أمجد فريد الطيب يكتب: حكومة "تأسيس" الموازية في السودان… صناعة الوهم السياسي وشرعنة العنف    عثمان ميرغني يكتب: «زوبعة» الحكومة الموازية في السودان    مصانع أدوية تبدأ العمل في الخرطوم    ترامب يعلق على عزم كندا الاعتراف بدولة فلسطين    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    دبابيس ودالشريف    الدولي إسحاق آدم يشكر أكاديمية المشعل ونادي الشباب    السودان..حكم بإعدام مسؤول بحزب شهير    الجزولي (شخط) فيني.. وكرشوم (غشاني)..!!    شاهد بالفيديو.. "خريج" سوداني يختار النشيد الوطني كأغنية رسمية في حفل تخرجه..يهدي والدته "مصحف" ويوشح والده "المساعد" بالجيش بعلم السودان والجمهور يشيد: (لا رقيص ولا فارغة خريج محترم لانو طلع من أسرة محترمة)    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    حكومة الأمل: ما هي مهامها الاستراتيجية الكبرى    إلغاء إجتماعات الرباعية بشأن الحرب في السودان تقف وراءه أجندة أمريكية بعضها ظاهر    تعرّف على موعد ومكان إجراء قرعة كأس العالم 2026    رئيس الوزراء يدعو الاتحاد الإفريقي للتعامل مع رفع تعليق عضوية السودان كحق مكتسب وبحيادية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    بعد ضغوط متزايدة.. استقالة جماعية لمجلس إدارة نادي المريخ    إتحاد الكرة يرحب بوزير الشباب والرياضة بروفيسور أحمد آدم    بنك أمدرمان الوطني .. استئناف العمل في 80% من الفروع بالخرطوم    تحذر: جسم غامض يتجه نحو الأرض قد يكون مصدره كائنات فضائية    بنك أمدرمان الوطني .. استئناف العمل في 80% من الفروع بالخرطوم    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    اتحاد الكرة يفرض عقوبات جديدة على نادي المريخ    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    يتضورون جوعا.. ترامب يرد على نتنياهو بشأن "مجاعة غزة"    لجنة الانضباط باتحاد كرة القدم السوداني تصدم المريخ الخرطوم    غوتيريش يحذر من "سلاح الجوع"    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    شاهد بالصور.. الممثلة المصرية الشهيرة رندا البحيري تهنئ فريق الزمالة أم روابة السوداني بتدوينة جميلة لهذا السبب (!!!)    «ملكة القطن» للمخرجة السودانية سوزانا ميرغني يشارك في مهرجان فينيسيا    وزارة المالية توقع عقد خدمة إلكترونية مع بنك النيل الأزرق المشرق    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    السودان..الإعلان عن إنزال البارجة"زمزم"    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    تحرك الدولار الجمركي من 2096 الى 2400 مامؤثر شديد    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    الشمالية ونهر النيل أوضاع إنسانية مقلقة.. جرائم وقطوعات كهرباء وطرد نازحين    شرطة البحر الأحمر توضح ملابسات حادثة إطلاق نار أمام مستشفى عثمان دقنة ببورتسودان    د.ابراهيم الصديق علي يكتب: *تقييد اتصال الواتساب: قضية أمن أم اتصالات؟*    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    لجنة أمن ولاية الخرطوم تؤكد دعمها للخطة التفصيلية لضبط الوجود الأجنبي بولاية الخرطوم    المباحث الجنائية تضبط عربة بوكس تويوتا وسلاح ناري وتلقي القبض على المتهم    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    عاجل..اندلاع حريق جديد في مصر    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    ((مختار القلع يعطر أماسي الوطن بالدرر الغوالي)) – غنى للعودة وتحرير مدني وغنى لاحفاد مهيرة – الدوحة الوعد الآتي (كتب/ يعقوب حاج أدم)    تدشين حملة التطعيم ضد الكوليرا بمحلية سنار    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لمحات من مجاهدات رائد حوار الحضارات الشيخ ساتي ماجد سوار الدهب .. بقلم: د. محمد وقيع الله
نشر في سودانيل يوم 11 - 10 - 2011

يحق لنا أن نتيه على الدنيا بعظماء من أسلافنا، وعلمائنا المجاهدين الأمجاد.
وفي غرة هؤلاء وفي طليعتهم الشيخ المجاهد ساتي ماجد، الذي كرس نفسه لقضايا الدعوة، وحوار الحضارات بالحسنى.
وذلك قبل أن ينتشر هذا التعبير الأخاذ بأكثر من قرن من الزمان.
داعية على نهج أبي حامد
ولد الشيخ ساتي ماجد سوار الدهب في عام 1883م بقرية الغدَّار، من أعمال دنقلا العجوز، من أسرة عرفت بالتزام الهمِّ الدعوي، والتسابق في استننقاذ الخلائق من جاهلية القرون الخوالي، وجاهلية القرن العشرين، وجاهلية القرن الحالي.
ولا يزال يحمل لواء الدعوة من هذه الأسرة في هذا العصر أقطاب وزمر في طليعتهم الرئيس الأسبق الشيخ المشير محمد عبد الرحمن سوار الدهب، نسأل الله تعالى أن يحيطهم جميعا بالرعاية والتسديد.
حفظ الفتى ساتي ماجد القرآن الكريم بخلاوى الشيخ ود وديدي، وعندما بلغ السابعة عشر من العمر، انطلق إلى مصر، وتلقي العلم الشرعي بأزهرها الميمون، وأصاب منه ما كتب الله له، إلا أنه لم ينل درجة العالمية، ولم ينصب شيخا، أو عالما رسميا.
وهو الأمر الذي لم يكن يأبه به الشيخ، فيما يبدو، فقد كان يقول عن نفسه، فيما أثر عنه :" أنا كان قريت (بمعنى قرأت) ساتي ماجد وكان ما قريت ساتي ماجد "!.
قال ذلك لأن قلبه ظل معلقا بالدعوة ونصرة الإسلام وهداية الأنام.
وذلك مما يشير إلى أنه كان من أرباب القلوب ومن أهل الباطن الصافي، لا من عشاق الرسوم العوافي.
وأنه كان صوفيا، متجردا، عالما، مجاهدا، على نهج شيخه الإمام الأعظم، أبي حامد الغزالي، الذي هجر تدريس علوم الدين، بالمدرسة النظَّامية، ببغداد، وهاجر إلى الشام، مشتغلا بإحياء علوم الدين، بعد أن أماتها المدرسون من أهل الظاهر، كما قال، ثم سطر في تلك الحقبة كتابه مَعْلمة الزمان (إحياء علوم الدين).
ما يقال عن الإسلام
ومن مصر انطلق الشيخ ساتي إلى بريطانيا لأداء واجب دعوي، وهناك عكف على تجويد علم الآلة، كما يسميه الفقهاء، وهو علم اللغة، فأحسن الحديث باللغة الأعجمية. ثم ما عتَّم أن انطلق إلى أمريكا ليكافح دعاية قس إيطالي، ولع بالافتراء على الإسلام والمسلمين، ونشر مقالات بكبرى الصحف الأمريكية، (نيو يورك تايمز) تتحامل على الإسلام، وتصوره على أنه دين بدائي، وتصور أتباعه بشكل همجي، وتقول إنهم يأكلون البشر بأمر دينهم، وقد رسم القس الإسلام على أنه تمساح فاغر فاه ليبتلع الناس.
وردا على ذلك كتب الشيخ ساتي عدة مقالات، قدمها للنشر بالصحيفة التي نشرت هراء القس، فامتنعت عن نشرها، فرفع دعوى قضائية عليها، وطلب بأن تأمر المحكمة الصحيفة بنشر الردود على المكان ذاته، الذي نشر به هذيان القس، وإلا فلتحكم له المحكمة بغرامة مبلغها مائتي ألف دولار، فحكمت المحكمة بموجب الطلب الأول, وألزمت الصحيفة بنشر الرد.
والحملة التي تصدى الشيخ ساتي ماجد لمواجهتها وتبديدها كانت مثل الحملات التحريضية التي تثار على الإسلام اليوم، وذلك مع اختلاف شكلي طفيف.
وهو أن عَدَاة الإسلام وشانئيه من الكفرة الغربيين، ما عاد بوسعهم أن يرددوا روايات أسطورية فجة، تزعم بأن المسلمين يأكلون لحوم بني الإنسان.
إذ أصبح الغربيون يرون المسلمين بينهم رأي العين.
وفيما عدا هذا الاختلاف الشكلي، فإن مضمون الحملات الغربية على الإسلام لم يتغير كثيرا، وأما هدفها الكلي فلم يتغير في كثير ولا قليل.
دعاوى الهاشمي
وفي أمريكا التي عاش فيها الشيخ ساتي نحو ربع قرن، وشغل فيها منصب شيخ الإسلام، انطلق على نهج كبار الأئمة، وعلى نهج (فقراء) السودان العابدين، وانخرط مثلهم في خدمة الناس خدمة مباشرة.
وقد حفظت الوثائق التاريخية أمثلة كثيرة لمساعي الشيخ في هذا المدى.
منها تشميره لشراء أرض تخصص مقابر لدفن المسلمين، بولاية متشغان.
وإنشائه لعدة جمعيات خيرية مثل جمعية الإتحاد الإسلامي، والجمعية الخيرية الإسلامية بديترويت.
وتشييده لمسجد قرب مصانع فورد للسيارات.
وتدخله لدى القنصل البريطاني بالولايات المتحدة لإعادة توظيف البحارة العدنيين، ممن فقدوا وظائفهم أثناء الحرب العالمية الأولى وبُعيدها.
وقد أغرب العلامة البروفسور بدر الدين الهاشمي إذ وصف بعض هذه الواجبات بأنها (مدنية / غير دينية).
فهذا وصف غير دقيق لها، ولا ينطبق على نمط تفكير الشيخ العالم، الذي خلد في ذهنه التصور الإسلامي الشامل، ذي الدالات الثلاثة، الذي يؤكد أن هذا الإسلام دين، ودنيا، ودولة، بلا انشطار ولا اجتزاء.
ولعل هذه الأعمال الجلائل التي طفق الشيخ ماجد يؤديها لخدمة الجالية المسلمة في الولايات المتحدة، في ذلك الأوان، هي نفسها الأعمال التي يقوم بها الآن مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية المعروف اختصارا باسم (كير).
وهو المجلس الذي يمكن أن يطلق عليه نعت اللوبي الإسلامي في واشنطون، فكان الشيخ بذلك رائدا للحركة الإسلامية في شمال أمريكا.
خير خلف لخير سلف
وعلى هامش هذا نذكر أن من بعض المفارقات الحسنة، أن يكون من أعمدة هذا اللوبي القوية الفاعلة، شخص يعد خير خلف لخير سلف، وهو في الحين نفسه سَمِيٌّ للشيخ، وقد انبثق من حاضرة دنقلا كذلك، وهو فضيلة أخينا وصديقنا الإمام الناشط المجد المجتهد محمد حاج ماجد، المعروف في الأوساط الأمريكية الرسمية والشعبية باسم إمام ماجد، والذي اختارته مجلة
)Washingtonian(
في عددها الصادر في الفاتح من يناير من العام الماضي ليكون شخصية المدينة للعام الفارط.
وأذكر أني حدثت الأخ إمام ماجد عن مجاهدات سلفه الشيخ ماجد في عام 1988م فاستغرب لذلك، أشد الاستغراب، وأحالني للحديث في الموضوع مع أبيه الراحل سماحة الإمام حاج ماجد، وكَفَت على قبره شآبيب الغفران والرضوان، ولم تكن معلوماتي حينها مأخوذة إلا من كتاب الدكتور عبد الحميد محمد أحمد، ولم أكن قد وقفت على مصادر أخرى تتحدث عن مجاهداته المتنوعة.
2-3
وفي سياق مجاهدات الشيخ ساتي في مجال تصفية التصور الإسلامي، وضبطه، ومجابدة المهرطقين، والمبتدعين، المارقين، جاءت حملته على المدعو نوبل ودرو على.
وهو دجال ادعى النبوة، ووصفه الشيخ ساتي بأنه متهوِّس عمل كل جهده في مسبة الإسلام، وتشويه رسالة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
ولم يتهمه الشيخ بتلك التهمة زورا، لأن المدعو نوبل ودرو ادعى النبوة فعلا.
ولا أدل على ذلك من أن أنصاره ما يزالون يدعونه نبيا حتى اليوم، وتشهد بذلك صفحات موقعهم الإلكتروني، الحافل بنزغات الزيغ، وضروب الترهات، وفنون الضلال.
اطلع الشيخ ساتي على الكتاب الذي ألفه المدعو نوبل ودرو بعنوان (ترجمة القرآن)، ولاحظ ما فيه من الإضافات والبدع المهرطقة، فنصحه بالعدول عنها، والإقلاع عن ادعاء النبوة، فتكبر، وعاند، ورفض.
فاشتكاه إلى السلطات الأمريكية، التي طلبت منه أن يحضر فتوى رسمية تؤكد أن المدعو نوبل ودرو يتعمد تشويه رسالة الإسلام، فهرع الشيخ ساتي إلى الأزهرالشريف يستعين به، على قضاء تلك الحاجة، ولكنه ما باء منه إلا بكيد وخذلان مبين.
ولكنه حصل على فتوى غير رسمية تقول بكفر ما يقول به المدعو ودرو، وذيلت الفتوى بتوقيعات الشيخ عبد الرافع نصر الدجوي، والشيخ يوسف شلبي، والشيخ محمد نور السوداني، والشيخ محمد محي الدين، والشيخ أحمد عليش، وطائفة كبيرة من علماء الأزهر، وسوريا، وشرق الأردن، وأفغانستان، وجاوة، وعلماء الحرمين الشريفين، وبعض رجال الطرق الصوفية.
كما حصل على فتوى مشابهة من الشيخ أبي القاسم أحمد هاشم، شيخ علماء السودان.
وقد حمل الشيخ ساتي أيضا حملة قوية على طائفة القاديانية المرتدة التي تدعي تمثيل الإسلام في أمريكا، وتتبع رسولا زائفا هو الميرزا غلام القادياني.
وكان لبعض علماء الإسلام في مصر مكاتبات مع تلك الطائفة، استثمرها دعاة القاديانية كوثائق تفيد بأنهم من ضمن ملة الإسلام، فعمل الشيخ ساتي على إفهام أولئك العلماء بكفر القاديانيين، وخروجهم عن الدين، وكذا خروج البهائيين عن الدين.
وحدة تفكير عالمية
ومع انشغال الشيخ بالعمل الدعوي، وملاحقة أعداء الإسلام من المنصرين، والمستشرقين، وأدعياء النبوة، في أوساط المسلمين الأمريكيين، فإن ذلك لم يكن الشغل الذي يمكن أن يستغرقه، ويشغله، ويذهله عن شؤون وطنه الإسلامي الكبير.
بل ظل الشيخ متعلقا بالهم الإسلامي الأكبر، الذي شغل جميع قادة العمل الإسلامي التحرري، من لدن جمال الدين الأفغاني، والإمام محمد أحمد المهدي، إلى عهد الإمامين حسن الساعاتي، وأبي الأعلى المودودي، ومن تبعهم ويتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
فعندما وصل الشيخ ساتي إلى أمريكا كانت دولة الخلافة الإسلامية بتركيا تعاني حصارا محكما، من قبل الدول الغربية الباغية.
وكانت حركة (التحديثات) التي أعلنت لاستكمال النقص في إمكانات الأمة التركية، تواجه صعوبات جمة، أشدها شح المصادر المالية، التي حالت عن استيراد التكنولوجيا الغربية المناسبة.
ولذا أسهم الشيخ ساتي في تلافي هذا القصور، بإنشائه مع مجموعة من المسلمين جمعية لتقوية دولة الخلافة في عام 1908م، وجمع من عدد من العرب والمسلمين ونصارى الشام، تبرعات مالية لصالح إكمال صنع المدرعة العسكرية (رشاد)، التي كانت تركيا تبنيها في إنجلترا، ثم استولت عليها الحكومة البريطانية، قبيل إعلان الحرب العالمية الأولى.
وفي عام 1911م تلقى الشيخ ساتي خطابا من بعض دعاة الإسلام في ألمانيا، يحرض المسلمين في أنحاء العالم لعون الليبيين وغوثهم، عند احتلال إيطاليا لطرابلس، فنشط مع رهط من مؤازريه لتكوين جمعية إسعافية، باسم الهلال الأحمر، وعمل على نجدة الليبيين عن طريقها، ونشط كذلك لإسعاف مسلمي البلقان عند نشوب الحرب، التي فتكت بهم في عام 1912م، وأشعلت قلوب المسلمين جميعا، وحدت بشوقي لنظم قصيدته المريرة الموجعة:
يا أختَ أندلسٍ عليك سلامُ هوتِ الخلافةُ عنك والإسلام
نزلَ الهلالُ عن السماءِ فليتها طويتْ وعَمَّ العالمينَ ظلام
مقدونيا والمسلمون عشيرةٌ كيف الخُؤولةُ فيكِ والأعمام
أترينهم هانوا وكان بعزِّهم وعلوِّهم يتخايلُ الأسلام
واليومَ يهتفُ بالصليبِ عصائبٌ هم للالهِ وروحه ظُلاَّم
خلطوا صليبك والخناجرَ والمُدي كلٌ أداةٌ للأذي وحمام
أوما تراهم ذبَّحوا جيرانّهم بين البيوتِ كأنهم أغنامُ
كم مُرضَعٍ في حِجْر نعمته غدا وله علي حَدِّ السيوف فِطَام
وصَبيَّة ُهُتكت خميلة ظهرها وتناثرت عن نَوْرِها الأكمام
وأخي ثمانينَ استُبيح وقارُه لم يُغنِ عنه الضعفُ والأعوام
صبراً (أَدَرْنَة) كلُّ ملكٍ زائلٌ يوماً ويبقي المالكُ العلام
خَفَتَ الأذانُ فما عليك مُوحِّدٌ يسعي ولا الجُمَعُ الحِسان تقام
وخَبَتْ مساجدُ كنَّ نوراً لامعاً تمشي إليه الأُسْدُ والآرام
يدرجن في حرم الصلاة قواتناً بيضُ الإزار كأنهن حمام!
3-3
وفي مساق مسعاه لإقامة الحجة على المدعو نوبل ودرو علي، سافر الشيخ ساتي إلى القاهرة، ليعود بفتوى رسمية من الأزهر، تؤيد حججه ضد الأباطيل المفتريات على الدين، فأوهنت بيروقراطية الأزهر أمره، إذ أعلمته أنه غير مرصود في زمرة العلماء الأجلاء، ولذا لا يحق له إلى يدعو باسم الدين.
وقد راعى الشيخ ساتي كبرياء الأزهر، وطلب من إدارته أن تشرف على جمعيته التي أنشأها بأمريكا، قائلا في الخطاب الذي بعثه إلى شيخ الأزهر بتاريخ الخامس والعشرين من ذي القعدة لعام 1325ه :" وأملنا أن تكون هذه الجمعية تحت إدارة الأزهر الشريف، لأن الجامع الأزهر هو منبع العلوم الإسلامية، الذي يرد إليه كل مسلم من مشارق الأرض ومغاربها ".
إلا أن الأزهر رد عليه ردا تجلى فيه خبث الشيوخ، وردت فيه هذه الملاحظة غير الطيبة:" نفيد أن حضرته ليس له مؤهلات علمية ترشحه للبعوث الدينية التي يوفدها الأزهر إلى الخارج، إنه أفهمنا أنه نصب نفسه للدفاع عن الدين الإسلامي في أمريكا، وأنه على اتصال بالجمعيات الإسلامية ".
ثم ووجه الشيخ بتدابير كيدية منعته من الرجوع إلى أمريكا، ورفضت القنصلية الأمريكية بالقاهرة منحه تأشيرة دخول.
ويقول المؤرخ الشيخ محمد عبد الرحيم، صاحب كتاب (النداء في دفع الافتراء) في علة منع الشيخ من العودة إلى أمريكا إنها:" ربما كانت بغَمِيزَةٍ من الإنكليز، أو الأمريكان، أو القنصل الإيطالي بالقاهرة، الذي قد لا تعجبه هزيمة جيوش الفاتيكان المنتشرة في الكرة الأرضية. لأن لسياسة الاستعمار مُضْمَراتٌ، لا يعرفها إلا الراسخون في علم المكر والدهاء ". . ومنهم محمد عبد الرحيم ومالك بن نبي!
جهد دعوي متصل
ولكن سيرة الشيخ لم تنته إلى اليأس أو الاستسلام، فقد بقي مصر عشرة أعوام، قام فيها بتأليف عدد من الجمعيات الدعوية، التي مهدت للنهضة الإسلامية الحاضرة.
ولا نستبعد أن يكون الشاب حسن البنا قد التقى الرجل، أو أفاد منه وهو يلحظ مجهوداته الدعوية في القاهرة، في نهاية عشرينيات القرن العشرين، وهي ذاتها الفترة التي كان البنا يرسي فيها اللبنات الأولى لتكتله الدعوي المهيب.
وقد آب الشيخ ساتي في آخر عمره إلى السودان، حيث أسس عددا من الخلاوى والمساجد، وأسهم في إنشاء حي الدناقلة بالخرطوم بحري.
وذكر الأستاذ الطيب محمد الطيب، رحمه الله، أن الشيخ عبد الرحمن المهدي احتفى بالشيخ ساتي وأقام له:" احتفالا عظيما، دعي على شرفه جميع أبناء دنقلا، على مختلف مشاربهم، وتحدث في الحفل الإمام عبد الرحمن المهدي، ودعا كل من يستطيع إكرام هذا الرجل المجاهد ".
واستجابة لهذه الدعوة الكريمة، الصادرة من إمام الأنصار، كتبنا السطور الآنفات، نستجلي فيها بعض ملامح العبرة والاحتذاء، من هذه الشخصية الفذة، التي يجدر أن تحفل بها أمتنا، السودانية العظيمة، وتتأمل مجاهداتها ومناقبها، وتحذو حذوها. والحمد لله، فقد أصبحت أمتنا السودانية الكريمة، في عهد دولة الإنقاذ، أمة الرسالة الإسلامية، بحق وحقيق، شهد لها بذلك الصادقون العالمون ببواطن الأمور.
التحية إلى عبد الحميد
وكم نود أن نزجي من الشكر أجزله، إلى الكاتب الذي كان أول من حفل بشخصية الشيخ ساتي ماجد، وكرس لها كتابا تسجيليا ماتعا، وهو الأستاذ الدكتور عبد الحميد محمد أحمد، وقد أصبح كتابه هذا، الذي صدرت له طبعتان بالخرطوم، مصدرا ومرجعا أصليا، يعتمد عليه كل من يطرق هذا الشأن.
وأخيرا أصدرت دار نشر جامعة كورنيل الأمريكية لمفكرة سودانية، هي البروفسور رقية مصطفي أبو شرف كتابا جديدا في الموضوع، اعتمد على مصادر ومراجع متعددة، أهمها كتاب الأساذ عبد الحميد. وقد اتخذ الكتاب الجديد عنوان:
Wanderings - Sudanese Migrants and Exiles in North America
وهو كتاب لم نطلع عليه بعد، ولكن اطلعنا على عرض ممتاز له، من قلم البروفسور
بدر الدين حامد الهاشمى، حفظه الله.
وقد أخبري قبل فترة الجنرال حسن فضل المولى، أيده الله، أن بعض أبنائه، من مذيعي محطة تلفاز النيل الأزرق، ركبوا ثبج الجو، ووصلوا أمريكا، على خطى آثار شيخ الإسلام ساتي ماجد، وأشرعوا كاميراتهم في اثنتين من حواضر أمريكا الكبرى: نيو يورك وديترويت، مبتغين تكوين فيلم تسجيلي مطول عنه.
فعسى أن يكونا قد حصلوا علة مادة جديدة جيدة عنه، وعسى أن يعملوا عن طريق البرامج التلفازية على إشاعة الوعي بآثار هذا الشيخ الداعية، ذي السبق في نشاطات الدعوة الإسلامية في أمريكا، والرائد في ابتدار حوار الحضارات.
دعاوى الكرنكى
ثم اطلعت على نقد موجه إلى كتيبي (أربعة مؤثرات سودانية على فكر مالكولم إكس)، الصادر عن هئية الأعمال الفكرية بالخرطوم، وجهه إليه فضيلة الأستاذ عبد المحمود نور الدائم الكرنكي، حفظه الله، ونشرته بعض الصحف والدوريات، زعم فيه أني أخطأت إذ نسبت إلى الشيخ ساتي ماجد تأثيرا غير مباشر على دعوة سيدنا مالكولم إكس، رضي الله تعالى عنه.
ولم يأت الشيخ الكرنكي بما يؤيد به دعواه، ولم ينهض لدحض الحجة البينة التي جئت بها في بحثي، وهي الرسالة التي وجهها إليجيا محمد (أستاذ مالكولم إكس وراعيه الروحي الأول) إلى الشيخ ساتي ماجد، بتاريخ السابع عشر من ديسمبر لعام 1928م، يقر فيها بتتلمذه عليه، وهذا نصها:
" الوالد المحترم ساتي ماجد شيخ الإسلام في أمريكا سيدي: من خلال هذه السطور العجلى نكتب نحن أبناؤك في ظل العقيدة الإسلامية والتي ازدادت أعدادنا دخولا في دين الله. بل وما زال عددنا يتضخم بفضل الله. تجد رفق هذه الرسالة اثنتي عشرة رسالة كان من المفروض أن ترسل لك قبل هذا التاريخ من أبنائك في هذه البلاد. وإن أنسى فلن انس أن أشكر لك كل كلماتك الحكيمة والمفيدة التي استفدنا منها وستظل زادنا في المستقبل. نأمل لقياك قريبا ".
مخلصك: إليجا محمد
هذا وربما لم يتح للشيخ الكرنكي أن يقرأ بحثي جيدا قبل أن ينتقده، لأني قررت فيه بوضوح، لا لبس فيه، أن أثر الشيخ ساتي كان غير مباشر على مالكولم إكس.
وأضيف الآن أن أثره الإيجابي، غير المباشر، لم يقتصر على مالكولم إكس، وإنما تعداه إلى الكثيرين، حيث اتصل بعموم عناصر ونشاطات الحركة الإسلامية الأمريكية، كما رأينا في ثنايا هذا البيان.
mohamed ahmed [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.