أرسل إليَّ الدكتور أمير منصور أرباب من مهجره في ماليزيا هذا المقال الذي يتناول قضية الساعة على خلفية ما تشهده العلاقة السودانية المصرية من نقاشات عقب إعلان إثيوبيا البدء في تنفيذ سد النهضة على النيل الأزرق: الرزيقي الحديث عن العلاقات السودانية المصرية يتطلب درجة من التروي والتأني وعدم الاندفاع، سواء أكان هذا الاندفاع في الاتجاه المؤيد للتطبيع الكامل مع مصر أو الممانع له، حيث أثبتت التجربة العملية في مسيرة البلدين برغم العلاقات التاريخية والكفاح المشترك وأخوة الدم، أن هناك دائماً طرفين متباينين في هذه العلاقة، طرف يأخذ وآخر يعطي، طرف يسيء وآخر يغفر، وللأسف كان الإخوة في مصر هم من يمثلون هذا الطرف الأناني، وقد يستغرب الكثيرون سبب ومناسبة هذا الوصف للإخوة في مصر، في وقت يدور فيه الحديث عن تفعيل اتفاقيات ثنائية، ومشروعات مشتركة، وافتتاح لطرق برية تربط بين البلدين، ولكن الكرامة تعلو على المصالح، حتى مع أقرب المحبين، حيث تألمنا كثيراً لما قاله الدكتور أيمن نور رئيس حزب «غد الثورة»، بأن موقف السودان من سد النهضة «مقرف» بهذا اللفظ، ومصدر الألم ليس الإساءة فقط، فهي واحدة من جملة إساءات ممنهجة درج عليها الإخوة المصريون، تجاه السودان، في إعلامهم ومؤسساتهم، ويستطيع أي كاتب أن يجرد مجلداً يحصي فيه هذه الإساءات المصرية، منذ استقبال القاهرة ودعمها لجون قرنق زعيم الحركة الشعبية، نكاية في النظام السوداني، والتسبب في انفصال جنوب السودان دون وعي، ثم تشدق النخب المصرية بأن انفصال الجنوب كان بسبب تطبيق الشريعة الإسلامية في شمال السودان، فضلاً عن تفاهات المهرج المصري أحمد آدم في برنامجه التلفزيوني تجاه السودان، انتهاءً بفجور الإعلام المصري خلال مباراة الجزائر ومصر بالخرطوم، التي عكست مدى مرض الشخصية المصرية ورغبتها في ممارسة اللؤم تجاه كل حليم. أعود إلى لقاء الرئيس مرسي الذي شهد الإساءة الرئاسية الرسمية للسودان، حيث أن مبلغ الألم، أن يقال حديث الدكتور أيمن نور في القصر الرئاسي، بوجود الرئيس الدكتور محمد مرسي ولا يقاطعه أو يطلب منه نقطة نظام، وعلى الهواء مباشرة عبر التلفزيون الرسمي، في لقاء القوى السياسية المصرية حول تداعيات سد النهضة الإثيوبي الذي ظل الموقف السوداني فيه يسير بتنسيق كامل مع الأشقاء في مصر، ولم يعلن السودان موقفاً ضاراً بالمصالح المصرية، وكان السودان هو صاحب المبادرات التوفيقية المقبولة بين مصر وإثيوبيا ومازال، بالرغم من أن هذا التنسيق قد يجر عليه عداوات لن يكتوي بنارها سواه، في وقت تسجل فيه مصر غياباً سلبياً تجاه قضايا السودان، لأن بعض النخب المصرية متبلدة الإحساس سياسياً وإنسانياً تجاه الآخرين، خاصة الأفارقة الذين قاطعتهم وهم حياتها، واتجهت شمالاً تبحث عن الشراكات الأورومتوسطية. وكونها مطلة على البحر الأبيض، لا يكفيها هذا الشرف أن تكون دولة أوروبية، وتناست الحكمة القديمة التي رسخها القدماء بأن «مصر هبة النيل». وإذا كان هناك نجاح لمصر في إفريقيا فهو نجاحها في استفزاز جيرانها، بدءاً بإثيوبيا التي تم التحرش بها عسكرياً وعلى الهواء مباشرةً في لقاء الرئيس بالقيادات السياسية، فضلاً عن ليبيا التي ترفض مصر تسليمها أحمد قذاف الدم، صهر القذافي، طمعاً في «شوية» ملايين من الدولارات، دون ان تراعي أخوة الثورة والجوار مع الليبيين، وبالمقابل وبلاء حياء تطلب القاهرة من الآخرين استرداد أموالها المنهوبة في الخارج. ومن المفارقات الغريبة في هذا اللقاء الذي جمع الرئيس مرسي بالسياسيين، اطمئنان الجانب المصري إلى أن الموقف السوداني «الذي يشتمونه» إلى جانبهم، وكأن قرار السودان في يدهم، حتى في مرحلة التحرش العسكري المشترك نحو إثيوبيا التي ربما تقود للحرب في الإقليم، واستغرب كيف تتوقع مصر تنسيقاً عسكرياً مع السودان وهي تأوي من يقتلون الشعب السوداني ويهددون أمنه القومي بأراضيها وتفتح لهم المكاتب والقاعات، من شراذم الجبهة الثورية والحركات الإرهابية مثل العدل والمساواة وقطاع الشمال، وحتى أن بعض هؤلاء المتمردين من قتلة المدنيين يجري مقابلات مع شيخ الأزهر الشريف. إن تجاهل مصر لصانع القرار السوداني مسيء جداً للعلاقات بين البلدين، فضلاً عن إثارة مصر لقضايا مهمة في توقيت سيئ، مثل ما ذكره وزير الزراعة المصري بأن الاستثمارات الزراعية العربية في السودان تهدد حصة مصر من مياه النيل، متجاهلاً أن البلدين بينهما معاهدات والتزامات، وأن مخرجات هذا الاستثمار تعتبر قوة للأمة العربية، ومن بينها مصر التي تمرغت كرامتها وهي تستجدي القمح الروسي واللحوم البرازيلية، وترفض هدية السودان التي قدمها الرئيس البشير بلا منٍّ ولا أذى، عجولاً حنيزة لهم، بحجة أنها تعاني داءً، ويتكرر ذات الأمر مع هدية السمسم السوداني التي قالوا ما قالوا عنها حول المواصفات والمقاييس. لذلك الآن مطلوب من السودان بحكومته وشعبه ومفكريه، تحديد مسارات العلاقة مع مصر، ومدى ملاءمة طبيعة الشعبين للتعايش الاستراتيجي معاً، والاختيار بين الجوار أو التكامل، لأن ما يراه السوداني «عيباً» يراه المصري «شطارة»، وهذا أبسط تعبير عن مدى التباين، ولكن على الأقل في الوقت الراهن من المهم للسودان إدارة سياسة «لا ضرر ولا ضرار» بمعنى ألا يقدم السودان على ما يضر مصر، وفي نفس الوقت عدم التضحية بمصالحه من أجل مصر. الدكتور أمير منصور أرباب- سوداني مقيم بكوالالمبور