في 11/ أبريل 2013م زار أمير قطر حمد بن خليفة أديس أبابا لمدة يومين. حيث التقى الرئيس الأثيوبي (جيرما ولد جيورجيس) كما التقى رئيس الوزراء الأثيوبي (هايلي ماريام ديسالين). جاءت زيارة أمير قطر العاصمة الأثيوبية بعد أسبوع واحد من زيارة قام بها الرئيس الأريتري أسياس أفورقي إلى العاصمة القطرية الدوحة. الناطقة باسم الخارجية الأثيوبية السفيرة (دينا مفتي) أشارت إلى أن زيارة أمير قطر لأديس أبابا تناولت قضايا إقليمية ذات اهتمام مشترك. واضح أن أريتريا بعد رحيل الرئيس ميليس زيناوي طلبت وساطة قطر لتحسين علاقاتها مع أثيوبيا. يذكر أن رئيس الوزراء الأثيوبي (هايلي مريام ديسالين) قد زار كذلك قطر حيث أعلن خلال زيارته الرسمية في لقاء مع قناة الجزيرة أنه مستعد للسفر إلى أريتريا للتباحث وجهاً لوجه مع الرئيس الأريتري أسياس أفورقي، مشيراً إلى أن ذلك قد ظلّ الموقف الثابت لأثيوبيا من أريتريا، ومضيفاً أن سلفه الرئيس زيناوي قد طلب أكثر من خمسين مرة الذهاب إلى أسمرا للتفاوض مع الرئيس أفورقي. تجدر الإشارة إلى أن قطر قد أبدت اهتماماً متزايداً بمنطقة القرن الأفريقي. يشار أيضاً أن منطقة القرن الأفريقي تشهد تأثيراً تركياً متزايداً حيث زار وزير الخارجية التركي أسمرا بدعوة من الرئيس الأريتري أفورقي، وكان تقريرًا قد أشار إلى أن الرئيس أفورقي قد طلب وساطة تركيا بين أريتريا والنظام الصومالي الجديد. كما أخطر أفورقي الوزير التركي برغبته تطبيع العلاقات مع أثيوبيا. حيث ترى بعض الدوائر الأريترية في رحيل الرئيس زيناوي أن هناك ثغرة قد انفتحت في النظام الأثيوبي، وأن هناك فراغ قيادي. وقد طلب وساطة قطر في هذا الشأن. كما أشار مختصون إلى أن أريتريا غير سعيدة بقرار قطر تعيين سفير لها لدى أثيوبيا. وكانت أثيوبيا قد قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع قطر في أبريل 2008م بسبب الصلات القوية التي تربطها بأريتريا. يشار إلى أن تأثير دولة قطر قد تصاعد في منطقة القرن الأفريقي في أعقاب توقيع اتفاقية أريتريا-جيبوتي في يوليو 2010م برعاية من أمير قطر، كما تزايد النفوذ القطري في أعقاب إعادة قطر علاقاتها مع أثيوبيا إلى مسارها الطبيعي. العاصمة الأثيوبية متعددة الأبعاد السياسية. حيث في أديس أبابا عاصمة الدبلوماسية الأفريقية يوجد مقر الإتحاد الأفريقي، كما توجد بها (68) سفارة لمختلف دول العالم. أيضًا أصبحت أديس أبابا العريقة تسير على إيقاع الحداثة. حيث تتعامل بالخطوط الأثيوبية والفنادق الكبرى والمطاعم الشهيرة في العاصمة الأثيوبية بطاقات الائتمان العالميّة الشهيرة. حيث تتعامل ب (أميركان إكسبرس) وهو الأكثر انتشاراً، و(ڤيسا) و(ماستركارد) و(أكسس). يزيد سكان أديس أبابا عن مليوني نسمة. وأديس أبابا بالنسبة لأثيوبيا هي ليست العاصمة السياسية فحسب، بل المركز العصبي الأهم اقتصادياً واجتماعياً. تبلغ مساحة العاصمة الأثيوبية (21) ألف هكتار، أسس الإمبراطور منليك أديس أبابا عام 1887م، حيث استجلب لها شجرًا سريع النمو من أستراليا لتأمين حطب الوقود. ولو لا ذلك لغادرها إلى موقع آخر ليكون عاصمته. أصبحت أديس أبابا العاصمة بعد تدهور العاصمة التي سبقتها وهي مدينة (غوندر). تعتز أديس أبابا بثقافتها الحبشية في كل تفاصيل حياتها من الأزياء إلى الموسيقى إلى الحرف اليدوية إلى الطعام حيث يتوفر الطعام الحبشي في كل مطاعم العاصمة إلى جانب الأطعمة الصينية والإيطالية والفرنسية والهندية والأردنية والعربية واليونانية. توجد في أديس أبابا عديد من دور السينما، غير أن بعضها ليس في المستوى المطلوب تمامًا. من الأماكن الشهيرة في العاصمة الأثيوبية مسجد (أنور) وجامعة أديس أبابا وكاتدرائية و(سنت جورج) وسوق (ميركاتو) في غرب أديس أبابا وهو أكبر سوق مفتوح في أفريقيا وبه كل أنواع البضائع الحبشية حيث يتواجد به الآلاف. من المدن الأثيوبية الأخرى (ديبري زيت) أو (بيشوفتو) على بعد ساعة بالسيارة جنوب شرق أديس أبابا. ومن المناطق الجميلة في نطاق العاصمة على بعد (35) كيلومترًا من أديس أبابا يوجد (ماناقاشا بارك) وهي محمية طبيعية عبارة عن غابة جبلية للطيور والحيوانات. وهي قِبلة الأثيوبيين في العطلة الأسبوعية وبها فرصة لهواة تسلُّق الجبال. أيضاً في طريق أديس أبابا غوندر على بعد مائة كيلومتر يوجد (دير ديبري لبنان)، الذي أسسه (سنت تكلي هيمانوت). وهناك (أمبو) على بعد (125) كيلومترًا غرب أديس أبابا حيث توجد حمَّامات الينابيع الطبيعية الساخنة. وهناك مدينة (أسكوم) أقدم المدن الحبشية وهي اليوم مدينة صغيرة هادئة والتي يعتقد المسيحيون الأثيوبيون الأرثوذكس أنها الموطن الأصل للتابوت. وفي الشواطئ الجنوبية لبحيرة تانا توجد مدينة (بحر دار). حيث (دير ستفانوس) وحيث مقابر العديد من أباطرة أثيوبيا (جمع إمبراطور). يوجد في (بحر دار) عشرين من الأديرة تقع على حوالى عشرين جزيرة في شبه جزيرة بحيرة تانا. وهناك مدينة (ديرداوا) التي تقع على بعد (517) كيلومترًا شرق أديس أبابا في منتصف الطريق إلى جيبوتي. يبلغ سكانها مائة ألف نسمة. بها سوق للجمال التي يربيها الأورومو والعفر والصوماليون. على بعد (54) كيلومترًا من (درداوا) توجد مدينة (هرر) على مقربة من الأخدود الأفريقي وهي مدينة إسلامية عميقة يوجد بها (99) مسجدًا. تعتبر لدى البعض المدينة الإسلامية الرابعة في إشارة إلى عمق تديُّنها الذي يمنحها قبساً من القداسة. ومن المدن الأثيوبية كذلك مدينة غمبيلا المدينة التجارية المهمة في غرب أثيوبيا والتي تقع على نهر (بارو). وكان خط ملاحة نهرية يربط بين غمبيلا والخرطوم التي تقع على بعد (1388) كيلومترًا. أما مدينة (غوندر) فقد ظلت عاصمة أثيوبيا من (1632 1868م). وهي مدينة تحتوي على العديد من الحصون والقلاع التي بناها الأباطرة الأحباش. أما مدينة (لالي بيلا) من الأفضل الوصول إليها بالطائرة. وقد أسسها الملك (لالي بيلا) وقد اشتهرت بكنيستها ذات الإحدى عشرة صخرة ومن مدن أثيوبيا مدينة (مكلي) التي يبلغ عدد سكانها (65) ألف نسمة وهي عاصمة إقليم التيقراي. وقد تمّ تحويل قلعتها القديمة العريقة إلى فندق درجة أولى. اشتهرت (مكلي) بأنها مركز بيع وتوزيع الملح الوارد من منخفضات (الدناكل). تكشف تسميات مستشفيات العاصمة الأثيوبية عن التدّين المسيحي الأرثوذكسي والوطنية. من مستشفيات أديس أبابا الشهيرة مستشفى (أليرت)، مستشفى (عمانويل)، مستشفى القوات المسلحة، مستشفى (بالشا)، مستشفى بلاك ليون (الأسد الأسود)، مستشفى فستولا، مستشفى (منليك الثاني)، مستشفى (زيوديتو) التذكاري، مستشفى سنت جول، مستشفى (رأس ديستا)، وغيره. في كبريائها الوطني في 7/ أبريل 2013م في الذكرى التاسعة عشر لمذابح رواندا، دعت أثيوبيا من خلال وزير الخارجية (تيدروس آهانوم) المجتمع الدولي إلى إدانة تكريم إيطاليا للجنرال الفاشيستي (رودلفو غرازياني) الذي ارتكب المذابح خلال الاحتلال الإيطالي لأثيوبيا (1936 1941م) حيث في إبادة جماعية قتل آلاف الأثيوبيين كما أباد قبلهم في مذابح جماعية مماثلة في ليبيا آلاف الليبيين ومنهم البطل الشهيد عمر المختار. وكان الأثيوبيون قد هزموا الإيطاليين هزيمة داوية في معركة (عدوة) الحامسة في 1/ مارس 1896م وكان السودان حينها قد رفض عرض أثيوبيا بالتحالف ضد القوى الغربية الطامعة في البلدين. وبعد عامين ونصف من انتصار (عدوة) التاريخي، كانت معركة (كرري) الفاجعة في 2/ ديسمبر 1898م. تجدر الإشارة إلى أن إيطاليا قد قامت أخيراً بإقامة نصب تذكاري للجنرال الفاشيستي (غراز ياني). تجدر الإشارة إلى أن عندما تمَّ ترسيم الحدود بين السودان وأثيوبيا في اتفاقية عام 1902م، كانت أثيوبيا مستقلة تفاوض عن نفسها، وكان السودان تمثله بريطانيا المستعمِرة، فمنحت أثيوبيا إقليم (بني شنقول)، مقابل ضمان تأمين جريان النيل الأزرق ونهر بارو إلى السودان. قال وزير الخارجية الأثيوبي إن (غراز ياني) لا يستحق التكريم ويجب على العالم أن يستمر في إدانته لجرائمه ضد الإنسانية ولدوره الإجرامي في مذابح الآلاف في أثيوبيا وليبيا. وكان من ضمن الزعامات الأثيوبية التي أعدمها الجيش الإيطالي الفاشيستي (راس ديستا دامتيو) في يناير 1937م. وفي فبراير 1937م حاول الوطنيون الأحباش قتل الجنرال (غراز ياني) ولكن لم تنجح المحاولة. ذلك العرض الذي تمّ تقديمه حتى الآن في سلسلة ستّ مقالات عن المعطيات الأثيوبية، إشارات في طريق تصحيح السياسة السودانية في نطاقها الإقليمي. فقد ظلّ السودان حقبة طويلة (مبرمجاً) لكي ينظر شمالاً، فقط لا غير، و(معسّماً) عاجزاً عن الإلتفات شرقاً!. وقد آن للسودان أن تتوازن معادلته السياسيّة، وأن يتصالح مع جغرافيته السياسيّة والثقافية. آن له أن يلتفت إلى أثيوبيا. ذلك هو المفتاح ليلعب دوره الإقليمي. لقد تراجع دور السودان الإقليمي إلى درجة الصفر. وآن له أن يستعيد ذلك الدور.