قال المؤلف والكاتب الصحفي استيف بترينو في مقال نشره على موقع «أوول أفريكان دوت كوم» تحت عنوان «لماذا تعجز جوبا عن هزيمة المتمردين؟» من الظواهر الشائعة بدولة الجنوب أنه عندما لا تتوافق مجموعة ما مع الحكومة، فإنها تبحث عن آلية للتمرد على النظام، ويكون الهدف من التمرد دائماً اغتصاب السلطة أو ابتزاز الحكومة من أجل الحصول على مناصب عليا، وعليه فإن الهدف من التمرد المسلح عادة هو إحداث دمار كبير يجبر الحكومة على أخذ الحركة المتمردة بعين الاعتبار، ومن ثم مكافأتها بتقليدها مناصب، ما كان لها أن تحصل عليها حال طبقت معايير المنافسة الشريفة. ومنذ انفصال دولة الجنوب ظهرت العديد من حركات التمرد المسلحة التي تتهم فيها جوباالخرطوم برعايتها، وبالرغم من محاولات جوبا احتواء هذه الحركات عن طريق الاغتيالات المنظمة تارة والعفو الرئاسي تارة أخرى، إلا أن دائرة التمرد في دولة الجنوب أثبتت أنها ليست لها نهاية، ولعل أشهر حركات التمرد الموجودة بالجنوب الآن، تلك الحركة التي يقودها طالب اللاهوت الغامض ديفيد ياو ياو الذي اكتسب شهرته في العام 2010، عندما فشل في الحصول على منصب سياسي في الانتخابات العامة، ومنذ إعلانه التمرد استطاع ديفيد أن يصنع دائرة رعب ضخمة في مناطق البيبور وما حولها، وبالرغم من أن ياو ياو قد تفاوض مع حكومة جوبا سابقاً حيث حصل على لقب لواء في الجيش الشعبي إلا أنه فضل الرجوع إلى مربع التمرد بعد أن كان يتمتع بامتيازات منصبه الرفيع. ويمضي الكاتب قائلاً: في الفترة الأخيرة أصبح لياو ياو اليد العليا على الجيش الشعبي أكثر من أي وقت مضى، فبعد أن أعلنت جوبا حملة عسكرية لاجتثاثه استطاع ياو ياو أن يثبت العكس بعد أن استطاع أن ينفذ هجوماً موجعاً على الجيش الشعبي كبده فيه خسائر مادية وبشرية هائلة، كما أنه مدد مسرح نشاطه ليستولي على منطقة محمية بوما الإستراتيجية فى خطوة استباقية تهدف إلى تمديد سيطرته على كامل ولاية شرق الإستوائية والاستيلاء على مدينة كبويتا ليكون بذلك قد سيطر على المناطق الإستراتيجية التي تربط كينيا بدولة الجنوب، الأمر الذي أجبر الناطق الرسمي باسم الجيش الشعبي على أن يقر مكرها بسيطرة قوات ياو ياو على ما يقارب «90%» من محافظة البيبور، وهي منطقة تعج بالأسلحة خلافاً لتاريخها الطويل الحافل بالصراعات العرقية، الأمر الذي جعل جوبا عاجزة عن فرض سيادتها أو بسط سلطتها عليها. ولعل البيان الذي أصدره حاكم الولاية كول مايانق بشأن تمرد الجنود، أكبر دليل على أن حكومة الولاية والحركة الشعبية ليست لديها سلطة على مواطنيها أو أراضيها، وعلى سبيل المثال ظهرت تقارير كثيرة تؤكد اعتداءات عنيفة ضد مواطني مدينة بور من قِبل قوات الجيش الشعبي المتمردين عليه، أو أولئك الذين فروا أمام قوات ياو ياو بعد هزيمتهم في وقت لا يملك فيه الحاكم كول مايانق مبررات لأسباب هذه الفوضى. ويختتم الكاتب مقاله قائلاً: إن أخبار هروب قوات الجيش الشعبي من جبهة القتال وهم يحاربون قوات ياو ياو، واحد من العديد من المخاوف التي تهدد وحدة الجيش الشعبي وتجهض آمال الدولة الوليدة في السلام والاستقرار، وذلك أن الجيش الشعبي الذي يحاول التحول إلى جيش محترف ما زال يتربع على قيادته جنرالات مستعدة للتمرد ضده كما فعل ديفيد ياو ياو، الأمر الذي يجعله يفتقد لعناصر الانضباط والالتزام الأخلاقي، ويمضي الكاتب قائلاً: بالرغم من أن الجيش الشعبي يستنزف «40 %» من ميزانية الدولة، إلا أنه إحدى المؤسسات التي يتفشى فيها الفساد الشديد مثله مثل غيره من مؤسسات الدولة الوليدة، حيث تشير التقارير إلى تورط القيادات العليا في الجيش الشعبي في عمليات فساد ضخمة حرمت الجنود من استلام رواتبهم لأشهر طويلة، وعرقلت عمليات الدعم اللوجستي ووصول الأغذية، مما اضطر الجنود إلى القيام بعمليات نهب وسلب واسعة، حيث ما زال الكابوس يزداد سوءاً مع إجراءات التقشف الجديدة.