تتجاذبك أفكار عديدة وتصطرع في دواخلك تخيلات شتى وأنت في الطريق لتلك البقعة المباركة مدينة «ود الفادني» أرض القرآن والذكر والكرم بولاية الجزيرة المعطاءة بالسودان، حللنا ضيوفًا على الخلوة قُبيل الظهر بقليل والتقينا بدون ترتيب سابق أو مواعيد بالخليفة محمد بن الخليفة الريح عليه رحمة الله وكان لنا معه الحوار التالي: حوار: جمال فقيري حدثنا بدءًا عن تاريخ هذه الخلاوى وتطورها؟ تأسست هذه الخلوة خلوة ود الفادني منذ 300 عام تقريبًا وتعاقب عليها تسعة خلفاء منذ تأسيسها حتى اللحظة وقد كان همهم في المقام الأول الاعتناء بالقرآن حفظًا وتلاوة وتجويدًا. وما زلنا نمضي على ذات الطريق الذي وجدنا عليه آباءنا المؤسسين ولم نحد عنه ولن نحيد حتى نلقى الله سبحانه وتعالى. ما هي السعة الاستيعابية للخلوة؟ هناك أعداد كبيرة جدًا من الطلاب المستديمين الذين يأتون لحفظ القرآن كاملاً وهؤلاء يأتون من جميع أنحاء السودان وهناك أكثر من «150» دارسًا من خارج السودان كان معظمهم من الدول الإفريقية والآن لدينا طلاب من دول أخرى من آسيا وأوروبا وحتى أمركا والحمد لله. وفي فترات العطلة الدراسية يتوافد على الخلاوى عدد كبير من طلاب المدارس بمختلف مراحلها؛ الأساس والثانوي والجامعة ولقد استقبلنا في العطلة الماضية أكثر من 1300 طالب ونتوقع أن يزيد العدد هذا العام. خلاوى ود الفادني لها سمعة طيبة داخل وخارج السودان ما هي أهم مميزاتها والتي نالت بها هذه المكانة؟ هناك مميزات عديدة تميز خلاوى ود الفادني لعل أهمها التركيز على القرآن الكريم تجويدًا وحفظًا وتلاوة وعدم مزاحمته إلا بما يخدم فهمه والعمل به، هناك منهجية يقوم عليها تعليم القرآن الكريم في هذه الخلاوى وهي واحدة من أسرار تميز الخلوة فضلاً عن أننا نتبنى منهجًا وسطًا معتدلاً رغم أننا نستوعب داخل الخلوة جميع طوائف المسلمين لا ننبذ أحدًا ولا نُقصي طائفة. مشروع كبير بهذا المستوى يحتاج بلا شك لتمويل ضخم، فمن أين تحصلون عليه؟ نعتمد بعد الله سبحانه وتعالى على دعم الدولة ومن حسن حظنا أننا نعيش في ظل حكومة إسلامية تعنى بدعم الخلاوى ومراكز تحفيظ القرآن وهذا أمر يجب أن نعترف به، الدولة هي أكثر داعم لنا بعد الله سبحانه وتعالى. هناك اتجاه عالمي نحو تمويل العمل الخيري والدعوي من خلال الاستثمارات والأوقاف إلى أين وصلتم في هذا الملف؟ هذا صحيح، فالاستثمارات والأوقاف تؤمن لك اعتمادات مالية كبيرة ومستقرة ومتواصلة ولقد بذلنا جهدًا مقدرًا في هذا الجانب وكان لنا سعي ونتطلع إلى ان نجني ثمرته قريبًا جدًا بإذن الله. قامت بعض الخلاوى بإنشاء مدارس قرآنية بداخلها تحفظ القرآن ثم تلحق الطالب بالأساس يدرس سنتين ثم الثانوية وبعدها ينتقل إلى الجامعة.. كيف تقيمون هذه التجربة؟ وهل هناك اتجاه لتطبيق هذه الفكرة؟ لقد درجت الخلوة منذ وقت ليس بالقصير على ادخال طلابها قبل أن يصلوا سن العشرين بالمدارس المحيطة بالخلوة بحسب مستوياتهم حتى لا تفوتهم فرص الالتحاق بالتعليم النظامي للدولة والذي يؤمن لهم فرص الدخول للجامعات ولدينا طلاب تخرجوا من هذه الخلوة وتخرجوا من الجامعات من مختلف التخصصات الدراسية وهناك طلاب ما زالوا يدرسون وهذا ينفي شبهات بعض العلمانيين الذين يتهمون الخلاوى بعدم الاهتمام بالتعليم الأكاديمي وبابعاد الدارسين بها عن المسار الطبيعي للتعليم، فنحن نريد الطبيب الحافظ لكتاب الله والمهندس الحافظ لكتاب الله والمعلم الحافظ لكتاب الله ولا نرى تعارضًا بين الأمرين. وفكرة انشاء المدارس داخل الخلاوى فكرة مطروحة من قبل حكومة ولاية الجزيرة يرعاها الاخ مسؤول الحكم المحلي ونرجو أن تجد الرعاية اللازمة والاهتمام الكافي الذي يؤمن لها النجاح. في الذاكرة صور مخيفة للعقاب البدني والنفسي الذي يجده طلاب الخلاوى، أما زال نظام العقاب القاسي قائمًا حتى اللحظة؟ هذا صحيح كان العقاب قاسيًا بعض الشيء في الماضي وكان مدعاة لنفور الطلاب منها، ولكن حدثت تحولات كثيرة في الوقت الراهن جعلت من العقاب الشديد والقاسي حكايات ماضية، فالطلاب يأتون الخلاوى ولديهم رغبة شديدة في التعلم لا كما كانت في السابق الزام واجبار من قبل الآباء وأولياء الأمور، فضلاً عن أن كثيرًا من المشايخ والعاملين في هذه الخلاوى صاروا أكثر اتصالاً بأسس التربية والتعليم من قبل، ولهذا اصبحت الخلاوى اليوم أكثر جاذبية من قبل وأكبر دليل على ذلك هذا الاقبال من طلاب المدارس والجامعات على الخلوة والانقطاع لها لأكثر من 3 أشهر. كلمنا ختامًا عن يوم الطالب في الخلوة كيف يمضيه؟ يبدأ اليوم قبيل صلاة الفجر بساعة أو أكثر وهي ما تعرف في الخلوة ب «الدغشية» وتستمر القراءة بعد الصبح وهناك «الرمية» وفيها يملي الشيخ على الطالب ما يجب عليه حفظه ويقوم الطالب بقراءته خلف الشيخ ويستمر في الحفظ إلى قبل الظهر حيث يرتاح قليلاً ليستأنف الدراسة بعد الظهر وبعد العصر وفي الليل قبل النوم هناك «السبع» وسميت السبع لأن الطالب كان يقرأ سبع القرآن كل ليلة ويمكنه ختم القرآن في عدة أيام.