«وقف ضخ النفط رسالة الخرطوملجوبا التي اختارت هذا الطريق بإصرارها على دعم المتمردين السودانيين، وبالرغم من ذلك نؤكد أننا حريصون على إقامة علاقات متقدمة مع جوبا لو كانت هي حريصة على ذلك، وقرار الإغلاق الذي جاء بعد دراسة وتروٍّ يفيد بأننا لن نقبل باستمرار دعم التمرد من قبل جوبا للنيل من وحدة السودان»، تلك هي كلمات وزير الإعلام أحمد بلال. إذن فقرار رئيس الجمهورية عمر البشير بوقف ضخ نفط الجنوب عبر الأراضي السودانية أول من أمس السبت كان محور المؤتمر الصحفي لوزير الإعلام أحمد بلال والمدير العام لجهاز الأمن والمخابرات الوطني الفريق محمد عطا المولى عباس الذي استضافته وكالة «سونا» بقاعة الصداقة أمس وتناول فيه الاثنان الحيثيات التي دفعت السودان لوقف ضخ النفط الجنوبي وما يترتب على القرار من تبعات داخلية وخارجية. محاولات شتى ابتدر بلال حديثه بالإشارة إلى اتفاقية السلام الشامل والتزام البلاد بإنفاذها، وتعهد البشير في احتفال إعلان دولة جنوب السودان بدعم الدولة الوليدة لتكون دولة ناجحة وليست فاشلة، وكانت الحكومة السودانية ترجو أن يجري الحوار بين البلدين حول القضايا العالقة وتوصلنا في نهاية المطاف لمصفوفة اتفاقيات سبتمبر «2012» على أن تمثل مصفوفة الترتيبات الأمنية حجر الزاوية في التنفيذ، ولكن يبدو أن خطاب سلفا للمتمردين في المنطقتين ودارفور ب «لن ننساكم» كان حقيقة ترجمتها الكثير من الشواهد بينما كان المأمول من جوبا عندما جمعت قوى المتمردين أن تلعب دورًا إيجابيًا لصالح السلام ولكنها فعلت ذلك لإذكاء الحرب مشيرًا إلى أن إمداد قوات الجبهة الثورية التي هاجمت أم روابة وأبو كرشولة كان من جنوب السودان بهدف إسقاط النظام وفقًا لمقررات وثيقة الفجر الجديد، وبناء على ذلك ابتعث الرئيس البشير كلاً من وزير الخارجية أحمد كرتي ومدير جهاز الأمن محمد عطا إلى جوبا لتقديم الأدلة التي تثبت ذلك الدعم حتى لا يؤثر على تنفيذ المصفوفة خاصة أن قرار الخرطوم هو أن تنفَّذ المصفوفة كحزمة واحدة دون انتقاء للنفط دون بقية الاتفاقيات، وقال بلال إن الخرطوم كانت صادقة في تنفيذ المصفوفة، وضرب مثلاً بانسحاب الجيش السوداني من المناطق التي قررتها المصفوفة بينما لم ينسحب الجيش الشعبي من المناطق التي حددتها المصفوفة، بل وأعاد احتلال ست مناطق داخل السودان، واستمر الحال على ما هو عليه إلى أن التقى البشير بسلفا في قمة الاتحاد الإفريقي بأديس أبابا وقدم له وثائق إضافية لدعمهم للتمرد، ومن ثم أمهل جوبا أسبوعين لوقف التمرد وإلا فإن الخرطوم ستضطر لوقف تنفيذ المصفوفة وعلى رأسها ضخ النفط، وردَّت جوبا بأن سرَّعت من وتيرة دعم التمرد بهدف إسقاط حكومة الخرطوم لذلك كان لا بد من وقف ضخ النفط الذي أعلنه البشير، ونؤكده اليوم، وبشأن العملية الفنية لوقف النفط قال إنه سيتم خلال ستين يومًا في عدة مراحل سنخطر خلالها دولة الجنوب والشركاء الآخرين بالقرار ولن تكون هناك آثار بيئية لذلك. التسويف في إنفاذ المصفوفة أما الفريق عطا فقد ذهب إلى أن الحفاظ على كرامة الشعب السوداني وأرواح أبنائه هي التي دفعت لاتخاذ القرار بإيقاف ضخ نفط الجنوب موضحًا أن كل الأطراف المعنية قد وصلتها خطابات القرار ومن بعد سيتخذ الفنيون والمهندسون إجراءاتهم لوقف ضخ النفط، وتطرق لعناية الخرطوم بالسلام الشيء الذي دفعها لتقديم التنازلات في اتفاقية نيفاشا للسلام خلال الفترة الانتقالية للاتفاقية، وفي المقابل أوقفت جوبا ضخ النفط في العام الماضي ومن ثم اعتدت على هجليج تلا ذلك صدور القرار الأممي «2046» لتبدأ مسيرة التمسك بأهداب التعاون مجددًا لنصل إلى اتفاقية سبتمبر ولكن الذي حدث بعد ذلك أنَّ جوبا لم تلتزم ببنود القرار الأممي وبنصوص اتفاق سبتمبر اللذين قضيا بانسحاب جيشي البلدين دون شروط من أراضي البلد الآخر بينما لم يكن لجيشنا وجود في الأراضي الجنوبية، وحتى الآن لم ينسحب الجيش الشعبي من ستة مواقع داخل السودان منها سماحة ومحطة بحر العرب والأدهم كما استمرت جوبا في دعمها للمتمردين السودانيين بكل وسائل القتال. تفاصيل دعم جوبا للمتمردين ومعروف أن جنوب السودان هو أحد مراكز إيواء قيادات المتمردين في كل من «جوبا وأويل وراجا وربكونا وشمال ولاية الوحدة» وثمة إيواء آخر مرتبط بسابقه هو الإيواء بيوغندا، وسرد عطا تفاصيل الدعم الجنوبي بأنه يشتمل على تدريب عسكري نوعي على الأسلحة الكبيرة وتدريب استخباري وعلى العمليات الخاصة، وثمة إيواء آخر مرتبط بسابقه فضلاً عن تقديم العربات القتالية ذات الدفع الرباعي والتي تقدم على نحو ممنهج ومستمر إضافة للدعم بالأسلحة والذخائر والوقود وإسبيرات العربات وبالمواد التموينية، وأوضح أن الجبهة الثورية نشأت في جنوب السودان الذي شهد عقد مؤتمرها الأول بمشاركة قيادات من حكومة جوبا وهي التي سعت لتوحيد فصائل الجبهة الثورية لتصل لشكلها الذي هي عليه الآن لتشكيل قوات مشتركة بين قطاع الشمال في النيل الأزرق وجنوب كردفان وقوات الحركة الشعبية لفصيلي مني أركو مناوي وعبد الواحد محمد نور إضافة لحركة العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم على أن يكون لكل فصيل قواته التي تعمل بموازاة القوات الموحدة مشيرًا إلى أن العشرات من جرحى الجبهة تم إخلاؤهم من مواقع القتال بالسودان ليتلقوا العلاج في مستشفيات ولايات الوحدة في كل من بانتيو وراجا وربكونا والعاصمة جوبا علاوة على التسهيلات التي تقدمها جوبا للجبهة الثورية فيما يلي السفر وإعداد جوازات السفر وربطهم بجهات أخرى تدعمهم سياسيًا ولجوستيًا وعسكريًا. مهلة الأسبوعين وعن محاولات الخرطوم مع جوبا لإثنائها عن دعم المتمردين أشار لموفدي الخرطوم في هذا الصدد، والجديد الذي أوضحه هو أنه ونائبه في إدارة جهاز الأمن ذهبا لجوبا مرات عديدة لم يحدِّد عددها، فضلاً عن أن أصدقاء جوبا من الدول الكبرى على علم بدعمها للمتمردين السودانيين وأنهم طلبوا منها وقف ذلك، وبالرغم من كل ذلك كانت الحكومة مصرة على بناء علاقات متميِّزة مع جنوب السودان لذلك كانت زيارة الرئيس لجوبا ولاحقًا وزير الخارجية ومدير جهاز الأمن، والملاحظة التي خرجت بها الخرطوم من كل تلك المحاولات هي أن جوبا وبدلاً من العمل على وقف الدعم الذي يضر بأمن البلدين والمنطقة ويدفع المصفوفة إلى حيِّز عدم التنفيذ تتجه إلى اتخاذ المزيد من الإجراءات لتأمين الدعم خفية عن السودان، وقال إنه خلال مهلة الأسبوعين التي منحها الرئيس البشير لسلفا في أديس استمرت جوبا في عملية الدعم عبر رئاسة هيئة أركان الجيش الشعبي بقيادة جميس هوث مباشرة تمامًا مثلما تقدم الخرطوم أي دعم لأيٍّ من وحداتها العسكرية بالبلاد، فمطلوبات واحتياجات قطاع الشمال بجنوب كردفان تتم عبر عزت كوكو الموجود في جوبا ليستلمها جقود مكوار، وأحدث عملية دعم لجنوب كردفان تمت بالجمعة الماضية بشحن تناكر وقود يُفترض أن تصل اليوم الإثنين أو غدًا الثلاثاء، أما آخر دعم للجبهة الثورية فهو مائة برميل وقود تحركت من ولاية الوحدة بالجمعة الفائتة تلتها مائة أخرى من المنتظر أن تصل منطقتي طبانيا والدار بالقرب من طروجي، ولفت إلى أن دعم الجبهة الثورية تقوم به الاستخبارات العسكرية للجيش الشعبي بواسطة أكوت وأموت. وخلص عطا إلى أنه لم يكن هناك مناص من وقف ضخ النفط وأنهم سيتحملون كل مخاطره. اليونسفا: مهمات لم تكتمل وفي ردوده على أسئلة الإعلاميين أوضح عطا أنه بشهادة تقرير اليونسفا الذي وقَّع عليه قائدها ومندوب حكومة الخرطوموجوبا يؤكد أن الجيش الشعبي لا يزال داخل السودان في أحد المواقع بهجليج، أما آليات الرقابة الخاصة بالحدود فهي لم تكتمل مشيرًا إلى أن اليونسفا قدمت لقضية محددة هي أبيي ولاحقًا طُوِّرت مهمتها لمراقبة المنطقة منزوعة السلاح والتي تمتد على طول الحدود بين البلدين، لذا فإن قوات اليونسفا تحتاج لمزيد من التأهيل ولمزيد من القوات والآليات والطائرات والمراقبين وكل هذا لم يكتمل بعد، لذا فهي غير قادرة على مراقبة كل الحدود، وبشأن محاولة اغتيال عقار التي اتهمت الجبهة الثورية الخرطوم بتدبيرها أوضح أن عقار غير موجود بكمبالا طيلة الأسبوع الماضي، فهو موجود بمنطقة البونج داخل حدود الجنوب مع ولاية النيل الأزرق، ونفى استخدامهم لمثل ذلك الأسلوب قائلاً: نحن لا نستهدف «أرواح الناس» خارج الميدان، وأكد أن قرار الرئيس بوقف النفط سينفذ سواء في أسبوع أو ستين يومًا مشيرًا إلى أنهم سيسمحون لجوبا ببيع نفطها الذي وصل إلى بورتسودان على أن يأخذ السودان نصيبه من رسوم العبور، وعن أضرار البلاد بوقف النفط قال عطا إن ضخه يصب لصالح البلدين، ولكن المصلحة ليست هي الوحيدة في معادلة الخرطوم، فالمعادلة تشمل حفظ أرواح السودانيين مشيرًا للمذابح التي نفذها المتمردون في أبو كرشولا، وقال إنه ومنذ أن قررت جوبا إغلاق النفط للعام «2011» فإن ميزانية السودان لا تعتمد النفط في إيرادتها مؤكدًا أن الرئيس سيتخذ من التدابير لتجاوز موارد النفط. ومن جانبه قال بلال إنهم لا يمانعون في عودة العلاقات بين البلدين شريطة أن توقف جوبا دعمها للمتمردين وبتطبيق المصفوفة وبضمانات إقليمية، وحول مزاعم جوبا بأن الخرطوم تدعم متمرديها قال: نحن على استعداد للمراقبة سواء رقابة ذاتية أو عبر الاتحاد الإفريقي، واتهم بلال أوغندا بأنها أساس كل المشكلات بين دولتي السودان وأن مصلحتها الاقتصادية في ألاّ تقوم علاقة جيدة بين البلدين، ثم تطرق بلال لموضوعات متفرقة مثل سد الألفية وحديث المعارضة بإسقاطها للنظام في مائة يوم ليرد هازئًا ببيت الشعر الشهير: زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا.. فابشر بطول سلامة يا مربع