ينظر الكثيرون إلى الشخص المفصول والمعاشي نظرة عجز وعطف بل إن هناك من يعتبرهم عالة اجتماعية وحملاً ثقيلاً، وتعد الآثار الاجتماعية والنفسية الناجمة عن عملية التقاعد أو الفصل من أقسى اللحظات التي يمكن أن يعيشها الفرد ولذلك تعد تلك المرحلة هاجسًا يلازم كل فرد في الخدمة فهي تحمل في طياتها عناصر تمس جوانب حياته النفسية والأسرية والاجتماعية ناهيك عن الجوانب الاقتصادية «الملف الاجتماعي» ناقش القضية مع عدد من المختصين وجاءت إفاداتهم كما يلي: مفترق طرق يروي العم صديق الهادي «معاشي يناهز عمره السبعين عامًا» تجربته بصوت حزين قائلاً: عملت بإحدى المؤسسات الحكومية أفنيت بها زهرة شبابي متفانياً في مهنتي التي أعتز بها كثيراً، وبرغم قناعتي التامة بأنني وصلت إلى سن المعاش وحانت لحظة تقاعدي إلا أن الصدمة كانت لها أثر عميق في نفسي وأصبت بإحباط كبير فقد كان علي تحمل نظرات العطف من أعين أبنائي الكبار والجلوس طوال اليوم على الطرقات والنوادي لاحتساء القهوة والشاي وتصفح الصحف مع أبناء جيلي من المعاشيين وكبار السن، وفي اعتقادي أن تجربة الفصل او المعاش لا تختلف كثيراً فكلاهما يحمل ذات الإحساس، فالإنسان المعتاد على العمل يجد صعوبة في الجلوس في البيت بلا عمل ووجود نفسه في النهاية على مفترق طرق أمر يصعب تقبله إلا من القليلين، فعليه عدم الاستسلام وأن ينطلق ببداية جديدة يخلق منها مبادرات شخصية يُنجز من خلالها نجاحاً لم يحققه في شبابه. عدم رضا المرؤوسين وبدورها ترى سناء عثمان «موظفة» أنها برغم علمها التام بعدم رضاء مديرها عنها إلا أنها لم تتوقع أن يصل به الأمر إلى التفكير في فصلها، وتضيف قائلة: لذلك فقد كان وقع الخبر كالصاعقة على نفسي برغم محاولتي التماسك أمام زملائي الذين كانوا يسعون إلى التخفيف ومواساتي بكل العبارات إلا أنني علمت بعد ذلك أنهم كانوا على علم بنيته فصلي وكنت آخر من يعلم، وفي اعتقادي أن عدم رضا المرؤوسين ومزاجهم يلعبان دوراً كبيراً في فصل الموظفين وليس للأمر علاقة بالأداء أو غيره فكم من شخص شُهد له بحسن الأداء والمواظبة وكان الفصل التعسفي نصيبه بدلاً من تكريمه. غياب المؤهل محمد عبد الرحيم «موظف» بدوره قال إن الفصل التعسفي هو نوع من أنوع ظلم الإنسان لأخيه الإنسان إضافة إلى أن معظم المديرين لا يلمون بلوائح وقوانين العمل أو حتى الخدمة العامة، والشيء المؤسف أن الدولة في حالات كثيرة تولي الأمر لمن لا يستحقونه ممن تنقصهم المعرفة والدراية والعلم بالوظيفة كمدير ومسؤول، وهذه أفضح صور المحسوبية إذ ينسحب أثر ذلك ليطول أسرًا بكاملها فيتسبب هذا المدير في تشريد أطفال من مدارسهم أو حتى رياض أطفالهم مع ارتفاع تكاليف الدراسة والتعليم، وحسب علمي أن من يتسبب في مثل هذا الفصل الذي يأتي من غير مبررات مقنعة ويثبت تماماً بفعل التربص والترصد إنما هو ناتج من شخص مريض، لذلك يجب أن تتابع الجهات المسؤولة وتتحرى الدقة في تعيين المدير أو ألّا يُولى أمر أفراد إلا بعد التحري النفسي وغيره من أنواع المعاينات وإلا فإن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب. عزلة اجتماعية د. نجدة محمد عبد الرحيم الاختصاصية النفسية تناولت القضية من زاويتها وقالت إن الوصول لسن المعاش أو الفصل يمثل معضلة حقيقية خاصة للشباب فقد يؤدي ذلك إلى تعرضه إلى مجموعة من الأزمات «نفسية واجتماعية ومالية» تؤثر في حياته وتحمُّل تلك الأزمات يتراوح من شخص لآخر، ففي الجانب النفسي قد يشعر بالضيق والتوتر والأرق كذلك قد تحدث له عزلة اجتماعية وعدم انتماء للوطن وتكون نظرته للمستقبل متشائمة ويصبح سجينًا لأفكاره إضافة إلى إمكانية ظهور الاعتلال النفسي وبالتالي يصبح إنسانًا غير صحيح نفسيًا لا يستطيع مواجهة الحياة. وتنصح د. نجدة بضرورة التروي عند اتخاذ قرارات الفصل وغيرها خاصة لدى الشباب منعًا لحدوث مثل هذه المشكلات، إما في حالة المعاشيين أو المتقاعدين فتقول إن المعاشي شخص قضى جل عمره في العطاء وحقق ذاته وحدث له نوع من الإشباع النفسي وتدريجيًا هيأ نفسه لمرحلة المعاش ومع كل ذلك توجد بعض الآثار تتمثل في عدم الشعور بالأمان والانتقال إلى مرحلة جديدة قد يُدخله في نوع من الصراع النفسي إضافة إلى التخوف من الشيخوخة والشعور بعدم القيمة والدونية والخوف من الفراغ و الشعور بالعزلة والوحدة والملل.