توصل مفاوضو جمهوريتي السودان وجنوب السودان وكما هو معلوم لاتفاق برعاية الاتحاد الإفريقي وآليته الرفيعة برئاسة ثامبو أمبيكي حول الترتيبات الأمنية، نصت بنوده على انسحاب الجيشين بعمق عشرة كليومترات داخل حدود كل البلدين من أجل إقامة منطقة عازلة منزوعة السلاح، بغية تمهيد الطريق للأطراف الدولية للقيام بترسيم الحدود بين البلدين، وعلى إثر ذلك سارعت حكومة السودان إلى اصدار أوامر فورية للقوات المسلحة في المناطق الحدودية المتنازع عليها بترك تلك المناطق وبدء الانسحاب. واستجابت القوات المسلحة للأوامر الانسحاب وبدأت عملية الانسحاب الرسمى، بالرغم من المخاوف المصاحبة جراء ذلك الانسحاب، وذلك من خلال التجارب السابقة مع دولة الجنوب ونقضها للمواثيق والعهود الأمز الذى بات ديدنها والسمة الراسخة فى ذهن العقل الجنوبى، إلا أن الحكومة كانت صادقة وجادة فى ذلك، حيث أكد عضو اللجنة السياسية الأمنية المشتركة للمفاوضات مع دولة جنوب السودان الفريق ركن عماد عدوي، اكتمال الانسحاب من المنطقة منزوعة السلاح مع جنوب السودان بكل خطواته الفعلية، مشيراً إلى أن انسحاب الجيشين من المنطقة منزوعة السلاح فى مراحله الاخيرة. وأبان انهم يتلمسون جدية من بقية الأطراف في ما يتعلق بسحب القوات من المنطقة منزوعة السلاح، وقال: «وصلتنا تقارير من الميدان تؤكد اكتمال الانسحاب، وأن العنصر الحاسم في هذه العملية هو الإرادة السياسية للوصول إلى حلول جذرية». وفى الوقت نفسه أعلن الناطق الرسمي باسم الجيش الشعبي لدولة الجنوب العقيد فليب أقوير انسحاب قواتهم من المنطقة المنزوعة السلاح لبدء تنفيذ المصفوفة التى اتفقت عليه الدولتان. وفي أوقات لاحقة بعد هذه التصريحات أفاد بعض التقارير التي أكدتها القوات المسلحة أن الجيش الشعبى لم ينفذ الانسحاب بالكامل الذي تم الاتفاق عليه في المصفوفة، وأرسلت التقارير بذلك رسالة للعالم مفادها أن الانسحاب حدث من جانب واحد فقط مما يعتبر خرقاً للاتفاقية حسب مراقبين، ونية من قبل دولة الجنوب في المراوغة وتمويه القوات المسلحة وتضليلها والاستيلاء على تلك المناطق مرة أخرى. وأعربوا عن عميق أسفهم تجاه عدم التزام جوبا بالاتفاقيات التي وُقِعَتْ، وهذا دليل ومؤشر يؤكد رغبتهم في غزو واحتلال المناطق التي تقول الاتفاقية الأخيرة أنها مناطق عازلة منزوعة السلاح، وذلك من خلال استيلاء قوات الجيش الشعبي التابعة لدولة الجنوب على قطيع من الأبقار في منطقة القرنتي جنوب محلية الدبب بالقرب من إدارية الدنبلوية بولاية جنوب كردفان، وقُدِّرت الأبقار المنهوبة بنحو «200» رأس، وحذَّر أهالي المنطقة مما لا يحمد عقباه ويؤدي إلى تشويش جهود السلام بين الدولتين. وبعث أحد أعيان المنطقة ويُدعى الزاكي زكريا سليمان بخطاب ل «الإنتباهة» وإلى وزير الدفاع رئيس الآلية السياسية الأمنية المشتركة الفريق أول عبد الرحيم محمد حسين، أخطره فيه بتعرض المنطقة لعملية نهب من قبل قوات تتبع للجيش الشعبي بدولة الجنوب، وطالب بإخطار حكومة الجنوب لإرجاع المواشي ومحاسبة منسوبيها. وفى الوقت نفسه نجد تضارباً في التصريحات، حيث أكد الجيش الشعبي لدولة جنوب السودان انسحابه من المنطقة منزوعة السلاح على الحدود مع السودان على لسان الناطق الرسمي باسم الجيش الجنوبي العقيد فيليب أقوير الذي قال إن جيشه أكمل انسحابه من المنطقة تنفيذاً لما جاء في الاتفاق الموقع بين البلدين بالانسحاب «10» كيلومترات جنوباً في الزمن المحدد. وأعرب أقوير في تصريحات للإذاعة السودانية عن أمله في أن تكون حدود الدولتين مناطق للتعاون التجاري، مشيراً للروابط التاريخية بين المواطنين عبر الشريط الحدودي، وأضاف أن لجان المراقبة والآليات المشتركة سوف تتحقق من انسحاب الطرفين وحسن النوايا المتوفرة للجانبين في المضي قدماً في تنفيذ ما اتفق عليه. وأبان رئيس اللجنة الفنية السياسية الأمنية المشتركة من جانب حكومة السودان الفريق الركن عماد الدين عدوي في تصريحات مماثلة أن آلية المراقبة في المنطقة منزوعة السلاح تعطي السيادة لكل طرف، مشيراً إلى أن وجود الأجهزة الأمنية يعزز آليات التطبيق والاستقرار بالمنطقة. وأكد عدوي أن الإرادة السياسية تعد عنصراً أساسياً لتنفيذ مصفوفة الترتيبات الأمنية بين البلدين. جدير بالذكر أن المفاوضات الأخيرة بين الخرطوموجوبا قد أقرَّت ثلاث آليات للتعامل مع أية خروقات حدودية على مدى «10» كليلومترات و «40» كيلومتراً و «50» كيلومتراً على جانبي حدود الدولتين، بينما يرى الخبير العسكري اللواء إبراهيم نايل إيدام ل «الإنتباهة» أن إجراءات الانسحاب لا بد أن تشرف عليها لجنة فنية للتأكد من انسحاب كل من الطرفين وإخلاء المنطقة من القوات المسلحة والجيش الشعبي معاً، ومن ثم يتم رفع تقرير مُفصل لآلية الواساطة المشتركة عن إخلاء المنطقة العازلة فعلياً، حتى لا يحدث تضارب في التصريحات عن انسحاب طرف دون الآخر. وبالرغم من علمنا التام بصدق نوايا حكومة السودان بالالتزام التام بجميع الاتفاقيات المبرمة ولأن جوبا دأبت على نقض المواثيق، نرجح أن انسحابهم وإن تم ربما يكون من أجل عودتهم مرة أخرى وضمان انسحاب الطرف الآخر نهائياً من المنطقة، وعسكرياً يسمى هذا النوع الانسحاب «التكتيكى»، وهذا الشيء ربما يؤدي إلى تأجيل تنفيذ المصفوفة التي شارفت على النهاية، وبدأ الانفراج الفعلي وإنعاش الحراك الاقتصادي بمجرد عودة ضخ النفط.