لا بد أولاً أن أشكر الأستاذ »جمال علي« الكاتب الصحفي صاحب عمود »جنة الشوك« بصحيفة »اليوم التالي« المقروءة والذي اقتبست منه فكرة »الشرط الجزائي والتسخين« وكان عنوان عموده أمس »ثورة أبو عيسى أوفرتايم للشرطة«.. والأخ جمال يرى ضرورة مطالبة ناس أبو عيسى أصالة عن أنفسهم ونيابة عن الجبهة الثورية والحركة الشعبية وكل المشاركين في برنامج »المائة يوم« بتاع تسخين الخرطوم وإسقاط الحكومة، بأن يدفعوا تكاليف »الأوفرتايم« والاستعداد لقوات الشرطة والاحتياطي المركزي ولمدة المائة يوم التي بدأت قبل أسبوعين. ويرى جمال أن الحكومة تكون قد استعدت و»تكبّدت« مصروفات لإعلان استعداد الشرطة بينما أن ناس أبو عيسى لم يحضر منهم أحد. وبهذه المناسبة تحضرني طرفة وجدتها في دفاتر جدنا العمدة عبد الماجد أبو علي عمدة التميراب بولاية نهر النيل، حيث اشتكى أحد سكان العمودية الممتدة من منطقة أم الطيور والحسبلاب شمالاً إلى منطقة الزيداب جنوباً بالناحية الغربية لنهر النيل وتضم عدة »مشيخات«. والرجل اشتكى إلى المحكمة القروية قائلاً إنه كان قد دعا مجموعة من الناس لمشاركته في زواج ابنه ولم يتمكنوا من الحضور في يوم الدعوة ولكنهم وعدوه بتلبية دعوته في يوم آخر حددوه بأنفسهم... وكانت عادة الناس في هذه المناسبات أن يعين بعضهم بعضاً بدفع مبالغ مالية في ما يعرف »بالكشف« أو »القدح« أو »الماعون« ويكاد أن يكون الدفع فرضاً واجب السداد، بحيث أن من دعوته يدفع لك مبلغاً يساوي أو يزيد عما دفعته له في مناسبة سابقة تخصه.. ويبدو أن الشاكي قد أورد في حيثياته أنه قد استعد لاستقبال هؤلاء المدعوين و»ذبح« لهم خروفاً إضافة إلى الملحقات الأخرى ولكنهم لم يلبوا الدعوة مما كبده خسائر »فادحة«... ونظرت المحكمة القروية برئاسة جدنا عبد الماجد أبو علي في الدعوى وعضوية مشايخ القرى ومن بينهم الشيخ عبد الله عطا المنان شيخ أبو سليم والشيخ القرشي أحمد وآخرون.. واتخذت قراراً في جلستها الدورية في يوليو من عام 1928 يقضي بأن يدفع المدعوون قيمة الخروف البالغ قدرها تسعة ريالات مجيدي - وكانت تلك هي العملة السائدة زائداً قيمة »القدح« الذي كان قد دفعه الشاكي في مناسبة »طهور« أولاد أحد المشكوين وقدرها واحد جنيه »ماري تريزا« وهي عملة سائدة أيضاً في ذلك العهد الاستعماري... وبالطبع كان قرار المحكمة نهائياً وغير قابل للاستئناف. والآن قالت المعارضة المتعاونة مع الجبهة الثورية إنها بصدد »تسخين« الخرطوم خلال مائة يوم مضت منها خمسة عشر يوماً و»توعدت« بأنها سوف »تفعل الفعايل« في عمليات التسخين حتى تسقط الحكومة خلال مائة يوم... وبالطبع فإن الحكومة بالمقابل سوف تقوم بالتجهيز لكل ما يلزم لعمليات »التبريد« الحكومي مقابل »التسخين« الثوري، وهذا يعني إعلان الاستعداد في الجيش والبوليس والنظام العام والاحتياطي المركزي والأمن القومي والدفاع الشعبي وربما جهات تانية لا أعرفها ولا تعلمونها الله يعلمها... وكل هذه الفعاليات سوف تحتاج إلى تكاليف مادية ومعنوية... هذا إضافة إلى جهود يقوم بها الوزراء ونواب الرئيس ومساعدوه ومستشاروه لاحتواء فعاليات »التسخين« ولمدة مائة يوم متتالية... وتكون هناك مشكلة إذا استعدت كل هذه الجهات وجهزت نفسها ودفعت تكاليف إحباط عملية »تسخين الخرطوم« ولم يحضر ناس المعارضة ولم تحضر الجبهة الثورية ولم تحضر الأحزاب »الما وطنية«... ولهذا فلا بد أن الحكومة وربما المؤتمر الوطني يكون من حقهم أن يطالبوا بإنفاذ شرط جزائي يقضي بأن تدفع المعارضة كل التكاليف المترتبة على الأتعاب المستحقة... ولن يكتفي ناس المؤتمر الوطني ولا ناس الحكومة بورقة صغيرة مكتوب عليها حضرنا ولم نجدكم، ولن يكتفوا بمثل الكتابة التي رسمها المرحوم الزعيم نقد »بالفحمة« على الكرتونة عندما حضر إلى ميدان أبو جنزير للمشاركة في المظاهرة المزعومة التي دعت لها المعارضة ولم »يجي أي زول« مما اضطر المرحوم نقد إلى أن يكتب لهم بالفحمة حضرنا ولم نجدكم... فهذه المرة لا بد أن تدفع المعارضة تكاليف الاستعداد والتجهيز ولمدة مائة يوم والمقدرة بمائة مليار بالقديم... وعلى السادة الأمريكان والإسرائيليين وحكومة الجنوب أن يساهموا مع الجماعة ديل في دفع »البتاعة دي« لأن أولئك هم الذين دفعوا هؤلاء... وسيكون من حق الحكومة أن تشتكيهم مثلما فعل عمنا بتاع عمودية التميراب في عهد العمدة عبد الماجد في عام ألف وتسعمائة ثمانية وعشرين من القرن الماضي.