حالة من الاحتقان تسود الأجواء بين دولتي السودان وجنوبه لا سيما بعد لغة الحرب التي تصاعدت أخيراً خاصة بعد الاعتداء الأخير من متمردي الجبهة الثورية التي تضم الحركة الشعبية قطاع الشمال، بالاعتداء على منشآت البترول بهجليج، ومن ثم قامت بقصف كادوقلي وأخيراً في خطوة مفاجئة استهجنها الجميع، الهجوم على أبو كرشولا وأم روابة، وتفجير أنبوب النفط بأبو عجاج، مما حدا برئيس الجمهورية قفل أنبوب نفط الجنوب إيذاناً بإلغاء كل الاتفاقيات المبرمة بين الدولتين في سبتمبر من العام الماضي. وقد ظلت حكومة الخرطوم ملتزمة بالاتفاقيات الموقعة مع جوبا، إلا أن الأخيرة قامت على إثر تداعيات قفل أنبوب النفط بدعم حركة العدل والمساواة لتفجير خط أنبوب عجاجة الخط الناقل بين دفرة وهجليج والذي كان الهدف منه تدمير أنابيب النفط الشمالي بالكامل وعدم استفادة كلا الدولتين منه كما يراه مراقبون «عليَّ وعلى أعدائي»، من خلال مجريات الساحة والتوتر الحاد بين الطرفين باتت مؤشرات العلاقة بين الخرطوموجوبا تقترب من مربع الحرب خاصة بعد انقضاء مدة ال «60» يوماً المحددة لانسياب النفط الجنوبي، ويبدو أن السودان سيظل على موقفه بإلغاء كل الاتفاقيات، بالرغم من الجهود المبذولة من قبل الوساطات الدولية والإقليمية والضغوط الخارجية على الجانبين، ووفقاً لمراقبين أن الزيارة المرتقبة لنائب الرئيس الجنوبي رياك مشار للخرطوم لربما يحمل في جعبته رسالة من سلفا كير إلى الرئيس البشير لرأب صدع الدولتين والمضي قدماً في تنفيذ الاتفاقيات سيما في ظل الأزمة الاقتصادية الرهيبة التي يمر بها المواطن الجنوبي، مع حالة التوتر والاحتقان ورحلة البحث عن مخرج من المأزق الماثل... لكن رغم مؤشرات التهدئة أعلنت السلطات بمحلية «البرام» بولاية جنوب كردفان عن وجود حشود عسكرية للجيش الشعبي في منطقة «فاما» على بعد «3» كيلو مترات من رئاسة المحلية، وقال صلاح داوداري كافي معتمد المحلية في تصريح للمركز السوداني للخدمات الصحفية يوم السبت، إن مجموعات كبيرة من القوات تقدر بسرية كاملة من الجيش الشعبي قدمت من منطقة بحيرة الأبيض قبل ستة أيام وتجمعت بالمنطقة في انتظار التعليمات من الجيش الشعبي وقيادات قطاع الشمال بالحركة الشعبية، وأوضح المعتمد أن الدعم اللوجستي والمؤن الغذائية للقوات تأتي مباشرة من داخل دولة الجنوب عبر القادة الميدانيين، مؤكداً أن الجيش الشعبي لم يفك ارتباطه مع الفرقتين التاسعة والعاشرة التابعتين للحركة الشعبية قطاع الشمال. وأضاف أن مواطني المحلية يعيشون أوضاعاً مأساوية خاصة في الغذاء بعد تقاسم القوات الموجودة للمؤن التي تصلهم بجانب احتجازهم من قبل الجيش الشعبي. الخبير العسكري اللواء فضل الله برمة ناصر قال لا بد للدولة من وضع خطط بديلة لكل موقف، وأن الحرب يمكن التنبؤ ببدايتها بالرغم من الخروقات التي ظلت تمارسها جوبا وعدم الالتزام بالمواثيق، ولكل بداية نهاية وإلى متى تستمر حالة اللاحرب واللا سلم بين الدولتين حتى بعد الانفصال؟ ومن المستفيد؟ لافتاً إلى أن ما تفعله جوبا يمثل مناورة لكسب الوقت وخطيرة جداً في الوقت نفسه. وأشار ناصر ل «الإنتباهة» إلى أن المواجهات مهما بلغت حدتها بين الطرفين لربما لا تصل لمرحلة المواجهة الكاملة، ولفت إلى أنه وفي حال حدوث مواجهة فستكون محدودة. ويرى ناصر أن ما يجري حالياً محاولة للضغط على الخرطوم لتقديم تنازلات للعودة إلى طاولة التفاوض مجدداً، ويضيف أن فرص الحرب تبدو ليست بعيدة، ولكن في المقابل يجب أن نستعد ونتحسب لها، وهذا الاستعداد يتم على كل المستويات السياسية والعسكرية والاقتصادية. واحد من سيناريوهات اللا حرب واللا سلم هو دعم دولة الجنوب للمجموعات المتمردة، وهذا السيناريو بحسب بعض المراقبين السياسيين هو الأقرب من سيناريو الحرب الشاملة، خاصة أن الطرفين سبق لهما أن تبادلا الاتهامات حول هذا الشأن. فقد اتهمت الخرطوم علانيةً جوبا بدعم متمردى الجبهة الثورية التي هاجمت أبو كرشولا وتوفير الدعم المادي والعسكري، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحدّ، بل ذهب السودان إلى إحاطة المجتمع الدولي ومنظمات المجتمع والوسيط المشترك ثامبو أمبيكي بملف التجاوزات وخروقات جوبا والمطالبة بإدانتها. ويرى مراقبون أن وجود قادة حركات دارفور المتمردة ودعم جوبا لها يمثِّل نوعاً من المساومة بين الجنوب والسودان لا سيما أن الطرفين يريدان رفع سقف التفاوض بينهما حول القضايا المتفق عليها، وهذا يمثِّل نوعاً من الضغط ليكسب كل طرف أكبر عدد من التنازلات من الطرف الآخر. وفي ظل نيران الاتهامات المتبادلة وحالة الكرّ والفرّ، من الواضح أن سيناريو الحرب قد يكون الأقرب وعلى عدة محاور خاصة إذا تم الهجوم بالفعل على منطقة البرام بجنوب كردفان مجدداً الذي يتوقع أن يكون المواطنون ضحايا لأي نزاع قادم، هذا فضلاً عن مواطني المناطق الملتهبة أصلاً. وهنا تُثار مخاوف من أن تتحوَّل تلك المناوشات والحروب إلى مواجهات مباشرة بين القوات المسلحة والجيش الشعبي على المدى الطويل، وحينها ستكون المواجهة أفظع مما حدث طوال العقدين الماضيين من عمر الحرب، ما قد يقود إلى كارثة في مناطق لم يتعاف سكانها بعدُ.