة تتبنى خطاً أكثر صلابة.. إن الهجوم الذي شُنَّ ضد اتفاقية نافع عقار، أدى إلى إحياء الخلاف حول نيفاشا دفعة واحدة بعد أن ظل ساكناً على مدى ست سنوات. وهكذا فإن الترقية الرسمية لعلي عثمان إلى موقع الرجل الثاني في الدولة، وتجديد ثقة الرئيس فيه تحمل في طياتها نصراً لطه على خصومه بمن فيهم نافع الذي حملوه حسب التقارير الداخلية مسؤولية تهميش طه دون أن يضعوا في حسبانهم أن مسؤوليات نواب رئيس الجمهورية ومساعديه تأتي من الصلاحيات والاختصاصات المخولة لهم من قبل رئيس الجمهورية.. يتمع طه بالقبول من قبل المجتمع الدولي إضافة إلى الثقة الممنوحة له من الجنوبيين الشيء الذي جعله يحظى بمنصب النائب الأول للرئيس وفي ذلك ما يشير إلى إمكانية حدوث العديد من الاختراقات للأزمات السودانية الحالية المتمثلة في العلاقة مع دولة جنوب السودان والعلاقة مع المجتمع الدولي. تحقيق إنجاز مثل هذا سوف يقوِّي دون شك من خطوات طه تجاه خلافة رئيس الجمهورية الشيء الذي يلزمه بأن يشق طريقه ضد التيارات المنافسة الأخرى.. ربما شهدت الفترة المقبلة حدوث الانقسام الذي حذَّر منه زين العابدين مسبقاً.. بجانب التباين في الرؤى داخل الحزب الحاكم فيما يتعلق بالمسار المستقبلي للدولة فيما بعد التاسع من يوليو والخيارات المطروحة للتغيير المرغوب من أجل الخروج بالبلاد من أزماتها، فإن العودة القوية لطه للمسرح السياسي سوف تضيف عنصراً جديداً للخلافات داخل الحزب الحاكم تتعلق بخلافة البشير وبمسألة من سيكون داعماً لطه ومن سيكون مناوئاً له.