في الوقت الذي بدأ فيه السودان وجنوب السودان إحراز تقدم ملمومس في الملفات المطروحة بينهما حول الترتيبات الأمنية والمناطق المختلف بشأنها، إضافة لفتح المعابر بين الدولتين في النقاط العشر المحددة، وتواثق الطرفين على ذلك بحضور الوسيط الإفريقي، ومضى كل طرف لأجل تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، يلاحظ تعثر المفاوضات في الجانب الآخر بين الحكومة وقطاع الشمال بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا حول أجندة المفاوضات والتي لم يتم الاتفاق عليها بين الطرفين بحسب الأخبار المتواترة من هناك، حيث أن الحركة الشعبية «قطاع الشمال» برئاسة ياسر عرمان أصرت على إدخال قضايا إدارة الحكم بالسودان وترتيبات دستورية ومشكلة دارفور إضافة إلى ترتيبات الحكم في المنطقتين «جنوب كردفان والنيل الأزرق» ضمن الأجندة التي يناقشها منبر التفاوض حول المنطقتين، فيما أعلنت الخرطوم رفضها لهذا المقترح، وتمسكت بالحوار والتفاوض حول المنطقتين فقط دون إدخال أي من تلك القضايا قائمة الأجندة المفروض مناقشتها. ويرى مقربون من الطرفين وصول الطرفين إلى طريق شبه مسدود بتهديد الخرطوم الانسحاب من التفاوض. فيما يرى آخرون تطمينات الوساطة بإخضاع المقترحات للدراسة بغية الخروج بمسودة إطارية يمكن أن يجمع حولها وتنال رضا الطرفين مجرد محاولة لإرغام الطرفين لإكمال الجولة وعدم السماح بإجهاض محاولة الاتحاد الإفريقي الرامية إلى إسكات صوت البندقية. وقد حصرت الوساطة محاور التفاوض بين الطرفين في ثلاث نقاط فقط، وهي محور المسائل السياسية ومحور الترتيبات الأمنية إضافة لمحور الأوضاع الإنسانية. سعادة العميد «م» الأمين محمد الخبير الإستراتيجي يقول ل «الإنتباهة» إن قطاع الشمال يدخل للمفاوضات بعقلية كسب الوقت، وثانياً التعريف بنفسه كجسم كبير معترف به من قبل الحكومة التي رضيت أن تفاوضه بالعاصمة الإثيوبية أديس، مؤكداً أن ذلك يعطي القطاع دفعة معنوية كبيرة وهو يراهن نفسه على تحقيق إنجازات أشبه بما حققته الحركة الشعبية الأم وربط أمين خطوة القطاع بالحركة الشعبية الأم بنوايا عرمان التي أفصح عنها حين أعلنت حركته اختيار خيار المواجهة العسكرية بدلاً عن التفاوض والحوار المشترك الذي نسبة تقريبه لوجهات النظر تتعدى أكثر من «70%». وأضاف أمين أن على الحكومة توصية وفدها المشارك بعدم إبداء اللين أكثر لتجنب الهفوات التي ارتكبتها في نيفاشا. مشيراً إلى أن ذاك التنازل والتساهل الذي أبدته سابقاً لم يعط منجزات الاتفاقية دعماً معنويا كبيراً يشجعها على المضي قدماً في إنجاز تلك المخرجات بالصورة المطلوبة، رابطاً ذلك بما حققته الحركة الشعبية الأم من إنجازات. وقال إن القطاع يراهن على ذلك بمحاولته إدخال هذه النقاط المختلف بشأنها التي وردت في الميثاق الذي تزعمه القطاع بيوغندا، وما عرف بميثاق الفجر الجديد الذي سعى إلى تجزئة السودان والنظر إلى قضاياه من واقع الأقاليم التي قد تؤدي إلى تقرير مصير كل جسم من تلك الاقاليم إذا ما أراد ذلك، وبهذا يريد القطاع أن يفتح المزيد من المساحات المشجعة لإشعال الحروب وتأجيج أزمات السودان. ولكن الخبير العسكري سعادة الفريق أول ركن محمد محمود جامع، أرجع ذلك لما يجده القطاع من دعم خارجي متمثل في الدفعة الكبيرة التي يتلقاها من واشنطن وإسرائيل وغيرهما من الدول صاحبة الأجندة المغرضة في السودان، مشيراً للرباط الأيدولوجي الذي يربط القطاع بتلك الأطراف التي تتفق معه في إزالة نظام الخرطوم وإبدال الحكم بآخر ديمقراطي بحسب وجهة نظر جماع وتناول جهود القطاع في تأزيم الموقف الأمني بولاية جنوب كردفان، وإصراره الزائد على إخراج المنطقة من دائرة الإنتاج، في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة المركزية بإعادة اللاجئين إلى ديارهم بالمنطقة من دول الجوار ومحاولتها الدائمة لخلق واقع أمني يؤدي إلى انسياب الحياة اليومية بصورة تؤدي إلى إنفراج الأزمة هناك. بينما يرى سعادة اللواء الأرباب ضرورة إبداء النفس الطويل للوصول لسلام يحفظ الأمن والاستقرار للسودان، وقال في حوار سابق ل «الإنتباهة» إن القطاع يسعى لأهدافه بخطى واثقة، وهو مدعوم من الخارج، وأن أهدافه واضحة وكلها تسعى إلى خلق نيفاشا (2) والمشاركة في السلطة وتغيير هوية النظام القائم فيها، أو تقرير مصير المنطقتين على أقل تقدير. ودلل الأرباب على وجود الأيادي الخارجية في قطاع الشمال بالدعم المباشر الذي يتلقاه من الولاياتالمتحدة في الإطار اللوجستي والتمويلي وغيره من مجالات التعامل التي يقدمها نظام أمريكا للحركات المتمردة في السودان، بيد أن أرباب أكد أن خير وسيلة للوصول إلى السلام هي التفاوض والجلوس للحوار، لأن الحرب لها آثارها وهي بالطبع غير مرحب بها وبالتالي على الحكومة توجيه وفدها باتخاذ الخطوات الإيجابية تجاه تحقيق الرؤية الكلية للحكومة من خلال هذا المنبر. واتفق آخرون مع ما أبداه وفدا المنطقتين في المفاوضات بشأن عدم حصر التفاوض على وثيقة نافع عقار للحيلولة دون حصر المحاورين على من يحملون السلاح فقط، وأكد هؤلاء أن وفد قطاع الشمال يريد بذلك إقصاء أبناء المنطقتين وأصحاب المصلحة المشاركين في المنبر بدلاً من تضمين المسائل المشتركة للخروج بالأزمة إلى الحلول المرجوة، وزاد آخرون أن القطاع يريد تأزيم عملية الوصول لحلول بشأن تلك المناطق لإطالة أمد الحرب التي ينتفع منها قادته، في وقت يتجرع إنسان المنطقة أبشع صور التشريد والفقر والجوع والمرض.