تشهد وزارة الخارجية هذه الأيام تحركاً دبلوماسياً واسعاً على اعقاب قرار الرئيس إعلان وقف تنفيذ اتفاقيات التعاون المشترك بين البلدين، والذي عرف بمصفوفة الاتفاقيات الأمنية والاقتصادية، والذي كان يرجى منه حسن الجوار بين السودان ودولة الجنوب، لشرح دواعي القرار المتمثلة في استمرار جوبا في تقديم مختلف أنواع الدعم والمساعدات كلها لحركات التمرد، وتوضيح ما يتوقعه من المجتمع الدولي بعقد لقاءات مع عدد من السفراء بالخرطوم وإبلاغهم بدواعي اتخاذ القرار. وفي ذات الاتجاه تعقد الجهات المحلية لقاءات تمهيدية مع القوى السياسية لتنويرهم بمجمل الأوضاع الراهنة بالبلاد وتطورات العلاقات مع دولة الجنوب، إضافةً لقرار رئاسة الجمهورية. ومن المتوقع أن تكون القارة الإفريقية أولى المحطات التي يتوجه إليها وزير الخارجية علي كرتي انطلاقاً من العاصمة الإثيوبية أديس أبابا وهو يحمل رسائل من الرئيس عمر البشير إلى رئيس الوزراء الإثيوبي ورئيسة مفوضية الاتحاد الإفريقي وسفير الجزائر بالاتحاد الإفريقي رئيس الدورة الحالية لمجلس السلم والأمن الإفريقي، وسيرافقه سيد الخطيب وإدريس عبد القادر عضوا وفد التفاوض مع دولة الجنوب، وتتضمن الرسائل الدواعي التي استندت عليها الخرطوم في وقف تنفيذ الاتفاق، ويري مراقبون أن اختيار أديس محطةً للانطلاق يأتي من كونها الدولة التي استضافت المفاوضات إضافة إلى قربها من السودان. كما سيخاطب السودان مجلس الأمن الدولي رسمياً بالقرار عبر مندوبه الدائم في نيويورك، كما ستكون هنالك تحركات خلال الأيام المقبلة لمبعوثين رئاسيين إلى بعض الدول الإفريقية لذات الغرض. ويذكر أن الحكومة السودانية قد أعلنت مطلع هذا الأسبوع عن وقف تصدير نفط دولة جنوب السودان عبر خطوط الأنابيب السودانية بعد أن ثبت تورطها في دعم الجبهة الثورية، وهو الأمر الذي ظلت جوبا تنكره تكراراً ومراراً. وكشف مصدر أمني عن اعترافات متنوعة حصل عليها جهاز الأمن والمخابرات من مصادر داخل دولة الجنوب وعدد من المتمردين الذين تم إلقاء القبض عليهم، تؤكد إصرار دولة الجنوب على دعم حركات التمرد. وقال المصدر إن عمليات ترحيل وتوصيل جرحى المتمردين والمصابين بجنوب كردفان مازالت مستمرة وخاصة إلى مستشفيات «واو وجوبا وبانتيو»، مشيراً إلى تطابق المعلومات بوجود أكثر من «175» جريحاً بتلك المستشفيات، وذلك بعد أن تم إجلاؤهم بطائرة خاصة وعربات من بحيرة الأبيض وجاوا وبانتيو بولاية الوحدة الجنوبية. وكشف المصدر الأمني النقاب عن أن إسرائيل هي الجهة التي ترعى تلك العمليات بالتمويل وتوفير الدعم الفني عبر حكومة الحركة الشعبية بجوبا، وهي التي تقوم بتحمل نفقات شراء الأسلحة والعربات والأجهزة الفنية المستخدمة في الميدان لأغراض الربط والاتصال. وفي الوقت الذي أُعلن فيه قفل أنابيب البترول بين البلدين ووقف تنفيذ الاتفاقية، نجد أن جوبا أعلنت تمسكها بالاتفاق وعدم العودة إلى مربع الحرب، وجدّد مجلس وزراء جنوب السودان تمسك حكومة الجنوب بتنفيذ اتفاقيات التعاون الموقعة مع الخرطوم، ويرى العديد من المراقبين أن الجنوب ليس له مخرج آخر سوى التمسك بتلك الاتفاقية التي وفرت له مخرجاً حقيقياً بعد تدهور الأوضاع الاقتصادية، وقدم أمبيكي مقترحات عديدة لتجاوز الأزمة، وشدد على ضرورة رعاية الدولتين للاتفاقية وعدم خذلان الأفارقة، وقال إن اتفاق التعاون ملكٌ وفخرٌ لإفريقيا. وأشار أمبيكي إلى أنه سيستشير مجلس السلم والأمن الإفريقي ومجلس الأمن الدولي بشأن التصعيد الأخير بين الخرطوموجوبا، وأوضح الخبير السياسي حسن بيومي في حديثه ل «الإنتباهة» أن تصريحات رئيس الجمهورية بشأن وقف تنفيذ الاتفاق كان بمثابة مفأجاة وصدمة لكل الأطراف لكبر حجم الاتفاق والقبول الذي وجده في القارة، لذلك يعد التحرك الدبلوماسي من الضروريات الآن لتوضيح الأسباب التي قادت إلى ذلك التصريح واختيار التوقيت، وهو وضع طبيعي ولا بد منه لشرح القرار، خاصة بعد قول الرئيس إنه قرار مدروس ولمكانة السودان وسط الدول الإفريقية، مؤكداً أن عدم التحرك قد يفسر بطرق خاطئة، مبيناً أن إعلان الرئيس سلفا كير التمسك بالاتفاق ومواصلة الجنوب في ضخ النفط يأتي نسبة لعدم وجود خيار آخر أمامهم، وقال بيومي إن الرئيس سلفا كير في مأزق حقيقي بتورطه مع الحركة الشعبية قطاع الشمال التي تقف إسرائيل وراءها بالدعم اللوجستي، مشيراً إلى أن ياسر عرمان والحلو وغيرهما يقفون وراء عرقلة كل الاتفاقيات، ويسعون إلى إسقاط النظام عبر الجنوب الذي كان له دور محوري وتاريخي في إسقاط عدد من الانظمة على مر التاريخ، وهو أمر ليس سهلاً، مؤكداً ضرورة فك الارتباط لتبصير الجنوب بخطورة المأزق الذي وقع فيه مع الحركة الشعبية قطاع الشمال.