الأخ الكريم عبد المحمود نور الدائم الكرنكي لجمال نفسه يرى الجميل في الناس ويذكر محاسن العدو والصديق كان متأملاً وفناناً تنقصه الريشة «كاراكتيرست» من الدرجة الأولى يرسم بالكلمات ويكتب الشعر أحياناً منفتحاً ينوِّع في قراءاته خلافاً لكثير من أعضاء الحركة الإسلامية الذين يركزون على قراءة كتب التراث الإسلامي ومفكري الحركات الإسلامية يعشق الكتاب الذي يصاحبه في حله وترحاله وفي بصات اللاماب ناصر والرميلة والسجانة المزدحمة يقرأ بعمق ويسوِّد هوامش الكتاب الذي يقرأه بالتعليقات، تزاملنا في الجامعة في السبعينيات وتشاركنا في الجلوس في ميادين الجامعة «وفتة الفول في ود العباس والسخينة في الميز» وتقاسمنا السكن بعد أن تخرجنا في جامعة الخرطوم في اللاماب بحر ابيض في بيت كنا ندير منه عمل الطلاب في الحركة الإسلامية مع كوكبة من النجوم منهم الدكتور أمين حسن عمر والدكتور عبد العزيز عثمان والدكتور محمد يوسف علي يوسف أمين عام ديوان الزكاة والأخ عبد الرحمن محمد موسى والزبير محمد الحسن أمين عام الحركة الإسلامية اليوم بالاشتراك مع الأستاذ حسن رزق «الذي كان أميرنا» والدكتور التجاني عبد القادر والدكتور عبد الرحمن الخضر والي الخرطوم الحالي والدكتور أزهري التجاني وزير الأوقاف السابق والأستاذ يحيى حسين بابكر ومجموعة أخرى من الخريجين المميزين لا يسع المقال لذكرهم. يكتب الكرنكي ويتحدث عما تتميز به عائلة الوالد صديق علي وهو يعلم أن الميزة الأولى كانت لمدينة كسلا التي ازدحمت جامعة الخرطوم بالطلاب الأذكياء منها في السبعينيات وقد كانت دفعة 72 1973 م من الدفعات المميزة لمدرسة كسلا الثانوية حيث كان منها أول السودان وهو عالم الفيزياء الموجود حالياً بالولايات المتحدةالامريكية محجوب على عبد القادر إضافة إلى الدكتور حسب الرسول صديق والمهندس الطاهر على الطاهر اللذين كانا في العشرة الاوائل واذكر ان دفعتنا في قسم الرياضيات نجح كل طلابها في امتحانات الشهادة دخلوا جميعاً جامعة الخرطوم إلا ثلاثة عملوا في التدريس لم يمنعهم من دخول الجامعة إلا اشتغالهم الشديد بالزراعة في السواقي الجنوبية وتجارة الخضروات والفواكة في القضارف وبورتسودان وحلفا الجديدة وممن تخرج منهم في جامعة الخرطوم المهندس عبد الله الشايقي الذي كان وزيراً ونائباً للوالي في كسلا والسعيد عثمان محجوب والطاهرعلي الطاهر «ود محسوس» والمهندس إدريس خوجلي مدير وزارة الشؤون الهندسية بولاية الخرطوم والمرحوم معتصم عثمان أحمد الذي كان ضابطاً في القوات المسلحة وقد حظيت هذه المجموعة في المدرسة الأهلية الوسطى وكسلا الثانوية بكوكبة من الأساتذة المخلصين أذكر منهم أستاذ السر وكمال وعبد المنعم القدال واسحق مراد ومحمد علي التكينة وادريس ابراهيم وحسن كلمون «كلموني الألموني كما يسمي نفسه في الليالي الأدبية التي يزينها بروائعه في مدرسة كسلا الأهلية الوسطى» والمربي العصامي الكبير الأستاذ الزين حامد مدير مدرسة كسلا الثانوية الذي أسس فيها للمنهج المتكامل في التربية في الفصل والنشاط المدرسي خارج الفصل كالرياضة والموسيقا والفنون والتدريب العسكري «الكديت» والمشاركة الاجتماعية ومعه مجموعة من الأساتذة المميزين كهاشم شرشار أستاذ العلوم والناصر ابكروق والهادي عبد الله أساتذة التاريح ومحمد حسن احمدون أستاذ الجغرافيا ومحمد علي بشير أستاذ اللغة الإنجليزية وعوض محمد احمد أستاذ الفنون وسليمان عبد العظيم أستاذ الرياضيات لم تكن اسرة صديق علي هي وحدها الأسرة المميزة وإنما كانت هناك أسر كثيرة تميزت بالنجاج واولها أسرة الباشا محمد احمد التي رضعنا من ثديها حب التعليم والتي منها اختصاصى العيون المشهور بالابيض ومدني والخرطوم الدكتور عوض الباشا والمرحوم الدكتور محمد الباشا نائب مدير هيئة الارصاد الجوية ووكيل جامعة كسلا والسفير بوازرة الخارجية الدكتور محجوب الباشا ومنها أيضاً اسرة المرحوم عثمان محجوب والد الدكتورمحجوب عثمان الاستاذ بجامعة الخرطوم والمرحوم محمد عثمان محجوب الذي تربى على يديه معظم شباب الحركة الإسلامية بالمدينة في السبعينيات والذي كان شجاعاً وطاهراً وشفافاً وقائداً وتنفيذياً من الدرجة الأولى ومنهم السعيد عثمان المهندس «الفنجري كما يسميه والده وقد تربى معه في السوق» وذو المواهب المتعددة والعلاقات الواسعة التي رشحته لقيادة جمعية تطوير الريف بعد أن انتزعها الاتجاه الإسلامي من الشيوعيين في جامعة الخرطوم ومن هذه الأسر أسرة الشايقي والد عبد الله الشايقي ومحمد وعبد الرحيم واسرة عمنا خالد محمد صالح التي منها محمد الذي كان من دفعتنا وقد وقف وهو طالب في السنة الثانية المتوسطة ليحدثنا في حصة الإنشاء الشفهي عن الخطأ السياسي والدستوري لحل الحزب الشيوعي السوداني ورغم دروب الحياة والسياسة التي فرقتنا فإني لا أزال أكن له تقديراً خاصاً وقد زاملته فى مراحل التعليم الثلاث وكنا أكثر من صديقين وقد اصبح بعد ذلك رئيساً لاتحاد مدرسة كسلا الثانوية وكان مهذباً على خلاف كثير من الشيوعيين ومثقفاً رضع روح الرفض والثورة والشيوعية من شقيقته الكبرى آمنة وشقيقه عثمان اللذين كانا معلمين في المرحلة الابتدائية ومن أشقائه أيضاً هاشم وفيصل وكمال ومن تلك الأسر الكسلاوية أسرة القدال المعروفة اسرة عمنا الضيقي التي وفدت من اليمن وتمازجت مع السودانيين ومنهم يحيى علي محسن الضيقي الذي وضع بصمته على معظم شباب كسلا الإسلاميين في السبعينيات وأول الثمانينيات وقد كان منزل أسرته قبلة لهم والذين منهم صلاح عثمان صندوق وآدم التقلاوي ونادر السيوفي الذين تبادلوا رئاسة اتحاد كسلا الثانوية ودخلوا العمل العام من اوسع ابوابه ومنهم أسرة عمنا سيد مسعود والكودة وود عطا وابراهيم يونس والتي تزوج منها الكرنكي ابنتهم حنان وغيرهم كثير مدينة كسلا مدينة موحية تنام في أحضان جبال التاكا ومكرام وتلفها الخضرة في النهار في السواقى الجنوبية والشمالية والشرقية وتكروف ويوحي لها نهر القاش المتدفق بمعاني الحركة والنشاط ويهدأ في موسم الصيف على رمال باردة تحلو فيها ليالي السمر والأنس تعتصم المدينة كلها بحي الختمية حيث يقبع السادة المراغنة بزعامة السيد الحسن والذين ظلوا يحيون نشاط الطائفة الديني من أوراد وطقوس وتعليم ديني وتشييد للمساجد وعمل خيري كإيواء للنازحين واللاجئين واستقبال أصحاب الحاجات على خلاف فرع العائلة الذي سكن الخرطوم فأنسته صراعات السياسة ذلك. يتخذ سكان المدينة من آثار الطائفة في حي الختمية ومن جبال التاكا ونبع توتيل مكاناً للسياحة والبركة في أيام العيد حيث يبيض الجبل بالصاعدين على سفحه كما يبيض بالغمام في موسم الخريف. المدينة تميزت بالتنوع في الطبيعة والسكان حيث توجد بها جالية هندية كبيرة لم تختلط بالسكان كثيراً ولكنها تعاملت معهم وقبيلة الرشايدة التي قيل إن لها أصولاً في المملكة العربية السعودية والعراق والتي ما زالت تحتفظ بعاداتها العربية في تربية الإبل والسكن في خيام الشعر وجالية يمنية تمازجت مع السكان حتى ذابت في «كسلا» وجالية كبيرة من المهاجرين من غرب إفريقيا من الهوسا والفلاتة وقد فتحت المدينة ذراعيها للاجئين الإريتريين في أيام محنتهم وناصرتهم ضد الإمبراطور هيلاسلاسي واشتركنا ونحن طلاب في المدرسة المتوسطة في مظاهرة ضد القنصلية الإثيوبية نظمها الناشطون السياسيون بالمدينة كما جمعت كثيراً من القبائل السودانية من غرب السودان كالفور والبرنو والبرقو والزغاوة ومن شمال السودان كالدناقلة والشايقية والجعليين والرباطاب والحلفاويين الذين تزايدت أعدادهم بعد التهجير حيث وجدوا فيها العزاء والسلوى هذا إضافة إلى قبائل الشرق القديمة والبجا المعروفة كالهدندوة والبني عامر والحلنقة. للمدينة مساهمات سياسية كبيرة غير تلك التاريخية التي ذكرها الكرنكي في مقاله حيث كانت المدينة من أولى المدن التي خرجت في ثورة أكتوبر وقد كانت من أولى المدن التي كوَّنت جبهة الهيئات وأرسلت قطاراً كاملاً لدعم الثورة في الخرطوم وقدَّمت شهداء منهم الشهيد حران الذي كانت تزين صورته مع القرشي وعبد الحفيظ احتفالات الثورة مع الأغنيات الوطنية للفنان محمد وردي والكابلي ومحمد الأمين وناصرت الثورة الإرترية كما أشرت من قبل وكنا ونحن أطفال يدفعنا الفضول إلى الندوات السياسية التي تقيمها الأحزاب في موسم الانتخابات والتي كان من أقدمها تلك التي ناصرت الحزب الوطني الأتحادي في انتخابات ما بعد الاستقلال وهتفت فيها الجماهير باسم الزعيم إسماعيل الأزهري تقول «نحن وراك يا إسماعيل...الشعب فداك يا إسماعيل» وابن الدائرة محمد جبارة العوض تقول «كسلا الثايرة لابن الدايرة» وكانت تبدي قلقها من الأموال الأجنبية التي دعمت بعض الطوائف والقوى السياسية فتهتف «البايع صوتو أحسن موتو».