{ زيارة رئيس مصر إلى السودان أو رئيس السودان إلى مصر وهما دولتان جارتان أمر طبيعي من ناحية دبلوماسية منذ أن رفع الزعيم إسماعي الأزهري علم السودان وقطع العشم المصري القديم في دولة وادي النيل الواحدة من الإسكندرية إلى نمولي، فإذا قامت هذه الدولة وتحقق الحلم الأوَّل للأحزاب الاتحادية، لكانت القاهرة قد ورثت «أزمة الجنوب».. لكن بعدول الإتحاديين عن موقفهم الداعي إلى الوحدة مع مصر، قد عفا الله دولة شمال وادي النيل من مشكلة خادمة للنفوذ والمطامع الأجنبية اسمها «قضية جنوب السودان». لكن الآن الرئيس المصري الذي يزور البلاد حالياً هو قيادي بجماعة الإخوان المسلمين، وهي بالطبع صاحبة منبر دعوي ظلت تدعو من خلاله إلى استئناف الحياة الإسلامية طيلة عقود من الزمان بعد أن تأثرت هذه الحياة باستضعاف الدولة العثمانية من قبل القوى الأجنبية المتآمرة ثم انهارت ليحل محلها الاحتلال الأوربي ويحاول تغيير دين الناس، وقد حقق في هذا الكثير جداً. فقد أصبح أغلب الناس وكأنهم غير مسلمين بفعل تأثير الحكم الأوربي الاحتلالي الذي أول ما استهدفه عقيدة المسلمين وأعراضهم وشرفهم. لكن الآن فإن الفتح الإسلامي ينطلق في مصر من صناديق الانتخابات، فهو يعود من جديد بطريق آخر يتفق مع العصر وتحدياته.. لقد قال أغلب الناخبين المصريين نعم لمرسي. إن الإسلاميين لم يحتلوا مصر كما فعل الأوربيون ليحكموها، ولم يرثوا حكمها من الاحتلال الأوربي ليستمروا في ملك عضوض. ولم يأتوا بانقلاب عسكري كما حدث في 23 يوليو 1952م بل خاضوا معركة انتخابية لا سبيل إلى التزوير لصالحهم فيها. وكسبوها. لكن رغم ذلك واجه حقهم الانتخابي الشرعي هذا حرباً من خصومهم، توحي بأن حكاية الديمقراطية ليست إلا ألعوبة عند كثير من الناس، وإنها تقليد أعمى لثقافة أجنبية محاربة للإسلام. فقد انكشف القناع وانفضح الأمر. الطرفة السياسية الجديرة بالذكر هنا هي أن السيد الصادق المهدي رئيس الوزراء المنتخب حينها حينما زار في الثمانينيات مترئساً وفداً من بعض الوزراء إلى مصر، كان وزير الثقافة والإعلام حينها محمد توفيق أحد أعضاء الوفد الزائر قد همس لنظيره المصري صفوت الشريف قائلاً: «لأوّل مرَّة تلتقي مصر والسودان تحت حكم ديمقراطي. أي أن الحكم في عهد مبارك كان ديمقراطياً. وطبعاً معايير خصوم الإسلاميين في مصر تقول بأن ديمقراطية حسني مبارك أفضل من ديمقراطية ثورة 25 يناير إذا جاءت بالإسلاميين إلى الحكم. لكن الحقيقة هي أن مبارك كان يحكم بقوة أمنية أما مرسي فهو الآن يحكم بقوة انتخابية. فهل تقول الآن إنه لأول مرَّة يلتقي السودان ومصر تحت حكم ديمقراطي واحد؟!.. إن خصوم الإسلاميين في مصر يتظاهرون ضد الرئيس المنتخب وينادون بإسقاطه.. وخصوم الحكومة السودانية يتحدِّثون عن تزوير آخر انتخابات رئاسية. فهل لا مجال للقول بأن مصر والسودان يلتقيان الآن تحت حكم ديمقراطي واحد؟! على أية حال نقول بأن الرئيس المصري الدكتور محمد مرسي يزور السودان بعد أكثر من ستة عقود مرَّت على عودة الشيخ علي طالب الله من مصر حاملاً في ذهنه من جماعة الإخوان المسلمين المصرية نسخة من مشروع استئناف الحياة الإسلامية. إن هذا المشروع الكبير انطلق من مصر إلى دول عديدة وعدد مقدَّر منها سبق مصر في وصول الإسلاميين إلى الحكم.. وإن كانت مصر تعاني من الدولة العميقة فهو ميراث إلى زوال، والشارع المصري يشهد.