حركة طالبان الأفغانستانية الإسلامية أشهر حركات التحرر في العالم الإسلامي في العصر الحديث، التي ملأت الدنيا بأخبارها وشغلت الناس، وبرزت قوة عظيمة في أطر تنظيمية محكمة استطاعت أن تجمع بين الدعوة إلى الله والعمل السياسي، وقد سجلت نموذجاً يُحتذى في هذا الجانب، وكاد هذا النموذج أن يأتي أكله حتى خارج أفغانستان لولا انقلاب القوى الشريرة في العالم على الحركة واتهامها بدعاوى الإرهاب، وانتهاك حقوق المرأة وغيرها، وهي في الواقع دعاوى زائفة تستخدمها دائماً الآلة الإعلامية الغربية الكافرة كسلاح ماضٍ في وجه حركات التحرر والانعتاق والصحوات الحضارية والثقافية في العالم الإسلامي. حركة طالبان التي جاء معظم أنصارها الأطهار من صلب المعاهد الدينية في أفغانستان هم من المدرسة الدوبندية التي تعتمد المذهب الحنفي وهم يعدون الأصوليين في هذه المدرسة وهم من صفوة شباب هذه الأمة المباركة التي أكد نبيها عليه الصلاة والسلام في أحاديث كثيرة أن الله يبعث لهذه الأمة الخيار على رأس كل مئة سنة من يجدد لها دينها من المصلحين والعلماء الربانيين والفقهاء من أهل الحكمة والبصيرة والورع والتقوى والصدق لحمل مشاعل هذا الدين العزيز إلى العالم الخارجي، وهذه أبرز واجبات الدعاة والعلماء في الإسلام، لبناء مجتمع الفضيلة والشهود الذي تسوده مبادئ الإسلام وإخراج الأمة القائدة من الداخل. حركة طالبان وغيرها من حركات الدعوة والجهاد في أفغانستان أبلوا بلاء حسناً منذ أيام الاحتلال السوفيتي للديار الإسلامية في تلك النواحي حتى هزيمة العدو المحتل البغيض واخراجه منكسراً تحت حوافر خيل الله وتكبيرات المجاهدين التي زعزعت عروشه المتوهمة، ثم واصلت هذه الحركات الجهادية جهادها ودعوتها في وجه العدو المحتل الجديد «الأمريكان» واستطاعت بحنكة سياسية وفكرية نادرة إنشاء تحالفات مع قوى أخرى فعّالة وقد نجحت هذه التحالفات لأنها قامت على قاعدة صلبة عواملها قوة الإيمان والصدق تجاوزت حطام الدنيا الزائل إلى الهدف الأسمي وهو نيل رضوان الله وإعزاز جانب الدين ونصرة المستضعفين في الأرض من قِبل قوى البغي والشر. حركة طالبان استطاعت ببرنامجها الذي مثل الأمل والأشواق لكثر من شباب هذه الأمة في عصر الهوان والهزائم النفسيَّة والماديَّة التي لحقت بالأمة أن تجندهم في خدمة مشروعها الوقائي والجهادي والتحريري، وقد نال خطابها الدعوي والسياسي الرضى مما جعل كثيراً من الشباب والشيوخ يتوجهون إلى أفغانستان من نواحٍ كثيرة في العالم الإسلامي والعربي حيث سافر إلى أرض الجهاد شامات هذه الأمة وصفوة شبابها وعباقرة أبنائها وائتلفوا هناك في مشاهد ذكّرت الأمة بالرعيل الأول من صناع تاريخ هذه الأمة المجيدة، وهو الأمر الذي قطّع نياط قلوب الأعداء وأقلق مضاجعم وأنى لهم أن يناموا والإسلام جذوة من القوة والتمرد الدائم على المنكر أينما وُجد؟ وقوة إيمان تحرك الطاقات الكامنة، وتصنع الطاقات كلما خبت هذه الجذوة قيض الله لها شباباً ودعاة، فهي تضعف ولكنها لن تنطفئ حتى يقتل مجاهدو هذه الأمة يهود ويدكوا حصون الكفر والشرك والصليب في كل مكان من هذا العالم المترامي ويعيد الإسلام سيرته، وهو وعد الله إن الله لا يخلف موعده. حركة طالبان التي حكمت أفغانستان بين عامي1996 2001م قدمت تجربة ناجحة ومثالاً قدوة في هزيمة الباطل وكسر شوكة الطاغوت وكشف هوان قوته المتوهَّمة، وهو أمر يستدعي الدراسة والقراءة للإفادة منه في بناء نماذج تقود الأمة إلى مستقبل زاهر عامر. قيادة قطر الحكيمة التي ما فتئت تقدم لنا كل يوم درساً مهماً في كيفية بناء الإرادات والتغلب على المعضلات وقهر ما يظنه الآخرون العاجزون ضرباً من ضروب المستحيل العويص ظلت قطر الدولة الصغيرة في مساحتها وعدد سكانها كبيرة في تفكيرها، عظيمة في حكمتها، فريدة في تدبيرها، عزيزة في قرارها.. نحن في السودان وكما كتبتُ مرات عديدات شعباً وحكومة نكن لها تقديراً واحتراماً ووفاءً وفيراً لدورها المرضي الرائد لبناء السلام في بلادنا فهي أعظم من شقيقة. لقد ظلت قيادة قطر الحكيمة حفظها الله مهمومة بالسلام العالمي وليس الاقليمي والمحلي فحسب، فكم قدمت من مبادرات؟وكم سافرت قيادتها من صناع السلام في أرجاء العالم يجوبون البلدان على طولها وعرضها في إفريقيا وآسيا وأوروبا وبلاد اللاتين وغيرها، ونحن نحفظ لهم هذا الجميل، وهذه همّة الكبار.. إن التاريخ سيارة يقودها العظماء من الرجال. أول أمس 18/6/2013م القريب وضعت قطر في عاصمتها «دوحة العُرب» لبنة جديدة في بناء السلام العالمي كإنجاز جديد يضاف إلى تاريخها المرصع باللآلئ الحسان والمؤسل بالمجد حين فتحت ودشنت مكتباً جديداً لحركة طالبان، كُتب على باب هذا المكتب «إمارة أفغانستان الإسلامية» ليمثل المكتب السياسي لحركة طالبان في الدوحة وتلك مواقف لا يبتدر سبيلها إلاّ قطر العزيزة. المتحدث باسم المكتب السياسي لحركة طالبان بقطر الشيخ محمد نعيم قال إن الهدف من فتح هذا المكتب هو إجراء مفاوضات مع أمريكا وغيرها لإنهاء الاحتلال والتواصل مع دول العالم، وفي إجابة عن سؤال وجَّهته إليه مذيعة قناة الجزيرة خديجة بن قنة قالت: إنكم رضيتم بشروط محددة من أجل التفاوض مع أمريكا ومنها فك الارتباط بالقاعدة واحترام حقوق المرأة والدستور الأفغاني؟ أجاب الشيخ محمد نعيم إجابة الدبلوماسي الحصيف والسياسي الظريف والعالم الرباني الحكيم، قال: سنفاوض عن قضية الأسرى في غوانتانامو ولن نقبل بالدستور لأنه جاء تحت ظلال الاحتلال، وقال: إذا نحن لم نحترم المرأة فمن يحترمها؟ في إشارة إلى عدل الإسلام ونهجه القويم في رعاية المرأة، وأكد أن المفاوضات هذه من أجل احترام حقوق الإنسان وإنهاء الاحتلال. وأكد أيضاً أن الحديث عن انتهاك حقوق المرأة قضية يروج لها الأمريكان. من جانبه أكد الدكتور محمد المسفر، أستاذ العلوم السياسة بجامعة قطر من خلال مقابلة في قناة الجزيرة أن الهدف من هذا المكتب هو عملية الاتصال والتواصل مع المجتمع الدولي، وأن حركة طالبان فضلت قطر لثقتها في حياد قطر، وقال: قطر سوف تلعب دور الوسيط، وقد أفلحت في إقناع أمريكا بذلك لتحقيق احترام حقوق الإنسان وبناء نظام ديمقراطي وإنهاء الاحتلال، وفي ذلك اتفق مع الناطق الرسمي باسم المكتب السياسي لحركة طالبان في قطر الشيخ محمد نعيم. وبهذا نؤكد أهمية النقلة السياسية لحركة طالبان في قطر والذي يُطمئن أن ر جال الحركة يُدركون تماماً منهج التفاوض وأصوله وأولوياته والأهداف الإستراتيجية منه فهم ليسوا كغيرهم في هذا الباب.. وتحية إجلال وتقدير لدولة قطر حكومة وشعباً لأنها تصنع كل يوم إنجازًا جديدًا لأبناء هذه الأمة العظيمة.