سبقت الإشارة في مقالي الأول إلى حالة لزوم الأخ الوالي أحمد هرون الصمت إزاء ما يجري من أحداث جسام في ولاية جنوب كردفان يشيب لها رأس الوليد، حيث توارى عن وسائل الإعلام واكتفى بقصة الهدف الذهبي الذي كان يخطط لإحرازه في مرمى التمرد لكن التمرد فاجأ السيد الوالي وأحرز هدفه الذهبي في الزمن المحتسب بدلاً من المبدد. وإلى هنا جاءت خاتمة المطاف بأسوى ما يمكن تصوّره.. وإن كان الوالي قد فشل حقاً في إدارة الولاية حتى غدا هو نفسه إحدى أدوات أزماتها بشهادة كثيرين ومنهم نافذون داخل حزبه الحاكم، فإن رحيله الذي أوشك وقد تأخر كثيراً فتح الباب على مصراعيه ليتهافت نحوه المطبِّلون والانتهازيون والفاشلون، يتسابقون نحو الصيدة (المري) تلك الولاية التي صارت كأن ليس لها باكون والتمرد يبتلع كل يوم جديد جزءاً عزيزاً من أجزائها المترامية، إن الأقلام العاجزة المتكسِّبة كعادتها ظلت تختلق الشائعات حول ترشيح والي جنوب كردفان القادم بعد فشل هرون، وطفقت تمارس التضليل. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لبعض أهل مجلسه: أنشدوني إلى أشعر شعرائكم قالوا: ومن هو؟ قال: زهير بن أبي سلمى. قالوا بما صار كذلك؟ قال: (كان لا يعاظل بين القول ولا يأتي بالوحشي، ولا يمدح الرجل إلاّ بما فيه) قالوا صدقت. إن الكاتب أو القائل يلقي بالكلمة لا يلقي لها بالاً تسمو به أو تهوى به سحيقاً.. لأن الكتابة مسؤولية وهي مهنة لها أخلاقياتها، والكاتب يفنى ويبقى ما كتب منسوباًَ إليه فإمّا له، وإمّا عليه. الأخ يوسف عبد المنان كتب من قبل أن الأخ محمد كوكو مركزو هو مرشح الولاية اليوم وغداً فلما كتبنا نسائل الأخ يوسف أين انعقد هذا الإجماع (لمركزو) ولى الدبر ولم يعلق على ما كتبنا وخنس طويلاً ثم عاد في اجتماع الهيئة الشعبية لتطوير المنطقة الشرقية، حيث تجمعنا العضوية في تلك الهيئة وإن كان الأخ يوسف دُعي بالنظر إلى شأن الولاية عامة، يومها الأخ يوسف حسب الحضور قال داخل قاعة الاجتماع منتقداً ما يجري في الولاية وواليها ما لم يقُله مالك في مصائب الخمر وهو الذي ظل مقرباً من هرون، لكن (المفارق عينه قوية)!. وتجاوز الأخ يوسف عبد المنان الحد المعقول في المدح والإطراء ربما إلى الغلو، حيث كتب يقول (القمرين النيرين سيديّ شباب المؤتمر الوطني مركزو وتاور) وقال إن التشاور بشأن خلافة أحمد هرون انحصر بينهما!! ثم ناقض نفسه في المقال ذاته وأضاف إليهما الأخوين الكريمين الطيب حسن بدوي، وسلمان سليمان الصافي.. وليس لنا اعتراض على أن يكتب الأخ يوسف ما شاء وليس بيننا من قديم أو حديث شيء يسوء.. وكذا ليس لنا مع الأخوين مركزو ود. محمد موسى تاور الذي نكن له الاحترام والتقدير وهو رجل مهذب شيء يسوء لكن اعتراضنا على الأخ يوسف أن يعاظل في القول ويأتي بالوحشي ويمدح الرجل بما ليس فيه، وهذه خصلة تنافي دور الإعلام الراشد المرشد. حين كتبنا ننتقد الأخ يوسف فيما كتب وأوضحنا أن الأخ مركزو قد فشل فيما سبق حين تولى إدارة ولاية جنوب كردفان غضب الأخ مركزو وتحين الفرصة ليرد علينا كفاحاً. وقد فعل، لكن في غير موضعه! وكما أكدنا من قبل ليس لدينا نقمة نحو الأخ اللواء (م) مركزو وما كتبناه عنه كان بغرض الجُرح والتعديل والنقد للمصلحة العامة مصلحة الخروج إلى بر السلام والأمان بالولاية من كبوتها.. وهو أي: مركزو شخصية عامة فهو محل للنقد والتقويم والمراجعة ولو غادر مركزو محيط العمل العام وتركه لما ذهبنا إليه في عقر داره ننتقده، وبمثل ما يرى الأخ يوسف عبد المنان أن الأخ مركزو يستحق مدحاً، نحن نرى أن الأخ مركزو أخفق في جوانب عامة يستدعي الأمر نقداً وتقويماً.. بل نذهب أبعد من ذلك ونقول مع احترامنا لسعادة اللواء (م) مركزو وبعد فشل أحمد هرون فإن الولاية تحتاج إلى خليفة ذو عقلية مبدعة يملك زمام المبادرة ويتصف (بكاريزما) القيادة لا يستبد ولا يقبل الوصاية والإملاء ولا يخشى قيادات الولاية الأقوياء إن عارضوه أو عملوا بجواره. كما أشرت قبل قليل أصرَّ الأخ مركزو على الرد على ما كتبنا ووصفنا إياه بالفاشل من خلال اجتماع عقد ليناقش قضايا الولاية الإنسانية والأمنية وكيفية التنسيق بين أبناء الولاية لمواجهة العدوان والأزمة بعد أحداث أبوكرشولا، وحين أتيحت لي الفرصة للحديث ذكّرتُ المجتمعين بأهمية التماسك ونبذ القبلية والجهوية وتفعيل دور الدعوة لخمد هذه الفتنة وحمَّلتُ جانباً من الأخطاء لقيادات الولاية أنفسهم نسبة لخلافهم وصراعهم وبالتالي هو صراع نخبة، وأكدت أن ليس هناك من يقدم الرأي السديد الضاغط للمركز ليسهم في علاج أزمة الولاية، لقد دهش المجتمعون حين أصرَّ مركزو على أخذ فرصة للرد على كلامي وهو وجهة نظري وكنت آمل أن يدلو الأخ مركزو بوجهة نظره في الموضوع المطروح للنقاش لكن سعادة اللواء عضو المكتب القيادي بالمؤتمر الوطني ووالي جنوب كردفان الأسبق ورئيس الدائرة السياسية لأبناء النوبة بالمؤتمر الوطني اكتفى بقوله شطة كتب أني سُحبت من الولاية لفشلي وهذا ليس صحيحاً وإنما سُحبت لاستحقاقات نيفاشا.. ويا ليت الرجل لو صمت عند هذا الحد وكنتُ عندها سأحترمه وأعتبرها وجهة نظر موضوعية تصحيحية، لكن عضو المكتب القيادي للمؤتمر الوطني ذهب ليقول لي يا شطة هذا ليس سوق عكاظ لتحدثنا بالأدب والفصاحة والبلاغة دع هذه الفصاحة! أقول إن كانت هناك فصاحة وبلاغة فهذه ليست مذمة بل هي محمدة ونعمة من الله عظيمة أن يؤتاها الإنسان. والله تعالى أنزل القرآن وكان من أميز وجوه الإعجاز فيه الفصاحة والبلاغة والبيان، فالإبانة بريدٌ نافعٌ لإيصال الأفكار والمفاهيم إلى الآخرين وخير وسيلة للتواصل معهم.. والمذمة والعيب إنما يكون في الإعياء عن الإبانة.. أيُّهما خيرٌ الذي يقول المرء فيبين أم الذي يتلعثم ويتتعتع ويُلحن؟ اللهم اجعلنا من الفصحاء البلغاء. ونعود مرة أخرى ونؤكد أن الأخ مركزو قد فشل فيما تولى من مهام على مستوى الولاية والمركز، والفشل والاعتراف به ليس عيباً، لكن العيب إنكار الحقيقة والتحايل عليها.. وهنا وكما وعدنا في المقال الأول نورد طائفة يسيرة من أخطاء الأخ مركزو وندعو الأخ يوسف عبد المنان أن يقرأ هذه القائمة وهذا درس عصر. أولاً: في الفترة التي قضاها مركزو والياً على الولاية لم يقص شريطاً ولم يضع حجر أساس لأي مشروع من مشروعات التنمية بالولاية، بل لم يقدِّم مبادرة ولا خطة أو مشروعًا خاصًا بالولاية؟. ثانياً: وأنت يا يوسف تصفه بأنه أحد الأقمار وهو الذي سقط حتى في مسقط رأسه دلامي حيث حصل المؤتمر الوطني على أربعة أصوات فقط. ثالثاً: لا يطرح نفسه قيادياً إلاّ في جنوب كردفان فقد سبق له أن اعتذر عن تكليف بالعمل في دائرة دارفور، واعتذر أيضاً عن تكليف آخر بالمضمون ذاته في الولاية الشمالية، والاعتذار لدواعي الفشل الذي يخشاه. رابعاً: إكتفى برئاسة ما يسمى باللجنة السياسية لأبناء جبال النوبة بالمؤتمر الوطني وليس اللجنة السياسية لأبناء جنوب كردفان، وقد فشل أيضاً في إدارة هذه اللجنة ودخل في خلافات مع أعضائها حتى استقالوا جميعاً، حيث استقال كل من الأستاذة عفاف تاور، وصلاح بريمة، ومراد بلة، ومبشر كرشوم الأستاذ الجامعي. خامساً: السيد مركزو يضيق صدره دائماً بالآخرين في إطار العمل العام، ويجنح دائماً إلى استخدام العنف اللفظي مع من يختلف معه. سادساً: السيد مركزو فشل في التوافق مع مجتمعه الصغير (رابطة أبناء دلامي) فكيف يُرشح ليذهب رئيساً للحزب بالولاية. سابعاً: فشل السيد مركزو في إدارة ملف أحداث الفيض يوم أن كان رئيس لجنة الأمن والدفاع بالمجلس. ثامناً: تقلَّد السيد مركزو أمين أمانة الزراع، ورئيس الدائرة السياسية والنتيجة لا شيء يُذكر. ونسائل الأخ مركزو ونطلب منه أن يجب بصفته الآن عضو المكتب القيادي ومفاوض في أديس هل قدَّم الآن رؤية حول الوضع الراهن في جنوب كردفان؟ إن على المؤتمر الوطني والدولة أن يؤكدا لأهل الولاية أن جنوب كردفان ليست بدعاً وليست حقل تجارب يُعد فيها منسوبي الحزب الفاشلين على حساب حياة وأمن واستقرار الولاية وتنميتها.. إن اختزال قيادة الولاية في أشخاص محددين هو الذي وسّع الهُوة وأشاع الغبن وصعّب عمليات الحل السياسي.. لقد آن الأوان لضخ دماء جديدة وإتاحة الفرص للجيل الجديد لأجل تغيير أفضل وأشمل، وكفى الولاية من عهد الديناصورات المعتقة.. وسيعلم المطبِّلون المتكسِّبون من صناعة الأزمة في الولاية أي منقلب ينقلبون.