من أقصى الغرب حيث الولاياتالمتحدةالأمريكية، تعريجًا على جنوب السودان، والغرب الأوسط، دارت محاور هذا اللقاء مع المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية السفير أبوبكر الصديق محمد الأمين حول طابع العلاقات مع تلك الدول باستصحاب دولة الجنوب كعامل محوري في علاقتها بالسودان فضلاً عن انعكاس تلك العلاقة على نظيرتها السودانية التي تتصل بالغرب وإفريقيا وسط تدارك السفير بوقف التسجيل على مرتين لشرح بعض التفاصيل غير القابلة للنشر دبلوماسيًا، هذه القضايا الدبلوماسية، وأخرى تشكل الراهن السياسي كانت أجندة هذا الحوار، فإلى تفاصيل ما دار: لنبدأ سعادة السفير بالعلاقات مع أمريكا. ماذا عن تفاصيل الدعوة الأمريكية للحكومة ممثلة في مساعد الرئيس نافع علي نافع لزيارة واشنطون؟ الزيارة المتوقعة لمساعد الرئيس د. نافع ستتم باعتباره نائب رئيس حزب المؤتمر الوطني، أي بصفته الحزبية، وحسب علمنا أن نافع قبل الدعوة وإن لم يُحدَّد لها وقت قاطع، بيد أن الاتصالات جارية بين الطرفين لتحديد توقيت الزيارة وبرامجها. هل يعني هذا أن الخارجية ليست طرفًا في الزيارة ولا دور لها في التنسيق بين الطرفين؟ الدعوة تمت باتصالات مباشرة بين مكتب نافع والسفارة الأمريكية في الخرطوم ولكن بحكم أن نافع شخصية سيادية فإن سفارتنا في واشنطون تتولى بعض الجوانب المراسمية، كما أن الخارجية تهتم بجانب الدعوات. إذن ماذا عن القضايا المتوقع تداولها في الزيارة؟ حزب المؤتمر الوطني سيكون في وضع أفضل منا لتوضيح هذه المسألة ولكن حسب علمنا سيجري حوار بشكل مفتوح حول العلاقات بين البلدين. إذًا لن يكون هناك طرف من الخارجية في هذا اللقاء. لا.. فالدعوة تخصُّ مؤسسة حزبية بينما الوزارة تمثل حكومة السودان. لم أخذت الدعوة طابعًا حزبيًا وليس حكوميًا. الاتصال على المستوى الرسمي بين قائم وكذا الحال بالنسبة لسفارة البلدين، وقبل عدة أيام التقى وزير الخارجية كرتي بنظيره الأمريكي جون كيري في أديس أبابا، أما الزيارة فتأتي في المساق الحزبي وذلك أمر متعارف عليه باعتبار أن المؤتمر الوطني هو الحزب الرئيسي في الحكومة. بما أن الدعوة مرسلة من الإدارة الأمريكية ألم يكن من الطبيعي أن تكون موجهة للحكومة وأن الخارجية طرف فيها. مرة ثانية. أفضل من يجيب عن ذلك هو المؤتمر الوطني ولكن ليس هناك غضاضة في أن تدعو الحكومة الأمريكية أحد الأحزاب السودانية لزيارتها، ومن قبل زار الوزير كرتي أمريكا بصفة رسمية، أما أن تأتي دعوة رسمية لوزير الخارجية أو أي مسؤول حكومي فذلك يعتمد على برامج الوزير أو المسؤول المعني، عمومًا فإن الزيارة الحزبية تكون أكثر مرونة وتعتبر سانحة للتعاطي مع الأحزاب الأمريكية ومؤسسات صنع الرأي والبحوث ورجال الكونغروس وذلك بخلاف الزيارة الرسمية التي تكون مقيدة ببرامج محددة للقاء المسؤولين وبشكل، عام فإن الإدارة الأمريكية ممثلة في وزارة الخارجية أو حتى البيت الأبيض في تقديرنا هي أفضل قليلاً في فهمها للأوضاع في السودان أكثر من المؤسسات الأخرى كالكونغروس أو بعض مراكز البحوث، وبالتالي هذه المؤسسات تحتاج للحوار مع القوى السياسية السوانية. هل من المتوقع أن تمهد هذه الزيارة لدعوة رسمية للحكومة السودانية كالخارجية مثلاً؟ سبق أن ذكرت أن اللقاءات الرسمية مع الحكومة الأمريكية لم تتوقف. أقصد دعوات رسمية كتلك التي قُدِّمت لنافع. اللقاءات لم تتوقف، وممكن تحدث الدعوة الرسمية، فلا يوجد ما يمنع خاصة أن للبلدين تمثيلاً دبلوماسيًا مقيمًا والتواصل مستمر، عمومًا نحن ننظر للزيارة على أنها تأتي في سياق توثيق أطر الحوار بين البلدين. صرح الوزير كرتي في أديس أن نظيره كيري أبلغه أن بلاده ترغب في تطبيع العلاقات بين البلدين. إلى أي حد تثقون في مثل هذه التصريحات؟ أعتقد أن هناك حيثيات موضوعية كثيرة تدعو أمريكا لتحسين علاقتها مع السودان. ما تفاصيل هذه الحيثيات؟ أولاً أن السودان دولة مؤثرة وهو فضلاً عن موقعه الإستراتيجي ووزنه السياسي دولة واعدة من حيث الموارد، ورغم ما يجري في سياق الدعاية السياسية ضده فهو واحة استقرار في منطقة تعاني الكثير من الاضطراب ويشهد تطورات إيجابية على مستوى العلاقات مع دول الجوار كما أن اهتمام أمريكا بالسودان يعود لمنتصف القرن الماضي، فلا توجد أسباب موضوعية تمنع قيام علاقات موضوعية بين البلدين، في هذا الإطار مؤكد أن كيري يعني ما يقول، وليس من صفة الأمريكان أن يتحدثوا للمجاملة فهم يعنون ما يقولون. ولكن وعود التطبيع بُذلت من قبل بكثافة إبان التفاوض في نيفاشا. ألا تخشون من تكرار ذلك السيناريو مجددًا؟ فعلاً كانت هناك وعود والتزامات لم يتم الوفاء بمعظمها ولكن المدرك للأوضاع السياسية في أمريكا يعلم أن الطريقة التي تُدار بها السياسة الأمريكية تشتمل على «داينميات» متعددة ومعقدة بعض الشيء، ففي أحيان كثيرة تواجه الحكومة الأمريكية بخيارات ليست هي الأفضل بالنسبة لها، فنحن نعرف أن هناك مجموعات للضغط لديها أجندة عقائدية ضد السودان وهي مجموعات مؤثرة جدًا وأخرى في الكونغرس وثالثة في بعض المؤسسات الإعلامية ومراكز الدراسات والبحوث والمنظمات غير الحكومية كما أن بعض الناشطين يمارسون نفوذًا على عملية صنع القرار فيما يخص السياسة الخارجية تجاه السودان، ومعروف أن السياسة الخارجية في أمريكا محصلة عوامل كثيرة بحيث تجد الحكومة الأمريكية نفسها مضطرة للتعامل مع أوضاع لا تمثل خياراتها المفضلة لكن نحن نعتقد أن الوقت قد حان لتفي أمريكا بكل التزاماتها ولدى التعامل مع الحكومة الأمريكية لا بد من إدراك تلك الحقائق ومدى العائد المتوقع في ظل التشابك والتعقيد الذي يكتنف عملية صنع القرار الأمريكي. إذن هل تتوقع أن البيت الأبيض في وضع مريح يمكنه من المضي قدمًا في علاقاته مع السودان دون مواجهة غضبة اللوبيات المعادية للسودان؟ ليس بالضرورة أنه مريح للنهاية ولكن ربما تكون هناك عوامل أخرى فأمريكا لديها اهتمامات ومصالح في مختلف أنحاء العالم وربما تكون هناك تطورات في مناطق أخرى بالشرق الأوسط تدفعها للتعامل بشيء من الموضوعية تجاه السودان، على كل نحن نأمل في تطبيع العلاقات وإن كان لا توجد ضمانات لأن صنع القرارالخاص بالسياسة الأمريكية الخارجية مسألة معقدة تخضع لعوامل وضغوط وحسابات وموازنات مختلفة. ثمة تفسير بأن الدعوة مرتبطة بالتفاوض مع قطاع الشمال وكأن أمريكا بصدد إلهاء السودان بنسخة جديدة من الوعود للتوقيع على اتفاق مع القطاع على غرار نيفاشا. لا أظن أن هذا التحليل صحيح، فعلى حد علمي فإن الدعوة سابقة لبدء التفاوض مع ما يسمى بالقطاع، ثانيًا مطالعتي لتصريح للمتحدث الرسمي باسم السفارة الأمريكية في الخرطوم الأسبوع قبل الماضي أن الدعوة ما تزال قائمة وذلك عقب الجولة الأولى من المفاوضات والتي لم تحقِّق نتائج تُذكر، لذا لا أعتقد بوجود ربط مباشر بين الدعوة والمفاوضات، وهذا لا ينفي أنه ربما تكون أمريكا تقديرها بشأن بروز تطورات إيجابية على مستوى علاقات السودان بجنوب السودان وفي قضية دارفور وقبول السودان للتفاوض حول المنطقتين لكن لا أستطيع القول إن مسألة المفاوضات لها علاقة مباشرة بالزيارة. هل تعتقد أن إنذار الرئيس البشير لجوبا بوقف النفط وعدم التفاوض مع قطاع الشمال يمكن أن يؤدي لحصيلة عكسية في مسألة الزيارة والعلاقة مع أمريكا عمومًا. السيد الرئيس تحدث عن ضرورة تطبيق اتفاق التعاون مع دولة الجنوب بصورة متكاملة وهذا مطلب عادل وطبيعي باعتبار أن الاتفاقيات حزمة واحدة ويجب أن تطبَّق كحزمة واحدة ولا يمكن أن تطبق بنهج انتقائي ولا جديد في ذلك. الرئيس قال لا مفاوضات مع قطاع الشمال. أولاً هذا قرار يخص القيادة السياسية العليا ولكن ما أذكره أن حديث الرئيس أوضح أن الحكومة لن تتفاوض مع العملاء والخونة على أية حال هذا قرار للقيادة السياسية وقطاع الشمال مجموعة سودانية في النهاية وهذه رسائل السياسة الداخلية وليست مسألة علاقات خارجية بالضرورة. واشنطون تسعى من فترة ليست قصيرة لإسقاط نظام الخرطوم. فما الذي تغيَّر اليوم الخرطوم أم واشنطون؟ إذا كنت تقصدين الحكومة الأمريكية فهي ظلت تؤكد باستمرار أنها لا تسعى لتغيير حكومة السودان، وإذا كان المقصود جهات أخرى معادية للسودان كاللوبي الصهيوني فهم لم يتوقفوا في يوم من الأيام عن سعيهم لتغيير الحكم في السودان، ثم إنه لم يعد مقبولاً اليوم أن حكومة دولة ما تعلن عن سعيها لتغيير نظام الحكم في بلد آخر. واشنطون تفرض عقوبات تجارية على البلاد من فترة طويلة ولا تزال تدرجها ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب. هل تبدو هذه مؤشرات لرغبتها في الإبقاء على نظام الخرطوم؟ لا.. طبعًا، ولا أقول إن علاقاتنا مع أمريكا في أفضل حالاتها فهي علاقات غير طبيعية، وكل ما ذكرته من عقوبات أحادية ظالمة غير مبررة وغير قانونية صحيح أما قائمة الإرهاب فهي مسألة سياسية ولا علاقة لها بدعاوى الإرهاب، وحتى الجهات الأمريكية المعنية بمكافحة الإرهاب تؤكد أن السودان لا علاقة له بالإرهاب وللمبعوث الأمريكي الأسبق للسودان إسكود غرايشون تصريح مشهور في الكونغرس مفاده أن الإبقاء على السودان في قائمة الإرهاب يعبِّر عن قرار سياسي أكثر من كونه يعكس حقيقة وجود علاقات للسودان بما يسمى بالإرهاب، ولكن مرة أخرى أذكِّر بالتعقيدات والوضع الغريب فيما يختص باتخاذ قرارات السياسة الخارجية الأمريكية والسودان مؤكد متضرر من هذا الوضع ولا يجب أن يكون ضحية لتعقيدات داخلية في السياسة الأمريكية. بالمناسبة هل من جديد عن هوية المبعوث الجديد لأمريكا بالسودان. لم يصلنا إخطار رسمي بهذا الخصوص. في تقديرك سعادة السفير ما الذي تريده واشنطون من الخرطوم على وجه الدقة لتطبيع العلاقات؟ من الأفضل توجيه هذا السؤال للقائم بالأعمال الأمريكي في السودان أو الناطق الرسمي للخارجية الأمريكية، على كلٍّ فيما مضى كانت أمريكا تتحدث عن تطبيق اتفاق السلام وحل مشكلة دارفور وإجراء استفتاء الجنوب وهذه أشياء تم الوفاء بها وأخرى جارٍ العمل فيها. بما أن قنوات الاتصال بين البلدين مشرعة كما ذكرت فلا بد أنها شرحت لكم مطالبها. سبق أن ذكرت أن الحكومة الأمريكية نفسها خاضعة لتعقيدات الوضع الداخلي للسياسة الأمريكية. لا بد أن التعقيدات متعلقة بمطلوبات من السودان. الأشياء الموضوعية التي كانت تتحدث عنها الحكومة الأمريكية في وقت من الأوقات وليس الآن تم تحقيقها، ولكن موضوعيًا لا توجد أسباب حقيقية تحول دون التطبيع بين البلدين إنما هي أسباب خاصة بالوضع السياسي الداخلي لأمريكا ونحن لسنا طرفًا فيها. لجون كيري تصريح بأن لمواطني جنوب كردفان والنيل الأزرق رغبة بالحكم العلماني بينما تسعى الخرطوم لفرض الحكم الإسلامي عليهم. ما الذي يقصده كيري من هذا التصريح؟ أُنبه إلى أن هذه التصريحات سابقة للقاء كيري بالوزير كرتي، ثانيًا أتوقع أن الصورة باتت أكثر وضوحًا لكيري عقب لقائه بنظيره السوداني، كما أن المسالة ليست حديثًا عن حكم علماني أو إسلامي إنما المسألة هي أن السعي لتحقيق أهداف سياسية بالعمل العسكري أمر مرفوض بموجب القانون الدولي والأعراف، فلا مبرر لأي مجموعة سودانية لديها رؤية سياسية معينة تتفق أو تختلف حولها مع الآخرين أن تسعى لفرضها بالقوة، فهذا أمرٌ مرفوض، ثالثًا ربما تكون هنالك جهات تسعى لتصوير المسألة على غير وجهها الحقيقي نعلم جميعًا أن التمرد الذي بدأ في جنوب كردفان حدث بعد أن خسر مرشح الحركة الشعبية عبد العزيز الحلو انتخابات منصب الوالي رغم أنها تمت برقابة دولية، وهذا رفض للعملية الديمقراطية وهذا هو المنظور الصحيح لما يدور في جنوب كردفان ولكن الواضح أن هناك جهات «مجموعات الضغط» إعلامية وغيرها تقف وراء الحركات المسلحة وتروج لأفكار غير صحيحة مستخدمة حضورها القوي في الإعلام الغربي لتصور المسائل على غير وجهها الصحيح مما يدفع بعض الشخصيات لإصدار مثل تلك التصريحات. عندما يتحدث كيري عن ما يسميه رغبة مواطني المنطقتين «النيل الأزرق وجنوب كردفان» ألا ترى أن ذلك توجه وسياسة أمريكية وليس مجرد تصريح أرسله كيري ليمحوه لقاؤه بنظيره كرتي. طبعًا أمريكا لا تخفي أنها تفضل الأنظمة العلمانية على غيرها ولكن في النهاية هي معنية بمصالحها أكثر من المبادئ الفكرية والسياسية بدليل أنها تعاملت مع أنظمة إسلامية، والمسألة ببساطة ليس ماذا تريد أمريكا ولكن ما الذي يريده الشعب السوداني. ولكن ميزان التأثير الأمريكي في المنطقتين لا يمكن تجاوزه. إرادة الشعب السوداني هي التي ستسود في نهاية الأمر. إذا نظرنا لهذه المعادلة وفقًا لتصريح كيري أعلاه: الخرطوم إسلامية وجوبا علمانية يبدو وكأن أمريكا تخير الخرطوم إما بالعلمانية أو أن تلحق المنطقتين بدولة الجنوب حيث العلمانية أو أن تحظى المنطقتان بالحكم الذاتي على غرار وضع الجنوب في نيفاشا. الاعتقاد بأن أمريكا هي من تقرر في شأن السودان يمثل استخفافًا بالسودان والشعب السوداني هذا على فرض أن تلك هي إرادتها، أمريكا تتحدث عن ما تتمناه، ولكن في النهاية لن يكون إلا ما يريده الشعب السوداني.