جاء في صحف الأمس أن أكثر من سبعة وعشرين مليون مواطن يستخدمون «الموبايل» في السودان.. وهذا ما أعلنه السيد وزير العلوم والاتصالات حول ارتفاع عدد مستخدمي الهاتف الجوال بشركاته الثلاث في البلاد... وبالطبع يبدو أن المقصود فعلاً هو أن عدد الموبايلات التي يحملها «ناس السودان» قد وصل إلى سبعة وعشرين مليونًا ومن الصعب أن نصدق أن عدد الناس المستعملين للتلفونات هو سبعة وعشرين مليونًا... والسبب بسيط هو أن السودان قبل الانفصال قيل لنا إن سكانه أربعون مليونًا وإن الجنوبيين عددهم ثمانية ملايين.. وهذا يعني أنه بعد الانفصال فإن عدد السودانيين ما بين الثلاثين والاثنين والثلاثين مليون مواطن، هذا غير «الحبش»... وبالطبع إذا علمنا أن معظم الجنوبيين ما زالوا «يتحاوموا بي جاي» ويرفض معظمهم أن «يهوِّينا» ويذهب إلى أهله... فهذه بالطبع مشكلة «عويصة» لأن معظمهم يمكن أن يكون خلايا نائمة... على كل حال يمكن أن نلخص الأمر بأن عدد سكان السودان هذه الأيام هو اثنين وثلاثين مليونًا زائداً خمسة ملايين خلية نائمة.... طيب يا جماعة إذا قلنا إن معلومة السيد الوزير بأن مستعملي التلفونات عددهم سبعة وعشرون مليونًا أو أن التلفونات عددها سبعة وعشرون مليون تلفون فهذه «كارثة» قومية وهي شيء مدمِّر ولا تقل خطورتها عن الأمراض المستوطنة والزلازل والبراكين أو مرض الجدري والسحائي والإيدز والكوليرا... وإذا قلنا إنه على أسوأ الفروض أن عدد التلفونات في البلاد سبعة وعشرون مليونًا فهذايعني أن كل زول «حي وموجود» في البلاد لديه تلفون حتى ولو كان عمره يومين أو ثلاثة أيام. يعني بالعربي كل النسوان عندهنَّ تلفونات وكل الرجال عندهم تلفونات وكل الأطفال عندهم تلفونات اللهم إلا الأطفال حديثي الولادة عمر أربع وعشرين ساعة.. وإذا كان كل زول يتحدث في التلفون يومياً بمعدل خمسة جنيهات «بس» فهذا بالضرورة يعني أننا يومياً نصرف سيولة تعادل «5000ج*27000.000 =135.000.000.000ج يعني مائة وخمسة وثلاثين مليار جنيه بالجنية القديم يومياً «تنشال» من جيوب الفقراء والمساكين لتضاف إلى حسابات الشركات المتخمة وفي الشهر «يشيلون» منكم «135.000.000.000*30=4050.000.000.000 أربعة ترليون وخمسين مليار.. وفي العام «يشيلوا» منكم «4050.000.000.000*12=48.600.000.000.000ج «ثمانية وأربعين ترليون وستمائة مليار جنيه بالقديم... وهذه المبالغ تمثل كارثة للأسباب الآتية: أولاً: هذه الأموال يقتطعها الأطفال والتلاميذ من «حق الفطور» وتأخذها الزوجات من الأزواج بالعديل أو بالقلع أو اختلاساً. ثانياً: هذه الأموال تعني أن كل أسرة تصرف ما لا يقل عن ثلاثين إلى خمسين ألف جنيه في اليوم على حساب غذائها وكسائها وأكلها وشربها ومع ذلك «يكوركو» بسبب الغلاء.. والغلاء سببه هذه المدفوعات. ثالثاً: هذه المبالغ الضخمة تمثل سحباً للسيولة من جيوب المواطنين وعدم استفادتهم من تدويرها في داخل اقتصاد المجتمع. رابعاً: هذه الأموال لا يتم استثمارها داخل البلاد وإنما تبحث عن التحويل بالدولار لتذهب إلى أهلها «برَّه السودان». خامساً: ليس هناك ما يمكن أن تشتريه منا شركات الاتصال فهي أصلاً تبيع لنا ورقة اسكراتش مكتوب عليها مبلغ وتقول لنا تحدثوا باليمين والشمال ولا تتوقفوا.. وتحثنا على ضياع أموالنا في الكلام.. وهي بهذا لا تدخل معنا في معادلة الأخذ والعطاء.. وإنما هي تأخذ فقط.. سادساً: الأموال المذكورة لا تشمل تجديد الاشتراك الشهري ولا تشمل خدمات الألحان والنغمات وقيمة الأجهزة نفسها وأي خدمات تبتدعها هذه الشركات. سابعاً: العائدات «السالبة» من استعمال التلفونات تفوق كثيراً العائدات الإيجابية. وما تجود به علينا شركات الاتصال من رعاية لبعض «الحاجات» والمناسبات لايكلفها كثيراً ولا يغنينا من جوع. وتأسيساً على ما ذكرنا فإن أمامنا خيارات محددة وهي إما أن نزيد أسعار المكالمات حتى يعجز عنها الناس أو نخفضها حتى «تقع في الأرض» أو أن تدخل الدولة مالكاً لشركات الاتصالات وتستولي على هذه الثروة القومية التي تأتي من الشعب لتقوم بصرفها على الشعب بصورة أكثر ترشيداً. وللمرة الألف ندعو الدولة لمصادرة وتأميم شركات الاتصال لصالح الشعب وللاستفادة من السيولة اليومية التي تصل قيمتها إلى أكثر من مائة وخمسة وثلاثين مليار جنيه يومياً، وهذا المبلغ يفوق دخل البترول يومياً.. وإذا سألتني عن خلاصة مشكلة الاقتصاد السوداني فإني سأقول إنه يمكن اختزالها في تكاليف الاتصالات ومحلات بيع الدولار والسيارات فهي أصل الداء ومنبع الكارثة.. أمِّموها يرحمكم الله أو على الأقل شاركوهم فيها وأهلنا زمان قالوا «الياكل براهو يخنق» وشركات الاتصال «قاعدة تأكل براها».. ومن المؤكد أنها سوف «تخنق» إن لم يكن الآن فقريباً جداً...