للأستاذ: حسين الخليفة الحسن صدر حديثاً كتاب بخت الرضا ومعلمو الزمن الجميل مدونًا وموثقًا لإشراقات معلمي الزمن الجميل، كما قال بروفيسور الطيب حاج عطية في تقديمه للكتاب إنه مساهمة جادة وملتزمة للتوثيق في تأريخ التعليم الحديث في السودان، وكل من يعرف المؤلف تتأكد عنده قيمة هذه الوثيقة التأريخية. فالمؤلف الأستاذ حسين الخليفة الحسن هو من معلمي ذلك الزمن الجميل ومن عاصروا مسيرة بخت الرضا منذ عهدها الأول وممن ارتبطوا بمدينة الدويم وبخت الرضا فكان شاهداً على عصر عاشه وكان أحد بُناته. ويقول عطية إن الكتاب تفرد بأنه وضع تجربة بخت الرضا في سياقين تأريخيين مهمين؛ الأول هو التأريخ السياسي العام للسودان وموضع العملية التعليمية فيه، والسياق الآخر هو متابعة عمليات تدريب المعلمين ضمن نطاق العملية التعليمية، ومواطن السلب والإيجاب فيها وكيف كان خيار أنموذج بخت الرضا نتاجاً لعمليات تقويم واستجابة للحاجات المجتمعية. وتمنى عطية في خاتمة حديثه أن يأتي يوم نتوقف عنده لنختط سبيلاً لاستعادة ما أضعناه وعندها سنتبين جدوى هذا السفر. جاء الكتاب في 364 صفحة و(19) بابًا وافية بالمعلومات والأسماء والشخصيات التي أسهمت في الحركة التعليمية في ذلك الزمن الجميل مع إضافات عذبة للكتابات والأشعار التي سطرها الأدباء منهم وإضافة ثرّة لبعض المقالات والأعمدة الصحفية التي نشرت للكاتب في الصحف اليومية ولها علاقة بموضوع الكتاب أثرى بها الكاتب وأفاد ثم ما تميّز به السفر التوثيقي من قوائم أسماء المعلمين الأفذاذ التي حوت في مجملها (1407) اسم من الأسماء التي ساهمت في نهضة التعليم في ذلك الزمن الجميل ابتداءً من قائمة العمداء الذين تعاقبوا على بخت الرضا بداية من مستر ف.ل قريفث 1950م وإلى الأستاذ سلمان علي سلمان 1996م. وقائمة المعلمين أساتذة الكاتب في الفترة من 1946م وإلى 1951م ومنهم نصر الحاج علي وسر الختم الخليفة ومحمد التوم التجاني وشريف خاطر والدكتور عبد الله الطيب وإبراهيم محمد علي نمر ومحمد عبد الله الترابي وقائمة نظار كلية المعلمين الأولى وقائمة حوت من تعاقبوا على إدارة كلية المعلمين الوسطى ومعهد تدريب معلمي المرحلة المتوسطة والبريطانيون الذين ساهموا في إنشاء بخت الرضا ونظار مبروكة 1948م وقائمة بمعاهد إعداد معلمي ومعلمات المرحلة الإبتدائية (17) معهداً وقائمة الجيل الأول من رواد التعليم والجيل الثاني وقائمة الأجيال المتعاقبة من رواد التعليم في العهد الذهبي وحوت (929) اسم معلم ومعلمة من الزمن الجميل. وقائمة معلمين ساهموا في دفع عجلة التعليم بالجنوب وقوائم للتعليم الفني وتعليم الكبار وحتى أوائل الشهادة الثانوية على مر السنوات. تميز الكتاب كذلك بالمجموعات النادرة من الصور الفوتوغرافية للشخصيات للمناسبات الواردة في الكتاب. تحدث الباب الأول عن التعليم في السودان قبل قيام بخت الرضا والباب الثاني عن نشأة بخت الرضا والانطلاقة الكبرى ثم الثالث الأهداف العامة للتربية ثم تنوعت المادة وشملت المادة التوثيقية والنماذج الإبداعية وبعض المقالات الصحفية التي تناولت رواد التعليم المشاهير والصور. تناول الباب الثامن المعلم والأدب وحرص المؤلف على أن يضم الكتاب بين صفحاته قصائد لمعلمين مبدعين أدباء وشعراء على رأسهم الشاعر إدريس جماع وقصيدته التي تغنى بها الفنان سيد خليفة: في ربيع الحب كنا نتساقى ونغني. نتناجى ونناجي الطير من غصن لغصن. ثم ضاع الأمس مني وانطوت في القلب حسرة.. وقصيدة (فيحي فياح) كتبها المعلم عبد الله الشيخ البشير عند غزو المتمردين مدينة الكرمك: الباب دوني، أعطني المفتاحا والزيت عندي، أعطني المصباحا أرني الحشود الزاحفات غشية المطبقات على العدو صباحا زحمت مناكبها الجبال، واثقلت أرضاً ومدت في اللقاء جناحا.. أحفاد أجداد إذا سقم الحمى سلو سيوفاً في العجاج صحاحا.. وقصيدة للأستاذ بشير عبد الماجد عن (بخت الرضا) بخت الرضا في قلوب الناس أغنية للمجد قد كتبت عهداً وميثاقاً كانت وكان الحب يجمعنا كانت فتاة وكنا نحن عشاقا عشنا زمانًا بها والعمر مقتبل وللشباب عباب جاش دفاقا جئنا نعلم فيها ثم أدهشنا أنا غدونا لباب العلم طراقا فرحبت وأنارت من بصائرنا وطوقت من نفيس الدر أعناقا... وللشاعر عمران العاقب عدد من القصائد منها أحمد الإنسان جاءت في رثاء الدكتور أحمد الطيب أحمد عبث ما يؤمل المرء منها وسراب ما يرتجي من خلود كل نور يفتر فهو وليد في ظلام من الليالي السود كل يوم يموت في مهده الفجر ويحيا في لهفة المستزيد... والقصيدة الشهيرة للأستاذ الهادي آدم التي تغنت بها كوكب الشرق أم كلثوم: أغداً ألقاك يا خوف فؤادي من غدٍ يا لشوقي واحتراقي في انتظار الموعد... .. أنت يا جنة حبي واشتياقي وجنوني أنت يا قبلة روحي وانطلاقي وشجوني.. .. هذه الدنيا كتاب أنت فيها الفكر هذه الدنيا ليال أنت فيها العمر هذه الدنيا عيون أنت فيها البصر هذه الدنيا سماء أنت فيها القمر فارحم القلب الذي يصبو إليك... ومجموعة من أشعار الأستاذ البروفيسور السر دوليب التي تغنى بها مبدعو بلادي مسامحك يا حبيبي وقلبي فاكرك تغنى بهما عثمان حسين، وقصائد للشاعر محيي الدين فارس منها: لا لن أحيد.. أنا لست رعديداً يكبل خطوه ثقل الحديد عن الكفاح لن أحيد.. الكتاب كما قال أمل صاحبه هو منهل عذب لكل باحث عن حقيقة ومعين لا ينضب من العلم والمعرفة.. وليس كما قال جهد المقل بل هو جهد المجتهد العارف والمخلص..