تبلورت حركة (طالبان) من طلاب المدارس الدينية الذين حملوا السّلاح لإقامة دولة الشريعة.لكن (حركة طلاب المدارس الدينية) اختصرت الشريعة في (قانون العقوبات)!. كان أول انطلاق لتلك الحركة في أبريل 1992م. ثم تطوّرت الحركة بعد عام ونصف، لتبدأ سيطرتها على الحزام الحدودي أو شريط البلدات الحدودية بين أفغانستان والباكستان. وفي ذلك السياق عندما استولت على بلدة (سبين بولداك) الحدودية من أيدي قوات (حكميتار) المنهارة، غنمت (18) ألف بندقية كلاشنكوف ومدافع وسيارات وشاحنات. ثم في نوفمبر 1994م سيطرت حركة طالبان (طلاب المدارس الدينية) المسلحة على مدينة (قندهار). وسقطت المدينة دون مقاومة من الملا(نقيب) الذي كانت قواته تبلغ (2500) مقاتل كانوا يسيطرون على المدينة. وانتشرت سمعة حركة الطلاب الدينيين (طالبان) باعتبارها لا تخشى في الحقّ وتنصر الضعفاء على الأقوياء وتحارب الفساد وتصادم الغازي وتضبط الفوضى والقتل والفساد وتملأ فراغ السلطة المركزية والمحلية وترفع راية الإستقامة ومكارم الأخلاق. وذاع صيت الطلاب الدينيين القتالي برغم قلة درايتهم بالحرب. ولكنهم بسمعتهم المحترمة واسعة الإنتشار وشدّتهم في حرب الفساد انتصروا على أعداء لهم فقدوا باعثهم على القتال وماتت معنوياتهم. كان من أعداء (حركة الطلاب الدينيين) الذين خسروا المعركة وقد فقدوا باعث القتال، تلك الحركات الاسلامية المجاهدة التي أصبحت متصارعة على السلطة. وذلك من بعد جهادها العظيم وهزيمتها الغازي الشيوعي المحتلّ. عند سقوط (قندهار) غنمت حركة (طلاب المدارس الدينية المسلحّة) أي (طالبان) ست طائرات حربية من طراز ميج (21) وست طائرات هيلكوبتر وعشرات المدرعات والمصفحات وناقلات الجنود. بعد تلك الإنتصارات توافد طلبة المدارس الدينية الباكستانية (طلاب مدارس جمعية العلماء المسلمين بالباكستان). وهؤلاء باكستانيون معظمهم من كشمير، توافدوا إلى الإصطفاف مقاتلين في (حركة طلاب المدارس الدينية) أي طالبان. وبنهاية 1994م كانت قوة (طالبان)، قد بلغت (14) ألف طالب مقاتل. وبعد (3) شهور فقط من سقوط (قندهار)، وصلت طلائع حركة الطلاب الدينيين المسلحّة إلى كابول، وإلى شمال وشرق وغرب أفغانستان على حدود إيران وإلى ضواحي هراة. واستولت حركة طلاب المدارس الدينية المسلحة على (12) ولاية من جملة (30) ولاية أفغانية. وعندما حاصر طلاب المدارس الدينية (هراة) في مارس 1995م، كان عشرين ألف طالب من طلبة حزام الهجرة الأفغانية إلى الباكستان (بين بيشاور وكويتا) قد انخرطوا في صفوف الحركة، وتركوا وراءهم المدارس والمخيَّمات. كانت تتراوح أعمار معظم هؤلاء بين الرابعة عشر والثالثة والعشرين من العمر. تجربة (حركة طلاب المدارس الدينية المسلحة) أى (طالبان)، أعيد انتاجها في الصومال عندما برزت في السّاحة الصّوماليَّة تلك القواسم المشتركة بينها وبين الساحة الأفغانية. أى عندما برزت حقائق الإحتلال الأجنبيّ وانهيار الدولة والفساد وتفكك الوطنية وانبعاث القبليَّة، ودخول النفط عنصراً جديداً حيوّياً في المعادلة السياسية. حيث يُعتبر إكتشاف النفط في الصومال من أكبر عوامل زلزلته بواسطة التدخل العسكري والسياسي الخارجي واحتلال أراضيه بواسطة جيوش الدول الغربية مباشرة أو بواسطة جيوش وكلائها من الدول الحليفة في المنطقة كذلك حضور النفط في المعادلة الأفغانية. حيث كان مرور الأنبوب الناقل لنفط بحر قزوين عبر غرب أفغانستان، السبب الرئيس في زعزعتها واحتلالها وتدميرها. ومثلما سارعت واشنطن إلي محاولة احتواء حركة (طلاب المدارس الدينية المسلحة) وتوظيفها ضد الحركات الإسلامية المجاهدة التي أنجزت تحرير أفغانستان من الإحتلال بقيادة الزعماء الإسلاميين (ربَّاني - سيَّاف - حكمتيار)، كذلك سارعت واشنطن في الصومال إلى محاولة احتواء حركة (المحاكم الإسلامية) وتوظيفها ضدّ (حركة الشباب المجاهد). المواصفات والقواسم المشتركة بين الساحة الأفغانية والصومالية نتج عنها حركة (المحاكم الإسلامية) ثم انبعثت لتلحقها من بعد (حركة الشباب المجاهد). هناك أيضاً قواسم مشتركة بين السودان وأفغانستان والصومال. على خلفية الوجود العسكري الأجنبي في السودان تحت مختلف الذرائع والمسميَّات، وبداية تفكك الوطنية السودانية، وانبعاث القَبَليَّة السياسية كما في أفغانستان والصومال، وظهور النفط السوداني في المعادلة السياسية، كمافي أفغانستان والصومال، وتصاعد مظاهر (الدولة الرَّخوة)، وتقارير المراجع العام عن الفساد، وظهور مجموعات شباب سوداني إسلامي مسلّح قاتلت وتقاتل في الصومال والبوسنة وأفغانستان و مالي وسوريا وليبيا، وعلى خلفيات (حركة إنقلابية) ومعسكرات تدريب مسلّح في (الدندر) ونشاط (حركة سائحون) في حركة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار مع كل ألوان قوس قزح السياسي، على تلك الخلفيَّات يمكن الإستنتاج أن المشهد السوداني، بدون وضع قواعد جديدة للعبة السياسية في السودان، يمكن أن يتحوَّل تدريجياً إلى ساحة يصبح لاعبها الأوَّل ( حركة الطلاب الإسلاميين - طالبان) أو (المحاكم الإسلامية) أو (الشباب المجاهد) السوداني!.