الحديث عن مشروع بقامة وقيمة مشروع يجب أن يسبقه وضوء وربما أداء ركعتين تقربًا لله وطلبًا للعون منه للتوفيق في تناول مشكلات مشروع الجزيرة، عندما نريد الحديث عن المشروع يجب أن نؤكِّد أننا لا نتحدث من منظور جهوي أو مناطقي مع أننا من ولاية الجزيرة لكننا نتحدث من حقيقة الجزيرة ومشروعها الزراعي المروي من نقطتين، النقطة الأولى أن الجزيرة ليست جغرافية اقتصادية فحسب بل تُعتبر الجزيرة بوتقة انصهرت فيها كل مكوِّنات المجتمع السوداني في لوحة اجتماعيَّة بديعة جمعت كل قبائل السودان في تعاون ووئام تكاد تذوب فيه كل خصوصية قبلية أو جهوية حتى مثلت الجزيرة أنموذجًا لسودان موحد، النقطة الثانية أن مشروع الجزيرة مشروع قومي كان يغطي كل نفقات السودان وعائداته تبنى عليها ميزانية وموازنة الدولة، بمعنى أن عائداته لا تختص بها الولاية التي يقع بها المشروع لذلك نقول إنه مشروع قومي بل الدولة المستعمِرة بريطانيا إنما عمدت لبناء هذا المشروع ليكون منقذًا ومخرجًا لها من الحالة التي أصابتها بعد خروجها من الحرب العالمية الثانية، وبالفعل كان مشروع الجزيرة الترياق المضاد للفقر والإفلاس لبريطانيا بمنتجه الفريد القطن طويل التيلة. ومشروع الجزيرة بمساحته التي تفوق مليونين ومائة ألف فدان في أرض منبسطة عالية الخصوبة تروى انسيابيًا دون حاجة لاستخدام رافعات المياه يعني دون تكلفة تفتح بلف ماء من النيل الأزرق يرويها حتى النيل الأبيض، هذه الميزة تجعله من أكبر المشروعات في إفريقيا والشرق الأوسط من حيث المساحة والخصوبة وسهولة الري كما تجعله من أهم المشروعات الزراعية في العالم، ومنظمة الأغذية العالمية عندما تتحدث عن الفجوة الغذائية العالمية الحتمية التي تهدِّد عددًا كبيرًا من البشر يتم ترشيح ثلاث دول لسد هذا النقص من أهمها السودان بعد أستراليا وكندا، وهذا المشروع الذي تم ربطه بشبكة سكة حديدية من أقصاه إلى أقصاه لتسهيل نقل المنتجات من مكان الإنتاج إلى أماكن الاستهلاك المحلي أو حتى الإقليمي والعالمي كما تم تكوين مجموعة إدارات متخصصة ومكاتب إدارية موزعة على طول وعرض المشروع بغرض تجويد أداء المراعين وتطويره يرأس كل مكتب مفتش زراعي يتمتع بصلاحيات إدارية واسعة تمكنه من إنجاز مهمته على الوجه الذي يسمح بتطوير الإنتاج والارتقاء بالمزارع كما تم إنشاء وحدات ومراكز علاجية «شفخانات» في قرى المشروع التي بدورها أنشئت ووزعت بعناية راعت جغرافيا المشروع، كل شيء وُضع في مشروع الجزيرة في محله وبخبرة وعلم ليكون مشروع الجزيرة له القدرة على العطاء المستمر وبوتيرة متصاعدة متطورة والجزيرة لها يد في كل بقعة من بقاع السودان وليس لبقعة في السودان يد في الجزيرة هذا مدخل أردنا من خلاله أن نخبر من لا خبرة لهم بمشروع الجزيرة وفي المقالات القادمة بإذن الله نتحدث عن تدمير وقتل المشروع وإنسانه.