جلست على ركبتيها في غرفة مكتظة بالنسوة اللاتي جئن لمساندتها في محنتها التي سبقنها فيها، تشبثت بقوة بالحبل المتدلي من سقف الغرفة وهي تئن من الألم وتراقبها كصقر مرابض داية الحبل التقليدية التي سخنت المياه بانتظار معركة ستقوم بها مع هذه المرأة ليرى جنينها النور وقد لا يراه لأن هذه الولادة التقليدية البدائية التي تتمركز في المناطق النائية تنتهي عادة بوفاة الأم وجنينها لأن الداية لا تعرف كيف تتعامل مع أية حالة طارئة لأنها لم تتلق أي تعليم، بل هي مهنة توارثتها عبر أجيال مختلفة من أسرتها، وهي نفس الداية التي تجري عمليات الختان العشوائية مسببة حالات وفيات للطفلات اليافعات. وعلى الرغم من محاربة هذه الولادة بتوفير قابلة في كل قرية إلا أنها تظل لأسباب كثيرة، كما أكدت الأستاذة البرلمانية د. سعاد الفاتح التي كشفت خلال جلسة البرلمان عن وجود نساء ما زلن يلدن بالحبل، وما يؤكد حديثها أن الأرياف تفضل التعامل مع داية الحبل لأسباب اجتماعية تنصب في إطار التقليد والموروث وآخر أيضا الإمكانيات التي تقف عائقاً أمام صحة الأم الإنجابية في المناطق الريفية، فعدم توفر إمكانيات مثل القابلة الصحية والإسعاف عادة تجعل الأم تكون ضحية ولادة بالحبل دون أي إسعاف حال تعقدت الحالة وهي تمثل سبباً رئيساً لوفيات الأمهات والأطفال بسبب النزيف والتلوث، وتظل أحد أسباب انتشار مرض الإيدز. وبلغت نسبة وفيات الأمهات بحسب المسح السوداني لصحة الأسرة «1107» لكل «100.000» حالة ولادة حيّة وفق المعدل العالمي، وأيضاً حسب المسح ووفقاً لمصادر منظمة الصحة العالمية «2010»، فإن متوسط وفيات الأمهات أثناء الولادة هو «20» حالة لكل «100,000» طفل من المواليد في أوربا. إن حياة المواليد معرضة للخطر في السودان أيضاً: يبلغ معدّل وفيات المواليد «33» لكل «1.000» من الذين يولدون أحياء مقارنة بمتوسط سبع وفيات لكل «1.000» من الذين يولدون أحياء في الكثير من الدول الأوربية «منظمة الصحة العالمية 2010». لأن «النساء غالباً ما يلدن بالمنزل بمساعدة القابلات التقليديات اللائي يفتقرن إلى التدريب الأساسي أو المهارات المطلوبة للعناية بالنساء في حالات الولادة المعقدة». وتحكي بعض النساء ل «الإنتباهة» عن تجربة رهيبة في الولادة عبر الداية التقليدية في المنزل، حيث تتعثر الولادة وتصاب المرأة بنزيف حاد كاد يودي بحياتها وأخرى فقدت القدرة على الإنجاب وأخرى جاء الجنين بحجم كبير ويتطلب عملية قيصرية. تقول د. يوليا عبد الهادي استشاري النساء والتوليد ل «الإنتباهة» مشكلة الولادة في المنزل أن بعض الحالات لا تمهل المرأة فرصة للوصول إلى المستشفى لأن حالات النزيف لا تعطي المرأة أكثر من «10» دقائق قبل أن يتصفى دمها تماماً وتموت بسرعة خرافية وغيرها مثل خروج المشيمة ونسيان أجزاء منها والتعقيدات التي تحتاج جراحة قيصرية ناهيك عن النظافة والتلوث وانتقال الأمراض. ولا نلقي باللائمة على الموروثات في بقاء ولادة الحبل والداية التقليدية بل الجهات المعنية بالصحة أيضاً حيث جاء السودان ضمن عشر دول صنفت كأسوأ الأماكن للأمهات في العالم في التقرير الصادر عن منظمة «أنقذوا الأطفال» للعام 2010، والذي يرتب أفضل وأسوأ الأماكن للأمهات حول العالم، وصنف التقرير الذي يحتوي على نتائج مؤشراً سنوياً خاصاً بتنمية الأمهات وتنشئة الأطفال، والصادر الشهر الماضي النرويج وأستراليا وآيسلندا والسويد كأفضل الأماكن رفاهية للنساء والأطفال، بينما تذيلت القائمة كل من أفغانستان وأريتريا وغينيا الإستوائية واليمن والكونغو الديمقراطية واليمن ومالي والسودان.