تجارة السلاح، تمويل المنظمات الإرهابية، تبييض أموال تجارة السلاح والمخدرات وأخيرًا وليس آخرًا بالطبع، زعزعة الحكومات وخلخلة النظم السياسية غير المرغوب بها من قبل الدول الكبرى صاحبة الكلمة العليا على هذه المؤسسات. هذه بعض ملامح مما تقوم به الكثير من المؤسسات المالية العالمية التي تستغل مواردها اللا محدودة والتسهيلات الهائلة التي تقدّم لها، وبالتأكيد وقوف بعض القوى الدولية المؤثرة من ورائها. للقيام بهكذا أنشطة، في الخفاء أحيانًا وفي العلن في الكثير من الأحايين، وذلك دون خشية من عقاب ودون أن يجرؤ أحد أو كيان ما على انتقاد مثل هذه الأعمال. لقد ظلت مثل هذه الأنشطة المشبوهة تدر على كثير من الأطراف على مستوى العالم الكثير من الأرباح، ويشترك فيها أشخاص وجهات لا يتطرق إليهم الشك، وتدار لذلك بنجاح يكاد يكون منقطع النظير. (لويس سالنجر) ضابط في شرطة الجرائم الدولية يقرر تطبيق العدالة والتقصي في نشاط أحد أهم وأقوى المصارف على مستوى العالم.. وهو البنك الدولي للتجارة والائتمان.. ويتخذ شريكة، بالضرورة، هي (إليانور وايتمان) مساعدة المدِّعي العام لمقاطعة نيويورك. في الأثناء يقوم أحد مسؤولي البنك وفي إطار الكثير من العمليات المشابهة، بإرسال قاتل محترف من بين العديد من المأجورين الذين يعملون لحسابهم، يقوم بإرساله لتنفيذ عملية اغتيال بحق مرشح رئاسة الحكومة الإيطالية (أومبيرتو كالفيني)، ينجح المخطط وتنفذ عملية الاغتيال مسببة الكثير من التداعيات السياسية والأمنية داخل إيطاليا. وتبدأ عمليات التحري والبحث عن القاتل والتي تقود مساراتها من برلين إلى ميلانو، ويتولى سالنجر ورفيقته ملف التحقيق حيث يعثران على خيط يدلهما على القاتل الذي يشتهر بلقب المستشار. وبعد سلسلة من عمليات البحث والتقصي يعثر المحققان على القاتل وفي سيناريو جميل يدخلان معه في اتفاق (الجنتلمان) حيث يتحالفان معه في مواجهة مجموعة القتلة الذين يرسلهم مسؤول البنك الدولي من أجل التخلص منه وفي تتابع دراماتيكي مشوق تحدث مواجهة مع هؤلاء القتلة ويتم قتل المستشار ويكاد بنيان القضية يتهاوى، لولا وقوع المحققين على دليل جديد، هو (ويلهيلم ويكسلر)، أحد أعضاء مجلس إدارة البنك. وفي بناء روائي متماسك ومحكم وعبر سيناريو رشيق الخطوات، تزيده الموسيقا الإيطالية روعة وبهاء، يتفق الثلاثة، سالينجر وإيلي وويكسلر، على التعاون من أجل فضح المؤامرة وكشف المتورطين وتقديمهم للقضاء. حيث يتفق إن كانت هناك عملية كبرى لشراء سلاح لدولة عربية هي سوريا، ويجري التنسيق لها بين أحد مديري البنك التنفيذيين وبين تاجر السلاح (أحمد سوناي) الذي هو تركي الجنسية، وتنتقل المشاهد إلى إسطنبول. ومن أجل فضح نشاط مسؤولي البنك تتم محاولة التنصت على لقاء تاجر السلاح والمسؤول البنكي من قبل سالنجر وبواسطة معلومات دقيقة تلقاها من ويكسلر، تنجح المحاولة ويتم تسجيل كل شيء بعد تقاطعات درامية جميلة، وفي نهاية عملية التسسجيل والمراقبة يظهر بعض أتباع المرشح الإيطالي الذي اغتيل في روما، ويتم إرداء المدير التنفيذي للبنك من قبلهم بعد وصول معلومة إليهم تؤكد تورطه في لغتيال مرشحهم للرئاسة.. تنتهي القضية بموت المدير التنفيذي لكنها تحرك المياه من تحت أقدام بقية مسؤولي البنك المتورطين في العديد من العمليات المشبوهة والمماثلة والتي يتم فيها استغلال النفوذ والأموال الطائلة والتسهيلات العالمية لنشاط البنك كأسوأ ما يكون الاستغلال. يتوقف بعض نشاط البنك في هذا الخصوص ولكنه توقف ظاهري يحمل بداخله الكثير من الحركة. الرواية السابقة هي لأحداث الفيلم الأمريكي البريطاني والألماني (الدولي) (The International). والذي أُنتج في العام 2009 للمخرج توم تايكور. الفيلم يكاد يستند إلى أحداث حقيقية مع اختلاف طفيف في الجهة التي يجري إمداد السلاح بها بالإضافة إلى بعض التفاصيل الدقيقة الأخرى.. وإن كان المغزى من الفيلم واضحًا برغم التحامل على دول الشرق الأوسط وخاصة الدول العربية التي تُصور وكالعادة في الإعلام الأمريكي والغربي على وجه العموم على أنها أكبر مستوردي السلاح في العالم ومصدر لكل التجاوزات والانتهاكات للقانون الدولي. ما تناوله الفيلم الذي هو يستند إلى أحداث حقيقية في كثير من تفاصيله، يكاد يكون ديدن بعض أكبر المؤسسات المالية العالمية كما سبق وأن أوضحنا فالكثير من الصفقات غير القانونية التي تتم تحت بصر وسمع القانون وبآلياته، هي شيء يجري كل يوم ويتسبب في دمار كبير على مستوى العالم، بل وفي إزهاق أرواح الملايين عبر تجارة السلاح غير القانونية، إضافة إلى تجارة المخدرات وغيرها وغيرها التي للأسف لا تجد مسرحاً لها غير الدول العربية ودول العالم الثالث على وجه الخصوص.. الفيلم يقول إنه لا كبير على القانون لكنه وبنفس القدر يؤكد أن القانون به من الثغرات ما يكفي لأن يتم تجاوزه تحت سمع وبصر الرقيب.. وأن الأمر بحاجة إلى إعادة نظر في كثير من الجوانب. خاصة حرية الحركة والتسهيلات غير المحدودة التي تمنح لمثل هذه المؤسسات وبالطبع كوادرها العاملة، إضافة إلى غياب الرقابة الفعلية عليها. الفيلم أعادت بثه الكثير من المحطات الفضائية في الآونة الأخيرة وذلك على خلفية ما يجري في سوريا من أحداث وبعد ما ستؤول إليه الأمور من تسليح للمعارضة السورية وأيضًا وبذات المنطق الإمداد العسكري المتطور للنظام السوري الذي تقوم به الحكومات الغربية وظلالها في بعض المؤسسات الدولية وهو ما سبَّب استقطابًا حادًا على المستوى الإقليمي وجعل من منطقة الشرق الأوسط ربوة تقف على حافة البركان.