والاكتشاف المفاجئ، بأن البنوك أوسمِّها المصارف هي «الشيطان» الذي يتخبط اقتصادنا، ليس جديداً كل الجدة، ففي كتابٍ صدر قبل فترةٍ للأخ الدكتور عبد الماجد عبد القادر، الأمين العام لمجلس الصمغ العربي، والكاتب بالزميلة «الرائد»، والمصرفي السابق، تجد تشخيصاً بصيراً لأدواء البنوك، من خلال جملة مقالات سبق أن نُشرَ بعضُها بالصحف قبل أعوام، تشخيصاً لأدواء البنوك التي نضجت ثمارها المريرة هذه الأيام، وتجدُ في ذات الكتاب الدواء موصوفاً بدقة دقيقة، حتى كمية «الجرعات» اللازمة، وعددها، والفترة التي يجب أن يمكث فيها المريض جهازنا المصرفي بما فيه بنك السودان في المستشفى.. ولكن، متى كان يُسمعُ لكاتبٍ صحافيٍّ قول، حتى ولو كان خبيراً ومتخصصاً ؟؟.. والجهازُ المصرفي، قبل الحديث عن «فساده» عفواً، لا أحب تسمية الأشياء إلا بمسمياتها الحقيقية أقول، قبل الحديث عن فساده «القيمي» المتمثل في جملة البلاوى المتصلة بشأن المال، تبديده وسوء استثماره و«الاستهبال» في تحريكه بما يجعلُهُ «دُولةً بين الأغنياء»، قبل هذا، ظل متهماً من قبل الكثيرين، بمن فيهم الخبير المصرفي الذي كان مديراً لعدة بنوك، الأستاذ عبد المجيد منصور، ظل جهازنا المصرفي متهماً «بالزندقة»، من خلال تعامُلِهِ بالربا المكشوف، بعد أن قام بتغيير الأسماء والمصطلحات فقط، وظلَّ، فوق ذلك، متهماً «بالنصب» على صغار المساهمين «راجع مقالة الأستاذ أحمد المصطفى إبراهيم بعنوان «البنك الحاوي» ومقالات أُخرى للكاتب في ذات الشأن، وبمقدورك أيضاً مراجعة تعليقات بعض القراء الذين شربُوا من ذات الكأس».. وظل ذات «المذكور» متهماً بإفساح المجال لقياداتٍ في البنوك تفعلُ ما ذكرهُ الأستاذ إسحق فضل الله في «آخر ليله» الأحد الماضي، بعنوان «24« ساعة.. ولكن.. هل تظُنُّ، يا مولانا، أن هذه «البنوك» التي أصبحت فجأةً في «قلب المسرح»، عاريةً كما خلقها ربها، هل تظُنُّ أنها فعلت كُلَّ هذه الأفاعيل بمبادراتٍ ذاتيَّةٍ منها؟ البنوك هي، دائماً، أفضل من يُدرك أبعاد الحكمة الشعبية السائرة : «المال السايب يعلِّم السرقة»، ولما كان «بنك السودان» مدججاً بأجهزته الرقابية وسلطاته وأسلحته، ب«حراسة» مالنا، حتى لا «يسيب» فيُعلِّم بعض البنوك البريئة الساذجة، داء السرقة، فأظُنُّ والله أعلم أنَّ مسؤولية بنك السودان عن أي ضربٍ من ضروب الفساد المالي، في أي بنك أومصرفٍ من مصارف هذا البلد، لا تقلُّ عن مسؤولية البنك أوالمصرف المعني، فبنك السودان هُوالمعني ب«تربية» وتأديب أي مصرف أوبنك، كمسؤولية أي أبٍ رشيد عن تربية وتأديب أبنائه، وإلا فلا يستغربنَّ أحدٌ إذا قامت تلك البنوك برفع قضية «حجر» على أبيها، بنك السودان، بتهمة «الخرف» وعدم الأهلية للتصرف في ماله، وأظُنُّ أن القضاء العادل سوف يحكم لها بالحجر، فالأبُ لا يملك الشواهد الكافية التي تثبت أهليته، والدليل أبناؤه!!.. دع عنك هذا، وتساءل مع الأخ الدكتور عبد الماجد عبد القادر عن الفرق بين البنوك التجارية والبنوك الاستثمارية، وهل توجد لدينا فعلاً بنوك استثمارية بمعنى الكلمة؟؟ أين أثرها على التنمية؟؟ لماذا أصبحت الثقافة المصرفية العامَّة لدى مصارفنا كلها تقريباً هي التجارة الهامشية واستيراد السلع الاستهلاكية غير الضرورية، إن لم تكن «المضروبة» والنفايات؟؟ لماذا يكاد دور مصارفنا يكونُ صفراً في شأن المشروعات الاستراتيجية والتنموية الحقيقية؟؟ لماذا يكون استيراد «الخبائز» وألبان «البودرة» و«الحلويات» أولى وأجدى من استيراد التراكتورات وطلمبات رفع المياه والآليات الزراعية؟؟ هذه الأسئلة، وآلاف غيرها، لن تتمكن المصارف المغضوب عليها هذه الأيام من الإجابة عنها، ويكون «الرماد» المسكين، قد كال «حماد» الأكثر مسكنةً، إذا لم يتمكن بنك السودان من تقديم إجابات شافية ومقنعة لهذه الأسئلة..