شهدت الآونة الأخيرة انتقادات عديدة للحكم الفدارلي من مختلف الجهات سواء وزارة المالية أو مجلس الولايات، ولما كان الحكم المحلي هو اللبنة الأولى في الحكم الفدرالي سعى الاتحاد العام للضباط الإداريين المعاشيين لتقييم «تجارب الحكم المحلي في السودان» برعاية وزير الحكم اللامركزي حسبو محمد عبد الرحمن وتولى إدارة الندوة أبو بكرعبد الرحمن الرحمنو. وقد أبرزت الندوة مدى التدهور الذي شاب الحكم المحلي في الفترة الأخيرة مقارنة بنظيره في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي. اولى الأوراق كانت لشيخ الإداريين والمحافظ الأسبق عبد الله علي جاد الله وتناولت قانون الحكم المحلي «1951» مشيرًا إلى أنه جاء نتاج لتقرير وتوصيات الخبير في الحكم المحلي البيرطاني دكتور مارشال الذي استقدمته الحكومة السودانية «1949» الذي دون تقرير وسجل توصياته الخاصة في هذا الصدد والتي على أساسها أُنشئ قانون 1951 وبمقارنته للأوضاع المالية لمؤسسات الحكم المحلي سابقًا واليوم ذكر عبد الله أن إيرادات المجالس في السابق كانت تمثل «75%» من مصروفاتها بينما تتكفل الحكومة بتكملة المصروفات «25%» باستثناء بعض المجالس الغنية التي لا تحتاج للدعم مثل القضارف وجنوب دارفور مضيفًا أنه عندما كان محافظًا لمحافظة كسلا كان يستدين من مجلس القضارف لتغطية فصل الرواتب لمحافظته وعدَّد مآثر قانون «1951» بقوله إن استمراره لعشرين عامًا دلالة واضحة على نجاحه ومرونته التي أدت لتعديله أربع مرات كما أنه لم يخلط بين المدن والأرياف فلكلٍّ احتياجاته وظروفه المختلفة بخلاف الواقع الماثل اليوم الذي تأخذ فيه المدينة كل شيء على حساب الأرياف التي طالها الإهمال، واهتم القانون بالمشاركة بين المجالس والحكومة المركزية كما أنه كان قانونًا عامًا وموحدًا لكل السودان ويحافظ على الوحدة الوطنية عبر التنسيق والتجانس بين المجالس على مستوى السودان على النقيض من القوانين المفصلة لكل ولاية، وبالرغم من تلك الميزات التي فصلها عبد الله لم يفته أن يشير إلى بعض الثغرات في القانون التي كانت تعالج في التعديلات التي أُجريت عليه. وتناولت ورقة عوض حسن السيد «تقييم وتقويم تجربة الحكم المحلي في الحقبة المايوية التي أنتجت قانون الحكم الشعبي المحلي «1971» الذي أفرز خمسة آلاف وحدة حكم محلي على مستوى السودان لتحقيق هدف المشاركة الشعبية العريضة ولكن ذلك جاء على حساب الكيف والمضمون ونظرًا للخلل الواضح في مستوى أداء المجالس الشعبية المحلية جراء إضعاف دورها التشريعي جاء قانون 1981 وأعقبه قانون العاصمة القومية «1983» أما حقبة الإنقاذ الوطني فقد تطرق لها الإداري والوزير الأسبق بروفسير السر أحمد النقر في ورقته «قوانين الحكم المحلي» الصادرة عن سلطة الإنقاذ الوطني«1991 3003» وفيها قانون الحكم المحلي 1991 الذي قسم البلاد ل«69» محافظة والمحليات لثلاثة أنواع «بلديات ومجالس مدن ومجالس أرياف» وبمقدم العام 1995 صدر المرسوم المؤقت الذي ألغى قانون 1991 وبدوره جب قانون الحكم المحلي 1998 ما قبله وكذا قانون «2003». وانتقدت الورقة القانون الأخير بوصفه يفتقر للبعد الفلسفي كما لم يثبت في صلب القانون أن المعتمد من ذوي الخبرة والكفاءة الأهلية كما لم يهتم القانون بتعيين الخبرات المهنية من القاطنين في الأحياء كأعضاء بالتعيين وأفرز تطبيق القانون هذا غياب الديمقراطية والشفافية وكرس للشمولية واهتم بالجباية أكثر من تقديم الخدمات فضلاً أن الحكم المحلي لم يحظ بأي رعاية من جانب المركز أو متابعة لمسيرته العملية. وفي كلمته أشار الوزير حسبو إلى أن فترة العشرين عامًا الماضية للحكم الفدارلي غير كافية لتقييم التجربة، وقال: نحن ندرس مع وزارات أخرى وجهات مختصة قضية الكشف الموحد والخدمة المدنية، ودعا الضباط الإداريين لتدوين خلاصة تجاربهم في كتب وموسوعات لتعم الفائدة وتعهد برعاية تلك الكتب وطباعتها. وفي مداخلات المشاركين أوضح د. صالح أن ميزانية الحكم المحلي في السودان تشكل «9%» من الموازنة العامة للدولة بينما تترواح في الولايات ما بين «18 30%» أما الضابط عادل عباس فقد نعى عهد الضباط الإداريين بقوله «لم يعد هناك ضباط إداريون اليوم» بالأمس كان الضابط عند تعيينه يعلم الكورس الذي سيدرسه ومتى يسافر وإلى أين وتوقيت ترقيته، وقال إن العام «1971» كان كارثة على الحكم المحلي، وقال إن الكادر الإداري بالولايات اليوم هو كادر سياسي، مشيرًا إلى أن ديوان الحكم اللامركزي ترك الحبل على الغارب فيما يلي تطبيق الحكم اللامركزي خاصة عند إنشاء صندوق دعم الولايات، مضيفًا أنه في السابق كانت هناك ولايات غنية وأخرى ضعيفة وصارت كل الولايات اليوم فقيرة بما فيها ولايات مثل القضارف التي كنا في أيام خلت عندما نحتاج للدعم نذهب إليها «ونملا الشاحنات أموال» نضخُّها في خزانة المالية.