تأتي الزيارة المرتقبة للرئيس البشير إلى جوبا بدعوة من نظيره الجنوبي سلفا كير في ظل ظروف تبدو أفضل من ذي قبل، فيما وصفها البعض بالخطوة الايجابية وفرصة لتمتين وتعزير العلاقات السياسية والاجتماعية والأمنية، خاصة أن البشير يتمتع بشعبية كبيرة في أوساط المواطنين الجنوبيين، وتلك أول زيارة له منذ حصول الجنوب على استقلاله لبدء صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين. وكان السودان وجنوب السودان قد اتفقا على إنهاء الأعمال العدائية واستئناف صادرات النفط الجنوبية عبر الشمال، وإحياء التجارة عبر الحدود بعد اقتراب البلدين من شفا حرب شاملة في الآونة الأخيرة.. ولتكون الزيارة بداية جديدة في العلاقات بين السودان وجنوب السودان، حيث كانت آخر زيارة قام بها البشير الى جوبا عندما شارك في مراسم استقلال جنوب السودان في التاسع من يوليو. وكان من المقرر أن يعقد الرئيسان قمة في جوبا اوائل نوفمبر، لكن السودان ألغاها بعد اندلاع القتال على الحدود واستيلاء الجنوب لفترة قصيرة على حقل هجليج النفطي، وهو حقل له أهمية اقتصادية كبيرة، وفى ذات الاثناء وبينما ترتيبات الزيارة كانت تجرى على قدم وساق نجد أن نائب رئيس جنوب السودان د.رياك مشار قد وصل إلى نيروبي وانخرط في اجتماع خاص مع المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية «فاتو بسنودا»، وقالت حينها بعض وسائل الإعلام الجنوبية إن اللقاء تطرّق لزيارة البشير إلى جوبا وموضوع مذكرة المحكمة الجنائية الصادرة بحقه سابقاً، وأكدت أن مشار بحث المسألة مع المدعية العامة بسنودا وجزم لها بأن دولة جنوب السودان رأت ضرورة التشاور في الأمر، وفي المقابل سارع أولاد قرنق إلى زيارة المدعية العامة عقب لقاء مشار، مؤكدين لها قدرة جوبا على توقيف البشير وتسليمه للمحكمة بخريطة خاصة لا تورِّط النظام السياسي والعسكري بجوبا في الأمر، لكن توقيت الزيارة صادف أهواء الكثيرين ممن يريدون ترجمة الاتفاقيات الموقعة بين العاصمتين إلى واقع ملموس بعد حرب استنزاف مادية وعصبية طالت الجانبين وانهكتهما، ويرى كثيرون أن التوقيت يكاد يكون مواتياً وموفقاً للغاية، لجهة استفادته من الزخم الذي توافر معنوياً بعد توقيع الخرطوموجوبا على مصفوفة آليات ووسائل تنفيذ اتفاقيات التعاون المشترك بين البلدين الموقَّعة في سبتمبر الماضي، وشمل التوقيع الذي تم يوم أمس الأول بالعاصمة الإثيوبية كل الملفات السياسية والأمنية والاقتصادية، بجانب عدد آخر من الملفات المختصة بأوضاع المواطنين والمعاشات وغيرها. وتأتي زيارة البشير لجوبا بعد أن توافقت اللجنة السياسيَّة المشتركة على مصفوفة آليات ووسائل لتنفيذ اتفاق التعاون في تواقيت زمنية محددة، باعتبار أن المصفوفة الموقَّعة تغطي جميع المواد بالاتفاقيات واللجان والترتيبات التنفيذية والإجرائية، وأن التوقيع يشكل إذناً من قيادة البلدين لتنفيذ جميع الاتفاقيات الموقَّعة، وبداية تنفيذ فعلية للاتفاق، ويعزز ذلك تأكيدات كبيري المفاوضين في البلدين بتنفيذ الاتفاقيات بصفة متزامنة ومشتركة ومنسقة. ويرى مراقبون أن معطيات وملابسات الظروف آنفة الذكر في الغالب الأعم قد تقود إلى نجاح زيارة البشيرالمرتقبة الى جوبا، خاصة بعد تقارب وجهات النظر الذى بات وشيكاً ورغبة سلفا كير المُلحة فى تنفيذ الاتفاقيات المبرمة، لاسيما تحت الضائقة الاقتصادية التى تمر بها كل من الدولتين. وأكد المسؤول وعضو المؤتمر الوطنى الذي فضل حجب اسمه ل «الإنتباهة» إن الحديث حول تأمين زيارة الرئيس البشير لجوبا ربما قد يكون سابقاً لأوانه كما أشاع البعض، خاصة أن الخطوة فى حد ذاتها تذكر بسيناريوهات استهداف الرئيس البشير خلال الزيارة التي كان يفترض أن يقوم بها إلى جوبا يوم حمل دعوتها رئيس دولة الجنوب، وأن قرار زيارة الرئيس لم يصدر رسمياً حتى الآن إلا عبر تهانئ الرئيسين عبر الهاتف. واستدرك في حديثه قائلاً: «لا نستبعد أن يكون الحديث الدائر حول دعوة البشير إلى جوبا أمراً لربما يكون داخل القنوات المعنية فقط، لكن الدعوة لم تصدر رسمياً، كما أن تأمين الزيارة لا يتم إعلانه عبر وسائل الإعلام، وإنما يتم عبر جهات وقنوات تعتمد السرية في مهمتها».