يقول عز وجل في كتابه العزيز في سورة آل عمران الآية «200» يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون» صدق الله العظيم. فالصبر في حقيقة الأمر هو زاد الطريق في هذه الدعوة، إنه طريق طويل وشاق وحافل بالعقبات والأشواك ومفروش بالدماء والاشلاء وبالايذاء والابتلاء.. والصبر على شهوات النفس ورغائبها واطماعها ومطامحها وضعفها ونقصها وعجلتها وملالها من قريب! والصبر على شهوات الناس ونقصهم وضعفهم وجهلهم وسوء تصورهم وانحراف طباعهم واثرتهم وغرورهم والتوائهم واستعجالهم للثمار، والصبر على تنفج الباطل ووقاحة الطغيان وانتفاش الشر وغلبة الشهوة وتصعير الغرور والخيلاء، والصبر على قلة الناصر وضعف المعين وطول الطريق ووساوس الشيطان في ساعات الكرب والضيق، الصبر على مرارة الجهاد لهذا كله، وما تثيره في النفس من انفعالات متنوعة من الألم والغيظ والحنق والضيق، وضعف الثقة أحياناً في الخير وقلة الرجاء احياناً في الفطرة البشرية، والملل والسأم واليأس أحياناً والقنوط والصبر بعد ذلك كله على ضبط النفس في ساعة القدرة والانتصار والغلبة واستقبال الرخاء في تواضع وشكر وبدون خيلاء وبدون اندفاع إلى الانتقام وتجاوز القصاص الحق إلى الاعتداء، والبقاء في السراء والضراء على صلة بالله، واستسلام لقدره، ورد الأمر إليه كله في طمأنينة وثقة وخشوع. والمصابرة وهي مفاعلة من الصبر.. مصابرة هذه المشاعر كلها ومصابرة الأعداء الذين يحاولون جاهدين أن يغلوا من صبر المؤمنين.. مصابرتها ومصابرتهم، فلا ينفد صبر المؤمنين على طول المجاهدة بل يظلون أصبر من أعدائهم وأقوى: أعدائهم من كوامن الصدور، وأعدائهم من شرار الناس سواء كأنما هو رهان وسباق بينهم وبين أعدائهم، يدعون فيه مقابلة الصبر بالصبر والدفع بالدفع والجهد بالجهد والإصرار بالإصرار.. ثم تكون لهم عاقبة الشوط بأن يكونوا أثبت وأصبر من الأعداء.. وإذا كان الباطل يصبر ويصبر ويمضي في الطريق، فما أجدر الحق أن يكون أشد إصراراً وأعظم صبراً على المضي في الطريق. والمرابطة.. الإقامة في مواقع الجهاد، وفي الثغور المعرضة لهجوم الأعداء.. وقد كانت الجماعة المسلمة لا تغفل عيونها أبداً ولا تستسلم للرقاد! فما هادنها أعداؤها قط منذ أن نوديت لحمل أعباء الدعوة، والتعرض بها للناس. وما يهادنها أعداؤها قط في أي زمان أو في أي مكان وما تستغني عن المرابطة للجهاد، حيثما كانت إلى آخر الزمان. إن هذه الدعوة تواجه الناس بمنهج حياة واقعي.. منهج يتحكم في ضمائرهم، كما يتحكم في أموالهم، كما يتحكم في نظام حياتهم ومعايشهم.. منهج خير عادل مستقيم. ولكن الشر لا يستريح للمنهج الخير العادل المستقيم، والباطل لا يحب الخير والعدل والاستقامة، الطغيان لا يسلم للعدل والمساواة والكرامة.. ومن ثم ينهض لهذه الدعوة أعداء من أصحاب الشر والباطل والطغيان.. ينهض لحربها المستنفعون المستغلون الذين لا يريدون أن يتخلوا عن الاستنفاع والاستغلال. وينهض لحربها الطغاة المستكبرون الذين لا يريدون أن يتخلوا عن الطغيان والاستكبار. وينهض لحربها المستهترون المنحلون، لأنهم لا يريدون أن يتخلوا عن الانحلال والشهوات.. ولا بد من مجاهدتهم جميعاً، ولا بد من الصبر والمصابرة، ولا بد من المرابطة والحراسة، كي لا تؤخذ الأمة المسلمة على غرة من أعدائها الطبيعيين الدائمين في كل أرض وفي كل جيل. هذه هي طبيعة هذه الدعوة كما ورد على لسان الشهيد سيد قطب وهذا طريقها.. إنها لا تريد أن تعتدي، ولكن تريد أن تقيم في الأرض منهجها القويم ونظامها السليم.. وهي واجدة أبداً من يكره ذلك المنهج وهذا النظام ومن يقف في طريقها بالقوة والكيد، ومن يتربص بها الدوائر ومن يحاربها باليد والقلب واللسان.. ولابد لها أن تقبل المعركة بكل تكاليفها ولابد لها أن ترابط وتحرس ولا تغفل لحظة ولا تنام. والتقوى.. والتقوى تصاحب هذا كله، فهي الحارس اليقظ في الضمير يحرسه أن يغفل، ويحرسه أن يضعف، ويحرسه أن يعتدي، ويحرسه أن يحيد عن الطريق من هنا ومن هناك.. ولا يدرك الحاجة إلى هذا الحارس اليقظ إلا من يعاني مشاق هذا الطريق، ويعالج الانفعالات المتناقضة المتكاثرة المتواكبة في شتى الحالات وشتى اللحظات.