وفي سياق مجاهدات الشيخ ساتي في مجال تصفية التصور الإسلامي، وضبطه، ومجابدة المهرطقين، والمبتدعين، المارقين، جاءت حملته على المدعو نوبل ودرو علي. وهو دجال ادعى النبوة، ووصفه الشيخ ساتي بأنه متهوِّس عمل كل جهده في مسبة الإسلام، وتشويه رسالة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم. ولم يتهمه الشيخ بتلك التهمة زورًا، لأن المدعو نوبل ودرو ادعى النبوة فعلاً. ولا أدل على ذلك من أن أنصاره ما يزالون يدعونه نبيًا حتى اليوم، وتشهد بذلك صفحات موقعهم الإلكتروني، الحافل بنزغات الزيغ، وضروب الترهات، وفنون الضلال. اطلع الشيخ ساتي على الكتاب الذي ألفه المدعو نوبل ودرو بعنوان «ترجمة القرآن»، ولاحظ ما فيه من الإضافات والبدع المهرطقة، فنصحه بالعدول عنها، والإقلاع عن ادعاء النبوة، فتكبر، وعاند، ورفض. فاشتكاه إلى السلطات الأمريكية، التي طلبت منه أن يُحضر فتوى رسمية تؤكد أن المدعو نوبل ودرو يتعمد تشويه رسالة الإسلام، فهرع الشيخ ساتي إلى الأزهر الشريف يستعين به، على قضاء تلك الحاجة، ولكنه ما باء منه إلا بكيد وخذلان مبين. ولكنه حصل على فتوى غير رسمية تقول بكفر ما يقول به المدعو ودرو، وذيلت الفتوى بتوقيعات الشيخ عبد الرافع نصر الدجوي، والشيخ يوسف شلبي، والشيخ محمد نور السوداني، والشيخ محمد محيي الدين، والشيخ أحمد عليش، وطائفة كبيرة من علماء الأزهر، وسوريا، وشرق الأردن، وأفغانستان، وجاوة، وعلماء الحرمين الشريفين، وبعض رجال الطرق الصوفية. كما حصل على فتوى مشابهة من الشيخ أبي القاسم أحمد هاشم، شيخ علماء السودان. وقد حمل الشيخ ساتي أيضًا حملة قوية على طائفة القاديانية المرتدة التي تدّعي تمثيل الإسلام في أمريكا، وتتبع رسولاً زائفًا هو الميرزا غلام القادياني. وكان لبعض علماء الإسلام في مصر مكاتبات مع تلك الطائفة، استثمرها دعاة القاديانية كوثائق تفيد بأنهم من ضمن ملة الإسلام، فعمل الشيخ ساتي على إفهام أولئك العلماء بكفر القاديانيين، وخروجهم عن الدين، وكذا خروج البهائيين عن الدين. وحدة تفكير عالمية ومع انشغال الشيخ بالعمل الدعوي، وملاحقة أعداء الإسلام من المنصرين، والمستشرقين، وأدعياء النبوة، في أوساط المسلمين الأمريكيين، فإن ذلك لم يكن الشغل الذي يمكن أن يستغرقه، ويشغله، ويذهله عن شؤون وطنه الإسلامي الكبير. بل ظل الشيخ متعلقًا بالهم الإسلامي الأكبر، الذي شغل جميع قادة العمل الإسلامي التحرري، من لدن جمال الدين الأفغاني، والإمام محمد أحمد المهدي، إلى عهد الإمامين حسن البنا، وأبي الأعلى المودودي، ومن تبعهم ويتبعهم بإحسان إلى يوم الدين. فعندما وصل الشيخ ساتي إلى أمريكا كانت دولة الخلافة الإسلامية بتركيا تعاني حصارًا محكمًا، من قبل الدول الغربية الباغية. وكانت حركة «التحديثات» التي أعلنت لاستكمال النقص في إمكانات الأمة التركية، تواجه صعوبات جمة، أشدها شح المصادر المالية، التي حالت عن استيراد التكنولوجيا الغربية المناسبة. ولذا أسهم الشيخ ساتي في تلافي هذا القصور، بإنشائه مع مجموعة من المسلمين جمعية لتقوية دولة الخلافة في عام 1908م، وجمع من عدد من العرب والمسلمين ونصارى الشام، تبرعات مالية لصالح إكمال صنع المدرعة العسكرية «رشاد»، التي كانت تركيا تبنيها في إنجلترا، ثم استولت عليها الحكومة البريطانية، قبيل إعلان الحرب العالمية الأولى. وفي عام 1911م تلقى الشيخ ساتي خطابًا من بعض دعاة الإسلام في ألمانيا، يحرض المسلمين في أنحاء العالم على عون الليبيين وغوثهم، عند احتلال إيطاليا لطرابلس، فنشط مع رهط من مؤازريه لتكوين جمعية إسعافية، باسم الهلال الأحمر، وعمل على نجدة الليبيين عن طريقها، ونشط كذلك لإسعاف مسلمي البلقان عند نشوب الحرب، التي فتكت بهم في عام 1912م، وأشعلت قلوب المسلمين جميعًا، وحدت بشوقي لنظم قصيدته المريرة الموجعة: يا أختَ أندلسٍ عليك سلامُ هوتِ الخلافةُ عنك والإسلام نزلَ الهلالُ عن السماءِ فليتها طويتْ وعَمَّ العالمينَ ظلام مقدونيا والمسلمون عشيرةٌ كيف الخُؤولةُ فيكِ والأعمام أترينهم هانوا وكان بعزِّهم وعلوِّهم يتخايلُ الإسلام واليومَ يهتفُ بالصليبِ عصائبٌ هم للإلهِ وروحه ظُلاَّم خلطوا صليبك والخناجرَ والمُدي كلٌ أداةٌ للأذى وحمام أوما تراهم ذبَّحوا جيرانّهم بين البيوتِ كأنهم أغنامُ كم مُرضَعٍ في حِجْر نعمته غدا وله على حَدِّ السيوف فِطَام وصَبيَّة ُهُتكت خميلة ظهرها وتناثرت عن نَوْرِها الأكمام وأخي ثمانينَ استُبيح وقارُه لم يُغنِ عنه الضعفُ والأعوام صبراً «أَدَرْنَة» كلُّ ملكٍ زائلٌ يوماً ويبقي المالكُ العلام خَفَتَ الأذانُ فما عليك مُوحِّدٌ يسعى ولا الجُمَعُ الحِسان تقام وخَبَتْ مساجدُ كنَّ نوراً لامعاً تمشي إليه الأُسْدُ والآرام يدرجن في حرم الصلاة قواتناً