في مناخ التطورات الأخيرة على صعيد العلاقات «الإكراهية» بين السودان وجنوب السودان، وهي الحديث عن التوقيع على مصفوفة أي اتفاق حول قضايا مرتبة ومرتبطة ببعضها، دعونا نتساءل: ماذا جنت الحركة الشعبية الحاكمة في جوبا من الفترة الممتدة من يوم إيقاف النفط إلى الآن حيث تضمين ملفه في «المصفوفة»؟! لا يمكن أن تتخذ دولة محترمة تحترم نفسها قراراً عظيماً بإيقاف نفطها دون أن تضمن أن مردوده سيحقق مصلحة كبيرة. نريد أن نعرف ما هي هذه المصلحة؟! إن كانت على المستوى المحلي هناك في دولة جنوب السودان، فلا أثر ايجابي على الوضع الاقتصادي ولا تعويض عن عائدات النفط الموقوف إنتاجه. إما إن كانت هذه المصلحة محققة على المستوى الخارجي وهي كسب رضا القوى الأجنبية وبالتحديد واشنطن وإسرائيل لدعم الحكم وحمايته بمختلف الوسائل من أية ثورة تندلع ضده، فإن مثل هذه المصلحة يمكن أن تتحقق دون اللجوء إلى اتخاذ قرار كهذا يقضي بإيقاف إنتاج نفط شعب دولة جديدة من أجل تمرير أجندة غربية وصهيونية ويوغندية من خلال دولة الجنوب لاستهداف السودان من وراء حجاب. إنه حجاب التآمر على كل إفريقيا بغض النظر عن الأصدقاء فيها أو الأعداء. لكن السؤال الآخر الذي نود أن نطرحه في هذا المناخ الدبلوماسي الذي تتفق فيه جوبا مع الخرطوم «علنًا» ولا ندري بتفاصيل ما تضمره مستقبلاً السؤال هو: هل تنازلت حكومة جوبا عن التآمر على الحكومة السودانية وهي تستعد للتوقيع على اتفاق المصفوفة أم فقط تنازلت عن وسيلة سلاح النفط التي اتضح فشلها ولجأت إلى وسيلة نشاط «قطاع الشمال» التابع للحركة الشعبية؟! هذا التساؤل يقودنا إلى سؤال آخر هو: هل يستحيل فك ارتباط حكومة جوبا بقطاع الشمال باعتبار أن هذا الارتباط مطلوب لما وراء الكواليس. لا تستطيع حكومة جوبا أن تقنع الناس بأن ارتباط قطاع الشمال بها لا علاقة له بمشروع تآمر على حكومة الخرطوم، بل على جمهورية السودان بغض النظر عمَّن يحكمها إن لم تكن الحركات المتمردة. قد تكون المصفوفة اتفاقاً جيداً ومثمراً من الناحية الاقتصادية لكن أثرها الإيجابي على الناحية الأمنية يبقى مستبعداً جداً مع استمرار معسكرات حركات دارفور المتمردة داخل دولة جنوب السودان، ومع العلاقة العضوية بين جوبا وقطاع الشمال. من الناحية الأمنية تبقى «المصفوفة» مثل أشجار الموز الكاذب لا يمكن بعد سقايته والاعتناء به أن ينتظر منه أن يثمر موزاً. إن المصفوفة بالمخاطر محفوفة. وأبناء جبال النوبة هذا الأيام تنتشر الأحاديث حول تفاصيل جديدة عن اغتيال الطالب السوداني في جوبا. الطالب هذا «رحمه الله» من جبال النوبة، وفي هذا الوقت تُثار أحاديث أيضاً عن رفض أبناء النوبة في الحركة الشعبية القتال في ولاية النيل الأزرق، وفي هذا الوقت أيضاً يدخل المناضل الذي وجده الله ضالاً فهداه «تلفون كوكو» عامه الرابع داخل معتقل دولة أجنبية هي دولة جنوب السودان. إن كانت تلك هي مصفوفة أديس أبابا للأمن والاقتصاد فهذه هي مصفوفة قطاع الشمال لتكرار مؤامرة استغلال أبناء جبال النوبة في حروب تبقى خادمة بمشروعات تآمرية مفضوحة. { جاء في الأخبار أن الاتحاديين تمردوا على قرارات الميرغني.. ترى هل عادوا لهتاف يحيى الفضل الذي يقول «لا قداسة مع السياسة»؟!