{ هل كانت الخطوة الأنسب في هذا الوقت أمام حركتي العدل والمساواة وتحرير السودان بقيادة خليل وعبد الواحد هي التوجيه بإيقاع المجازر في معسكرات النزوح ضد من اختلفوا معهم في التقديرات لاستكمال عملية السلام في ولايات دارفور؟!.. هل هي خطوة ذات عائد نضالي جيد في نظر هاتين الحركتين؟! هل هي ضرورة حتمية لخدمة قضية أبناء دارفور؟! هل يتجاوب أهل دارفور مع مثل هذه السلوكيات التي تُهرق بها الدماء وتنتشر فيها المخاوف الأمنية بين النساء والأطفال؟! إذا كانت حركتا عبد الواحد وخليل قد ساءهما عدم انتظار الحكومة السودانية وبعض الحركات المتمردة والمجتمعين الدولي والإقليمي، وتجاوزتهما كل هذه القوى إلى استعجال إجراءات السلام بعد تماطلهما في هذا الاتجاه فليس من اللياقة أن يكون ثمار النضال هو إشعال حرب أهلية وقبلية بين عناصر الحركات المتمردة.. وليست هذه الطريقة المناسبة للاحتجاج.. وفكرة حركتي عبد الواحد وخليل هذي لا علاقة لها بمنهج النضال الذي يتحدثون عنه إن كانوا من الصادقين بل ارتباطها حسب منطق الأشياء يبقى أقوى بمشاريع التآمر الأجنبية ضد البلاد. هي خطوة من الناحية السياسية للتمرد مضرة جداً لجهة الاستقطاب الجماهيري ومن شأنها أن تقود إلى عزلة أصحابها وبالتالي يصبحون أعداء للوطن، ويكون في انطباع المواطن أن الحكومة وحدها هي التي تتحمّس لحمايتهم وخدمتهم.. لكن في ذات الوقت هناك من يستفيد من اقتتال أبناء دارفور داخل معسكرات النزوح بغض النظر عمّن القاتل ومن المقتول.. إنها القوى الأجنبية المتشكلة من استخبارات ومنظمات وشركات، فهي ترى أن الطريق الوحيد إلى بسط النفوذ ورواج سوق المنظمات ووضع اليد على الموارد والثروات في أية منطقة بدول العالم الثالث. وفي دارفور بعد أن حالف الحظ الحكومة السودانية في إعادة الأمن بدرجة كبيرة كانت مفاجئة لأنها محاطة بالتحديات إحاطة السوار بالمعصم، بعد أن استطاعت الحكومة هناك احتواء كثير جداً من تداعيات الأزمة بتطبيق نظرية الإستراتيجية الجديدة لدارفور، يبدو أن القوى الأجنبية لم تيأس من المضي في المخطط التآمري هناك فقامت بخطة استهبلت بها حركتي عبد الواحد وخليل، وهي إحداث عمليات تصفية داخل معسكر كلمة للنازحين واستهداف نائب رئيس حركة العدالة والتحرير أحمد عبد الشافي في أثناء زيارته للمعسكر.. فليس من مستفيد من هذه التصفيات والاعتقالات لعناصر حركة التحرير والعدالة الموقِّعة على وثيقة الدوحة الأخيرة وهي حلف لمجموعة حركات ويقودها حاكم إقليم دارفور الأسبق التجاني السيسي، ليس من مستفيد منها إلا القوى الأجنبية آنفة الذكر وقادة حركتي العدل والمساواة وتحرير السودان بصفاتهم الشخصية، وتتمثل استفادتهم في خدمة طموحاتهم الشخصية التي عجزوا عن تحقيقها أمام وفد الحكومة في الدوحة، فالوفد الحكومي كان مستعداً للتنازل عن كل شىء لصالح شعب دارفور بخلاف منبر نيفاشا، لكنه لم يكن على استعداد لتوزيع الغنائم لقادة الحركات حتى لا يبرز في مرحلة جديدة قادة تمرد جدد، وتبقى الحكاية «جاه وسلطان وبزنس» باسم قضية دارفور لكن هل استهداف رفقائهم السابقين يعوّض عن العشم في الحكومة أول الأمر؟ وبارت «الممانعة» إذا كان السفير في دولةٍ ما هو الراعي لحسن العلاقات بينها وبين بلاده، وهو حلقة الوصل بين حكومته وحكومة الدولة التي يرأس فيها البعثة الدبلوماسية، إلا أن الظروف السيئة جداً التي تمر بها سوريا، قد جعلت السفير الأمريكي لديها «المستر فورد» كأنه سفير لبلاده لدى المعارضة السورية. فالرجل الذي أغضب نظام البعث الحاكم في دمشق لاستنكاره واحتجاجه على سلوك نظام الأسد في التعامل مع المتظاهيرين في عشرات المناطق السورية وهو سفير واشنطن، فقد أبدى انطباعاً غير جيد عن إطلاق الرصاص على المتظاهرين غير المسلحين والإيحاء بهذا الانطباع لا يقف عند حد الشعور بالاستياء فحسب، بل سيتعداه إلى أن يكون هو المدخل لتكرار الحالة الليبية في سوريا، وهذا ما ألمح إليه السفير فورد نفسه حينما قال: «إن للمعارضة السورية دورًا في إجبار بشار الأسد ونظامه على الرحيل بعد أن رفضت استمرارهما مختلف التيارات السورية» ويريد السفير الأمريكي أن يقول بأن الدور الأمريكي هو ما سيكون في المرحلة التالية والحاسمة.. ولعله يقصد عمليات حلف الناتو التي وضعت حداً للعدوان الجوي الذي قام به القذافي ضد شعبه. لكن هل يرى نظام حزب البعث السوري أنه أمام خيارين لا ثالث لهما هما إما أن يطيحه من الحكم الشعب السوري وإما أن تطيحه قوى أجنبية ولم يفضل نفسياً الأول، وفضل الثاني؟! أم أن نظام البعث الذي عجز عن استرداد الجولان التي تحتلها إسرئيل منذ عام 1967م يراهن على تطبيع سري اضطراري مع إسرائيل يقوم على تغليب مصلحة اليهود وعلى رأسها ملف الجولان؟!.. لقد واجه بعث سوريا ورطة ووقف أمام أزمة حادة لا سبيل إلى اختراقها إلا بالانصياع لشروط الكيان الصهيوني التي طالما رفضها وتاجر سنين عدداً بهذا الرفض، ليكون إمام «الممانعة»، لكن هذه «الممانعة للأسف اتضح أنها كانت ضد الشعب السوري.. وأصحاب معسكر «الاعتدال» لم يفعلوا ضد شعوبهم ما فعله أصحاب معسكر الممانعة مثل نظام القذافي والأسد وبعض حلفاء نظام الأسد الذين يدافعون عنه في قنواتهم الرسمية وحتى في المناسبات العامة مثل الاحتفالات بالقدس، وهو خلط قبيح للأوراق، إذ لا يمكن أن نرفض سفك الدماء لشعب ونقبله لآخر، نرفضه لشعب فلسطين ونقبله للشعب السوري لماذا؟! إذن هي اتخاذ القضايا خديعة.. نعم لقد بارت بضاعتهم الخادعة التي سموها «الممانعة» بارت في سوق الثورة الشعبية، وبان أنهم لا يمثلون إلا أنفسهم ونزواتهم.