تعيش ولاية جنوب كردفان إحدى أكبر ولايات السودان مساحة وتنوعاً في الجغرافيا والتضاريس من جبال وعرة وشاهقة وممتدة في المنطقة الغربية التي تمثل منطقة جبال النوبة إلى أرض منبسطة وممتدة من الوديان والسهول والقيزان تتخللها جبال في بعض المناطق أقل ارتفاعاً وتكاد لا تكون بها وعورة كحال جبال المنطقة الغربية «جبال النوبة» وهذا الجزء من جنوب كردفان يُعرف بالمنطقة الشرقية التي تضم سبع محليات هي أبوجبيهة، تلودي، الرشاد، العباسية تقلي، الليري، قدير والتضامن، هذه الرقعة بمحلياتها الحالية قامت فيها مملكة تقلي الإسلامية المعروفة وامتدت جنوباً حتى بلغت «كاكا التجارية» وامتدَّت حتى أعالي النيل حيث جاورت مناطق الشلك وهذه هي الحدود الحالية وفق الوثائق التاريخية الإدارية ومنها وثيقة منذ 1937م تحدثت عن أحد ملوك المملكة عين خفيراً على حراسة «حفير» على حدود الشلك، ورث الشلك يعرف ذلك.. وتحدثت الوثيقة أن المجموعات القبلية في تلك الفترة كانت هي تقلي، كنانة، كواهلة وأولاد حميد. والجزء الثالث من جنوب كردفان عبارة عن سهول ساحلية ووديان رملية وقيزان غالباً وهذا الجزء ذهب الآن حيث نشأت عليه ولاية غرب كردفان التي قسمت أجزاؤها بين شمال كردفان وجنوب كردفان تبعاً لمخرجات اتفاقية نيفاشا «المشؤومة». وأن الجزء الغربي، والجزء الشرقي، والجزء الأوسط بينهما الذي يُعرف بجبال النوبة. تتَّحد هذه الأجزاء الثلاثة لتكون ولاية جنوب كردفان وإن كان الجزء الشرقي «المنطقة الشرقية» هو الأكبر من حيث المساحة والسكان والأكثر غنى بالموارد الزراعية والغابية والحيوانية والمعدنية وأهمها الذهب في تلودي وكالوقي وأبوجبيهة ورشاد، وتمتاز غرب كردفان الناشئة بموارد حيوانية ضخمة وموارد معدنية أهمها البترول، وتوجد مساحة مقدرة من الزراعة الآلية في منطقة جبال النوبة في هبيلا والدلنج غير أن غالب المساحة زراعة تقليدية أهلية «البلدات» أما أكبر المساحة للزراعة الآلية فتوجد في المنطقة الشرقية حيث مشاريع «العطشان» وشرق أبو دوم والبيضة والسراجية أبو نوارة ومساحات معتبرة حول العباسية وتبسة والموريب «وقردود ناما» التي تتبع لإدارية الموريب، هذا بجانب البساتين والجنات الغناء من أشجار المانجو والجوافة واليوسفي والقريب والليمون والدوم والدليب والعرديب والتبلدي والنبق التي تمثل قطاعًا نباتيًا وظلالاً كثيفة تحجب الشمس في أبو جبيهة وتجملا و«تاندك» وأبو كرشولا وأم بركة والموريب ومنطقة «كرموقية» وتجور في العباسية تقلي.. يضاف إلى ذلك المناظر السياحية الساحرة في أبوكرشولا والموريب ورشاد التي هي «جنة الله» في المنطقة الشرقية خاصة وجنوب كردفان عامة.. يضاف إلى ذلك أيضاً «الذهب النباتي» المتكور «الصمغ العربي» في معظم أجزاء المنطقة الشرقية وخاصة في أبوجبيهة وأم بركة وأبوكرشولا والموريب والعباسية والترتر وبلولة ووكرة وأبو جريس. وبالنظر إلى الأوضاع الاجتماعية والأمنية في جنوب كردفان منذ 1984م حيث نشبت الحرب الملعونة في جبال النوبة في المنطقة الغربية واستمرت وامتدت إلى المنطقة الغربية بعد «نيفاشا» حيث الصراع المزعوم بين السودان وجنوب السودان حول أبيي الشمالية، وأحداث غزو هجليج الشمالية من قبل جنوب السودان والتي استنكرها المجتمع الدولي قاطبة وأدان دولة جنوب السودان، فانظر إلى هذه الأوضاع كلها تجد أن المنطقة الشرقية أكثر استقراراً من حيث الأمن والمكون الاجتماعي مقارنة بمنطقة جبال النوبة التي تسيطر الحركة الشعبية الآن على غالب أجزائها في كاودا، جلد، هيبان وحتى مناطق قريبة جداً من مدنها الكبرى مثل كادوقلي حاضرة الولاية ومدينة الدلنج عاصمة محلية الدلنج ومناطق الحمرة والسرف والبرام ودلامي وغيرها وكذا المنطقة الغربية حيث التوتر المصنوع من قبل «القوى الشريرة» في أبيي السودانية. وتأتي أحداث الريف الجنوبي الغربي من العباسية «طاسي» وأحداث الموريب التي تلتها أحداث أبوكرشولا التي بلغت حد جرائم ضد الإنسانية التي نفذتها الحركة الشعبية والجبهة الثورية في هذه المناطق و كلها تقع في المنطقة الشرقية كحالة انتقام قصد بها ضرب النسيج الاجتماعي المتألف من قبائل كثيرة ظلت متعايشة وضرب السلام الاجتماعي واستهداف في المقام الأول للعقيدة الإسلامية حيث جميع سكان الشرقية مسلمون تشرف في ديارهم المساجد وخلوات القرآن الكريم.. وكحالة عقاب جماعي لرفضهم التمرد طوال فترة الصراع في المنطقة الغربية منذ منتصف الثمانينيات من القرن الماضي ونفورهم من برنامج الحركة الشعبية العنصري العلماني الذي يتعارض ويتقاطع مع هُويتهم العقدية «الحضارية والثقافية». ما يتابعه الرأي العام الآن من أحداث مؤلمة وحرب ضروس تدور الآن في جنوب كردفان وحديث طويل صار شغل المجالس الرسمية والشعبية يدور حول رحيل الوالي الحالي أحمد هرون الذي لزم الصمت هذه الأيام ولم ينبس ببنت شفة رغم توفر المادة الإعلامية الكثيفة التي تشهد الولاية وقد عُرف عنه اهتمامه بالإعلام ليس مستمعاً فقط بل متحدثاً دائماً وكاتباً في الصحف، لكن يبدو الهدف الذهبي الذي تحدث عنه ولج مرماه بخطأ دفاعي عكسي فعل السحر وهدف أشبه بهدف جمال الثعلب في مرمي الهلال أمام الأهلي القاهري في بطول الأندية الإفريقية سنة 1987م. إن تداعيات الأزمة في جنوب كردفان بدأت تفرز مواقف لكتابات أقل ما توصف به أنها كتابات رعناء تصدر عن أقلام نحن نعلم أنها أقلام مكسورة متكسبة تعسكر في أسواق النخاسة، فهي أقلام ظلت تودع الوالي المستدبر بالذم بعد نيل العطايا، وتستقبل الوافد الجديد مدحاً، إنها أقلام سوق النخاسة التي تتحدث هذه الأيام عن خلافة هارون تخترع أسماء مرشحين من بنات أفكارها لتوهم الرأي العام أنها فعلاً الأسماء التي يدور التشاور حولها، تمارس التضليل محاولة صناعة حقيقة من الإشاعة، ونعلم كيف تصنع هذه الإشاعات ثم ينتدب لها هذه الأقلام المشتراه. لقد وصلت بأحد الكُتاب الذي نعرف من هو.. درجة المديح أن يقول عن من يتمنى أن يرشح لخلافة هارون. قال «القمرين» «النيرين» سيدي شباب المؤتمر الوطني مركزو وتاور..!! على أي حال لا ندري بماذا يصف الكاتب الأخوين الشهيدين علي عبد الفتاح، والمعز عبادي وقد وصف صاحبيه اللذين شغلا فؤاده بأنهما قمران نيران، وانهما سيدا شباب المؤتمر الوطني؟! هذا النوع من الكتابات عُرف في بلاط الدولة العباسية في أيامها الأخيرة حين كان يؤتى بالشاعر أو الناثر ويُطلب منه أن يمدح الخليفة بما فيه وبما ليس فيه فقال أحدهم للخليفة مادحاً. إنك كالكلب في حفظك للعهد.. وكالتيس في قراع الخطوب فلما غضب الخليفة منه وأمر بإخراجه من مجلسه لأنه شبهه بالكلب والتيس من بين أمثلة كثيرة.. فلما أُخرج فكر ملياً ثم أُعيد مرة أخرى بعد فترة فقيل له امدح الخليفة فأنشد يقول: عيون المها بين الرصافة والجسر.. جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري وتبقى جنوب كردفان «صيدة» بين أصحاب الأجندة الشخصية الضيقة قطاع الشمال والجبهة الثورية يمتصان دمها، والضعاف الفاشلون من أبنائها يكسرون عظمها وأقلام مزبلة متكسبة تلوك في كبدها تصفق وتطبل للفاشلين لتوهمهم أنهم أحق بالقيادة والداني والقاصي يعلم بأوراق فشلهم، وفي المقال التالي نرسم صورة هذا الفشل المدوي ليعلم هؤلاء المطبلون أي منقلب ينقلبون.