يخطئ الكثيرون من أهلنا في السودان عندما يحملون العواطف الجياشة ويذرفون الدموع على الجنوبيين، وبعضهم مازال عندما يتحدث عن الجنوبيين يقول «الإخوة الجنوبيون» وبعضهم يقول «الأشقاء الجنوبيون» بينما هؤلاء الإخوة «الأشقياء» دباباتهم تدك أراضينا في الحدود، ويستضيفون ويدعمون الحركات المتمردة.. ويقتلون الرعاة وينهبون الأنعام.. ويحدث ذلك حتى يوم الأمس القريب في النيل الأزرق في «سركم» وجنوب كردفان ثم جنوب دارفور.. ثم إن «الأشقياء» الجنوبيين لا يكفون عن وصفنا بأننا عدوهم الاستراتيجي، ويأتي هذا الوصف موثقاً في صحفهم اليومية وفي جريدة «المصير» الجنوبية، وفي قناتهم التلفزيونية.. ولعل «البعض من أهلنا قد شاهدوا تلك الشتائم البذيئة والمنحطة على «اليوتيوب» وغيرها المنقولة من إرسال تلفزيوني جنوبي تقوم به سيدة جنوبية حاسرة الرأس تبدو عليها علامات أنها سكرانة «لط». ومن المؤكد أنه مهما يحدث من تقارب مصنوع نتيجة للتفاوض الذي يدفعه الأمريكان بوساطة من «الثعالب» الإفريقية الذي ستكون نتيجته فتح الحدود والحريات «الأربعين» ونقل البترول، فإن ذلك يجب ألاّ يجعلنا «نفور» و«نندلق» و«ننطط» في الفارغة والمقدودة.. ويجب ألا ننسى أن الجنوبيين يعتبرون السودان الشمالي عدوهم الاستراتيجي، وأن لديهم «مانديت» ومهمة رسمية يقومون بتنفيذها لتدمير الشمال وتكسير بنيته الأساسية و«تحريره» من الإسلام والعروبة.. ومازال اسم جيشهم يحمل اسم «تحرير السودان» ويكون «مجنوناً» ومهووساً من لا يرى هذا الأمر ولا يفكر فيه. فنحن أيها الإخوة مهددون تماماً بالثبور وعظائم الأمور، وبالساحق والماحق والبلا المتلاحق، من الجنوبيين ومن دولتهم الناشئة. فهذه الدولة أولاً ستكون ربيبة وصنيعة إسرائيلية، وإسرائيل لا تكره في الدول العربية كلها بلداً مثلما تكره السودان، حيث أنه الوحيد الذي يكتب في جوازات سفر مواطنيه أنها غير صالحة لزيارة إسرائيل.. وهو البلد الذي يغطي نهر النيل معظم أجزائه، وإسرائيل تقول إن حدودها من النيل إلى الفرات.. وإسرائيل تريد أن «تلعب» بمصائر الشعب المصري وبأعصابه، وتريد أن تفعل ذلك عبر قضية المياه في دول المنبع ودول المصب والسودان جزء منها.. ودولة الجنوب تقوم على إدارتها مجموعة من «صعاليك» الحركة الشعبية التي خلقتها إسرائيل وقامت برعايتها الإدارة الأمريكية ولم تحسن تربيتها الكنائس.. ومهمة الحركة الشعبية أن تعمل على تحرير السودان من اللسان العربي ومن الدين الإسلامي، وهي مهمة تحتاج إلى جهد ومال وزمن ودعم دولي. وهذا ما سيوفره الغطاء والحماية الدولية لهذه الدولة التي تديرها عصابات نهب وسلب، ثم إنه من الضروري ألا يغيب عن أذهاننا أن الجنوبيين قادة وشعباً لا يفهمون أنهم يديرون دولة.. وذلك لأنهم ولفترة الستين عاماً الماضية ومنذ استقلال السودان في 1956م من الإمبراطورية البريطانية التي «لزقت» فينا هذا الجنوب بقرار استعماري، لم يرتاحوا ذات يوم ولم يريحونا من أفعال الحرب والنهب والخطف في الشمال. ولهذا فإن علاقتهم مع السودان الشمالي تقوم على مفهوم علاقة «الخاطف بالمخطوف منه» و «السالب بالمسلوب» و «القاتل بالمقتول».. وحتى بعد انفصالهم بعامين مازالوا يعتقدون أنهم جزء من السودان، وأنهم متمردون علينا، ولأننا «دلعناهم» أكثر من اللازم وكنا نقدم لهم الطعام مجاناً والشراب مجاناً ونلبسهم مجاناً ولم يبق لنا غير أن «نحميهم» ونغسل أدرانهم مجاناً، فهم برضو مازالوا وسيظلون ينتظرون أن نستمر في ذلك. ومن الضروري مرة أخرى أن نعيد على أهلنا خلاصة تلك الدراسة الجامعية التي كان قد أعدها الأستاذ الزائر الجامعي الأمريكي، وقدمها لطلابه في كلية الدراسات الاجتماعية والاقتصادية، عندما قال لهم إنهم أمام مشكلة كبيرة ومعقدة في بلاد السودان، حيث أن قبيلة الدينكا لا توجد في لغتهم كلمة «شكراً» وذلك لأنهم يعتمدون في حياتهم على «القلع» و«السلب»، وقد ظلت تعاملاتهم منذ يوم «لزقوا» في السودان وحتى الآن تتسم بهذه الصفة.. والقوم الذين لا توجد في لغتهم كلمة «شكراً» يستحيل أن يتم التعامل معهم بسهولة. وتأسيساً على ما ذكرناه ومهما جاشت العواطف عند بعضنا ووصفوا الجنوبيين بأنهم الأشقاء والإخوة والجيران، فلا بد من التذكير بأن دولة الجنوب هي دولة عدو استراتيجي، وستظل كذلك إلى أن تتمكن من القضاء على الدين الإسلامي والعنصر العربي. وهذا هو «المانديت» الرئيس لهذه الدولة التي أُنشئت خصيصاً لهذا الغرض. وإذا كانت المفاوضات قد انتهت بأن يتم فتح المعابر ويمر البترول ويتمتع الجنوبيون بالحريات «الأربعين».. فإن المعابر سوف يمر منها الغذاء والكساء والدواء.. وعندما يأكلون وتمتلئ بطونهم إلى أن «تنشرط» سيكون أول أهدافهم ضربنا وتدمير دولتنا.. وعندما تفتح المعابر سوف يذهب إليهم منا كل الطيبات من الغذاء والدواء، وسوف يأتينا منهم كل الرديء من القاذورات، حيث أننا لا نحتاج إلى ذرة واحدة مما لديهم إن كان أصلاً لديهم أي شيء، وعندما يمر البترول من «أنابيبنا» سوف تتدقف عليهم الأموال، وسوف يقومون بشراء الدبابات والأسلحة والقنابل والطائرات، وسوف يمطرون بلادنا بالسعير والشر المستطير والعذاب المقيم، أما الحريات الأربع فبها يستطيعون أن يرجعوا لبلادنا مرة أخرى ويقيمون فيها، ويصبحون شوكة في الأعناق ومرضاً في الحلقوم، ونكون كأننا أعطيناهم حق الانفصال وحق إنشاء دولة عدو وهم مازالوا معنا، مع أنهم العدو الاستراتيجي.