الطعمية من الوجبات الرئيسية التي يعتمد عليها معظم السودانيين وتعتبر جزءًا لا يتجزأ من التراث السوداني في الطعام فمنذ الصباح الباكر حتى المساء لا يهدأ باعتها ولا يراودهم إحساس بالتوقف وهي في الأساس وجبة اخترعها الأقباط قديمًا في أيام صيامهم ولكن الأمر انتشر لتصبح الطعمية من الوجبات السريعة في الوطن العربي ولها عدة مسميات ففي بلاد الشام يطلق عليها فلافل وفي اليمن يطلق عليها الباجية وفي السودان ومصر تسمى طعمية. وانتقلت الطعمية من أفواه الفقراء إلى الأغنياء فتستعمل في الأماكن الفارهة والسياحية كمقبلات بعد أن كانت محصورة كوجبة رخيصة للفقراء وأصحاب الدخول المحدودة. حسن محمد حسن من أقدم باعة الطعمية في أم درمان حكى لنا بدايته مع الطعمية قائلاً: منذ سنة تسعة وستين وأنا أعمل في صناعة وبيع الطعمية فكانت البداية في المحطة الوسطى وبعد أن استلم نميري الحكم أصدر قراراً بتحويل أصحاب المحلات الصغيرة إلى البوسطة وفعلاً عملنا هناك عددة سنين فأصدر قرارًا آخر بأن ننتقل للسوق الشعبي وانتقلت لكن لم يعجبني الوضع فرجعت وفتحت محلاً صغيراً وهو الآن مكان مطعم البيت المصري واستقررت في مكاني الحالي منذ سنة اثنتين وثمانين عملت طوال تلك السنين طعمية وعصير ليمون وبعد أن تطور الحال وتبدل وكثرت المطاعم والمحلات التي تصنع الأكل وأصبحت الطعمية وحدها لا تكفي كان لا بد من إضافة بعض الأشياء كالطعمية بالبيض وبالشيبس وأنا والحمد لله لديَّ زبائن كثر والسبب في ذلك أني أهتم بالزبون أكثر من الربح فأصنع طعمية جيدة وأعطي سندوتش للشخص الذي تكون نقوده ناقصة وكذلك أسلف الذي لا يملك المال وفي بعض الأحيان أعطي سندوتشات للمحتاج أو المفلس دون مقابل هذا هو السر وراء كثرة زبائني. أما آدم فرغم أنه لا يزال في ريعان شبابه إلا أنه منذ صغره عمل في إعداد وبيع الطعمية حتى أصبح من المهرة وله بصمة خاصة في طعميته التي يُضرب بها المثل، قال: الطعمية قبل أن تكون طعامًا فهي شكل هكذا علمنا السوق، فإذا أردت أن تجعل طعمها رائعاً وأيضًا لها رائحة زكية بإكثار البهارات سوف يتغير لونها ولا يشتريها أحد عكس التي لها لون ولهذا تجد معظم الذين يبعيونها يقدمون الشكل على الطعم إلا إذا صنعتها في منزلك. «الرطل» أو كما يحب أن يُطلق عليه له طعمية مميزة ذات حجم كبير نسبيًا من المحلات الأخرى، قال: يجب على الواحد أن يبتكر حتى يكون له زبائن فأنا جعلت الحجم كبيرًا ومع إضافة بعض السمسم الذي يعطيها بعض البريق وإضافة إلى الطعم هناك أيضًا المقبلات التي تقدم معها أهمها الشطة، فكلما كانت الشطة متقنة ومعمولة من الليمون أعطى طعمًا جيدًا للسندوتش فالبعض يصنعها من ماء الجبنة والآخر يقلل من الليمون وهكذا.. حبيبة وزوجها من الشقيقة مصر أتيا إلى السودان وفتحا محلاً صغيرًا لبيع السندوتشات والكشري ولهم طعمية تختلف في شكلها عن السودانيين قالت نحن في مصر نصنع الطعمية من الفول عكس السوادنيين الذين يصنعونها من الكبكبي وأُعطي الزبائن عدة خيارات مثل طعمية بالمخلل أو بالبيض أو البطاطس المقلي عادي بالسلطات والحمد لله لديَّ الكثير من الزبائن حتى أصبحوا في مناسباتهم يطلبون أن أصنع لهم الطعمية ليقدموها لضيوفهم. وبالقرب منها يوجد صبي صغير لديه بترينة لبيع الطعمية، قال: الأرزاق بيد الله، أنا شغال في مكاني ده قبل المصريين مايجو والآن لي سنتين شغال مع محلهم، نعم فقدت بعض الزبائن لكن مازال لديَّ الكثيرون وخاصة أن سندوتشاتهم مرتفعة السعر، وعن الطعمية قال: أنا بصنعها من الكبكبي ومعظمنا هكذا لأن الطعمية التي تُصنع من الفول تجف بسرعة مما يثير الريبة لدىِ الزبون، وإذا عقدنا مقارنة نجد أن جوال الكبكبي بي خمسمائة وثلاثين جنيةًا والفول بأربعمائة وخمسين جنيهًا. وقال أحمد الذي اشتُهر بفطائر الطعمية إنه تعلمها في لبنان حيث قضى هناك عدة سنوات وكان يعمل في محل لبيع الوجبات السريعة ولما رجع للسودان ولم يجد عملاً قام بإيجار بترينة وبدأ في إعداد الفطائر لتجد استحسان الزبائن وخاصة الطلبة فبعضهم إذا أتى قبل الذهاب للمدرسة ولم يجد يترك نقوده ويطلب مني أن أترك له واحدًا يأتيها بعد دوامه ومنهم من يحجز لليوم التالي وإذا ما توقفت يومًا تجدهم يضجرون والكثيرون منهم يسأل عني في منزلي، وأضاف أن زحمة العمل دائمًا ما تكون في الصباح حتى منتصف النهار ومن المغرب إلى منتصف الليل لأن معظم السودانيين يأكلون الطعمية في الإفطار والعشاء. «إبراهيم» قال إن الطعمية مهما تكن فإنها لا تخسر فبالرغم من أنها في كل مكان لكن كلهم يبيعون وإن الشخص لايقوم بشيء خاسر فربما يقل الربح لكن التكلفة بتطلع وعن الفرق بين صناعة الطعمية سابقًا والآن قال: في السابق كان الناس يأكلونها دون شيء سوى الشطة أما الآن فلا بد للبائع من توفير سلطات خضراء وأخرى مثل الكاتشب والمايونيز فمن النادر أن يأكل شخص عيشًا وطعمية. وهناك أيضًا أشقاء عرب دخلوا في سوق الطعمية حيث يوجد مطعم سوري يقدم شكلاً مختلفًا من الطعمية فأجاب الذي يعد الطعمية فيه ويدعى قاسم أن الفلافل السورية من أميز الوجبات، وقال إن الحمص «الكبكبي» والبقدونس وبعض البهارات والتوابل مع إضافة الفلفل الحار والبيض المخفوق يشكلان فلافل ممتازة، وبالرغم من أنها تصبح مكلفة لكن تحضر بهذا الشكل، وأضاف أن تلك المواد هنا في السودان غالية مما يجعل سعرها مرتفعًا ولهذا معظم الذين يصنعون الطعمية لا يقومون بإضافتها كلها مما يجعل الفلافل غير طيبة ولهذا أسعارهم مرتفعة. الطعمية نجمة المائدة خصوصًا في العطلات وشهر رمضان الكريم وهي السندوتش المفضل للطلاب وهي رديفة الفول التي تمنحه ذلك الطعم البراق ما إن تنتشر رائحتها في المكان حتى تصرخ المعدة في طلب قطعة منها فهي البضاعة التي لا تبور أبدًا.