الإخوة في قسم التصحيح بصحيفة «الانتباهة الغراء» أرجو أن تنشروا هذا الرد بتمامه, وهو تعقيب على تصحيحكم الخطأ اللغوي الذي ورد في الخبر الرئيسي «الرئيس»: «تعيين طه نائباً أولاً». لقد قرأت -كما قرأ غيري- العنوان الرئيسي «الرئيس» الذي ورد في صحيفتكم الغراء «الانتباهة» -وأنا من المواظبين على قراءتها, بل من المهتمين بملاحظة تدقيقها اللغوي, وذلك من طبيعة عملي كمصحح عمل -بحمد الله- خمسة عشر عاماً -وما زلت- في العديد من الصحف بدءاً بصحيفة «السودان الحديث» ثم....ثم «الأنباء», وأخيراً وليس آخراً «مجلة الخرطومالجديدة», بجانب عملي في التدريس بالمرحلة الثانوية- قرأت: «تعيين طه نائباَ أولاً والحاج آدم نائباً ثانياً» بتاريخ الأربعاء 14 «من» ديسمبر 2011م- عدد 1986, وقد حسبت أنه خطأ نتج عن خلط في قاعدة الممنوع من الصرف وما يصرف, ولكن في العدد التالي -الخميس 15/9- ورد تأكيد أن ما ورد في «الانتباهة» وصحيفتين أخريين «الصحافة وألوان» صحيح وليس خطأً, وأن الصحيح الذي ورد في الصحف الأخريات هو الخطأ, وقد أورد الإخوة -في قسم التصحيح- بالمجلة جملة من أدلتهم على صحة خطئهم وتخطئة صواب من خطّأهم. وما يحمد له أن نجد هناك من يتابع الأخطاء الطباعية واللغوية في الصحف, بله صُحُفاً -يجوز فيها ثلاثة أوجه- تهتم بصحة لغتها, وبها قسم مختص بمعالجة الأخطاء والتدقيق اللغوي, في زمن أصبح المصحح فيه آخر من يدرج في فريق عمل الصحيفة, بل مختلفاً «مختلفٌ» -كلاهما جائز- في هُوية -لا تقُل هَوية- وضعه الوظيفي: أهو من «الفنيين» أم من «المحررين»!, ولا تُعرف أهمية دوره إلا بعد ظهور الخطأ في صباح صدور العدد, وكما قال -لعله- هشام بن عبد الملك: اللحن في اللغة كالجدري في الوجه, وكما قال حافظ إبراهيم -رحمه الله-: أَرى كُلَّ يَومٍ بِالجَرائِدِ مَزلَقاً مِنَ القَبرِ يُدنيني بِغَيرِ أَناةِ وَأَسمَعُ لِلكُتّابِ في مِصرَ ضَجَّةً فَأَعلَمُ أَنَّ الصائِحينَ نُعاتِ ألج الآن في الموضوع: أولاً: لقد استخدم الإخوة في الصحيفة أسلوباً علمياً رصيناً, وهم يقررون صحة ما اعتقدوه, وهو أسلوب السبر والتقسيم, ووضعوا احتمالات ثلاثة «ثلاثاً», ولكنهم فاتهم احتمال رابع وهو الذي يبيّن صحة ما نراه وخطأ ما صححوه. ثانياً: قبل أن نورد صحة ما نذهب إليه -إن شاء الله- أحب أن أقرر -للفائدة العلمية- قاعدة كلمة «أول» كما ورد ذلك في كتاب «العربية الصحيحة» للدكتور أحمد مختار عمر -وهو من أهل الشأن في هذا المجال- ط عالم الكتب ص154: لفظ أول: استعمل لفظ أول استعمال أفضل التفضيل, وقد ورد منه في القرآن الكريم بصيغة المذكر أمثلة كثيرة منها -ثم ذكر لها أمثلة- ثم قال-: وقد دخل اللفظ في تعبيرات كثيرة صُرف في بعضها, ومنع من الصرف في بعض ثان, وقطع عن الإضافة فبنى في بعض ثالث: أ- فمن الصرف: ما رأيت له أولاً ولا آخراً «أي قديماً ولا حديثاً», قال الخليل: جعله اسماً فنكر وصرف. ب- ومن منع الصرف: لقيته عاماً أولَ «وهذا ما سنبني عليه تصحيحنا للخبر» - مررت برجل أوَّلَ. ج- ومن البناء: ابدأ بهذا أولُ «كقولك: ابدأ بهذا قبلُ». وأكثر ما جاء لفظ أول غير متبوع بمن, ومن القليل قولهم: هذا رجل أول منك. أه ثالثاً: أما بخصوص ما ورد في الصحيفة «نائباً أولاً», فنورد أيضاً ما ورد في نفس الكتاب ص 224: جاء في إحدى النشرات تعيين فلان موجهاً أولاً للغة العربية.... وقد خلط كاتب النشرة بين استعمالين مختلفين للفظ «أول», ووضع أحدهما مكان الآخر. قال - أي السيوطي- في الهمع -أي كتابه همع الهوامع-: لأول استعمالان؛ أحدهما: أن تكون صفة -انظروا صفة- أي أفعل تفضيل بمعنى الأسبق -كما في خبر الانتباهة-, فيعطى حكم أفضل التفضيل من منع الصرف ...., والثاني: أن يكون اسماً -وهو ما اعتمده المصححون خطأ- مصروفاً, ومنه قوله: ماله أولٌ ولا آخر «3/200». وفي اللسان - أي لسان العرب-: أول غير مصروف في قولك: مررت برجلٍ أولَ. وهو بمنزلة أحمر -لاحظ أحمر مؤنثه حمراء- «يعنى في منع الصرف للوصفية ووزن أفعل». والمثال الذي معنا مما وقعت فيه أول صفة ووزن أفعل, ولذا استحقت منع الصرف -ليس كما زعم مصححو الانتباهة صرفها لأنها ليست من أفعل مؤنثه فعلاء-. أما المصروف فمن أمثلته: ما رأيت له أولاً ولا آخراً - ما تركت أولاً ولا آخراً «كما تقول ما تركت قديماً ولا حديثاً». ومثله يأتي في الترقيم: أولاً -ثانياً-ثالثاً...إلخ. أه وقد ورد في كتاب «شموس العرفان بلغة القرآن» لعباس أبو السعود, المفتش العام السابق بوزارة التربية والتعليم, ص46: ...أن أول إذا أعرب لا يصرف, لأنه صفة على وزن أفعل -لا تنس أفعل تفضيل لا صفة مؤنثه فعلاء-, ولهذا قالوا: كان ذلك عاماً أولَ, ولم يسمع صرفه إلا في قولهم: ما تركت له أولاً ولا آخراً, فجعلوه في هذا الكلام اسم جنس, وأخرجوه من حكم الصفة -وهي الأصل فيه-, وأجروا هذا الكلام بمعنى ما تركت له قديماً ولا حديثاً. أه وعليه نقول: إن منع كلمة «أول» من الصرف لأنها صفة على وزن «أفعل», لكن ليست «أفعل -فعلاء», ولكن اسم تفضيل -كما بينا- يعطى حكم أفعل التفضيل من منع الصرف, وبهذا يتضح خطأ ما قرره الإخوة في «الانتباهة» من قولهم: إن كان احتجاجهم -أي من خالفهم- بأنه صفة على وزن أفعل, فقد وقعوا في الخطأ أيضاً؛ لأن الصفة الممنوعة من الصرف على وزن أفعل الذي مؤنثه فعلاء نحو أحمر حمراء. وكذا خطأ قولهم: أول على وزن فعّل بتشديد العين لاعلى وزن أفعل -من أنبأهم هذا؟- فقد ورد الرد على ذلك كما في لسان العرب لابن منظور «9/195» ط دار الحديث: الليث-أي قال-: من قال تأليف أوّل من همزة وواو ولام فينبغي أن يكون «أفعل» منه أَأْول بهمزتين, لأنك تقول من آب يَئُوب أَأْوب, واحتج قائل هذا القول أن الأصل كان أأول, فقلبت إحدى الهمزتين واواً ثم أدغمت في الواو الأخرى فقيل أوّل, ومن قال إن أصل تأسيسه واوان ولام, جعل الهمزة ألف «أفعل», وأدغم إحدى الواوين في الأخرى وشدّدهما, قال الجوهري: أصل أوّل أوأْل على «أفعل» مهموز الأوسط قلبت الهمزة واواً وأدغم, يدل على ذلك قولهم: هذا أوّل منك.... قال: وقال قوم: أصله وَوَّل على فَوْعَل, فقلبت الواو الأولى همزة. قال الشيخ أبو محمد بن بري -رحمه الله-: قوله أصل أوّل أوْأل هو قول مرغوب عنه, لأنه كان يجب على هذا إذا خُفِّفت همزته أن يقال فيه أوَل, لأن تخفيف الهمزة إذا سكن ما قبلها أن تحذف وتلقى حركتها على ما قبلها, قال: ولا يصح أيضاَ أن يكون أصله وَوْأل على فَوْعل, لأنه يجب على هذا صرفه, إذ فَوْعل مصروف وأوّل -لاحظ- غير مصروف في قولك مررت برجل أوّلَ, ولا يصح قلب الهمزة واواً؛ وَوْأل على ما قدمت ذكره في الوجه الأول, فثبت أن الصحيح فيها أنها -لاحظ مرة أخرى- «أفعل» من ووَّل... وهذا مذهب سيبويه وأصحابه. أه وقال الحريري في كتابه «درة الغواص في أوهام الخواص»: على أن أول إذا أعرب لا يُصرف لأنه على وزن «أفعل» -لا «فعّل» كما ظنتم- وهو صفة -تأكيد لصحة قولنا-, ولهذا قالوا: كان ذلك عاماً أولَ, وما رأيته مذ أولَ من أمس, ولم يسمع من صرفه -كما صرفتموه في الخبر- إلا في قولهم: ما تركت له أولاً ولا آخراً فجعلوه في هذا الكلام اسم جنس وأخرجوه عن حكم الصفة وأجروا هذا الكلام بمعنى ما تركت له قديما ولا حديثاً. أه عليه فالصواب نقول: «تعيين طه نائباً أولَ» لا «أولاً». ختاماً أشكر صحيفة «الانتباهة» والإخوة في قسم التدقيق اللغوي «التصحيح» على حرصهم على إظهار مكان لهم في خضم تلك الأخبار وتلك المعمة, وأن يشهروا سلاح التصويب -وقد ينبو- على كل متمرد يمس بجانب اللغة العربية الفصحى, ويقفوا سداً منيعاً أمامه, فتكون «الانتباهة» انتباهة في زمن «الغفلة» السياسية واللغوية و... و.... والله أعلم وفوق كل ذي علم عليم, وقل رب زدني علماً * مصحح ومعلم بمدرسة الخرطومالجديدة النموذجية بنين