صلاح الدين عبد الحفيظ مالك حقًا هو أشهر بل أقدم حلاّق في السُّودان يظل بموقعه طوال خمسة وأربعين عامًا هي الفترة التي ظل ملتصقًا فيها بمهنته وقريبًا من رؤوس زبائنه. ورغمًا عن وجوده بمهنة (الزيانة) كما يقول العرب، و(الحلاقة) كما يقول أهل السُّودان، طوال هذه الفترة، إلا أنَّه لم يفكر يومًا في هجرها نحو وظيفة أخرى. في ضيافته بسوق الموردة جلسنا وعبق المكان يسيطر عليه وعلى رواد المحل التاريخي.. (17 نوفمبر) أولاً ثم (يقظة شعب) في البدء قال الأسطى إبراهيم محمد آدم إن المحل تأسس في العام (1957م) بسوق الموردة واستمر تحت اسم (17 نوفمبر) حتى أحداث أكتوبر (1964م)، فكان أن غيَّر عددٌ من رواده الاسم تحت مسمَّى (يقظة شعب). فظلَّ بالاسم حتى تلاشى الآن وأصبح اسمه محل إبراهيم الحلاق. حول عدد من رواد المحل من العابرين إليه منذ نهاية الخمسينيات حتى الآن يقول الحلاق الأشهر والأقدم من بين جميع الحلاقين في السُّودان إن معظمهم من الفنانين ولاعبي الكرة والسياسيين كذلك. أشهر رواد المحل: ومن أشهرهم الفنان عثمان الشفيع والفنان عبدالعزيز داود وعازف الكمان الأشهر في تاريخ الموسيقا السُّودانية حسن خواض. أما من المهنيين والموظفين فكان من ضمنهم الموظفون والمعلمون الأستاذ عبد الرحمن ضيف الله معلم مادة الجغرافيا الأشهر في تاريخ المدارس الثانوية، ورجل المال والأعمال المرحوم يوسف شبيكة، ومهندس الصوت بالإذاعة البشير أحمد فضل الله وغيرهم. زبائن من مختلف الأعمار من ضمن مستلزمات المحل وجود عدد من الزبائن الذين لم يتحوَّلوا منه البتة، ومنهم زبائن بدأوا الحلاقة به منذ نشأته في نهاية الخمسينيات ومنهم لاعب الكرة في عهدها الذهبي في فريق الموردة عمر التوم، وقطب نادي الموردة عبد المحمود أبو صالح، والاثنان يقوم الأسطى إبراهيم بالذهاب لهما في داريهما إكرامًا لهما. زبائن بالبيوت: وأشهرهم بعد قطبي الموردة عمر التوم وعبد المحمود أبو صالح عبد الله البكري وضابط الجيش الأسبق شمس الدين الطاهر وغيرهم.. ومعظم الزبائن الذين يذهب الأسطى إبراهيم لهم في منازلهم هم من نوعية الزبائن الذين يحرصون على عدم تسليم رؤوسهم لأحد غير الأسطى إبراهيم لأنه يعلم تمام العلم نوعية الحلاقة التي يحبذونها. أسعار الحلاقة قديمًا و حديثًا: منذ العام (1957) حتى الآن مرت الحلاقة بعدد من الرسوم التي تتغيَّر كل مرة وفقًا للأوضاع الاقتصاديَّة التي تمرُّ بها البلاد. فمن خمسة قروش للحلاقة في العام (1957م) إلى ريال (عشرة قروش) في نهاية الستينيات إلى (طرادة)، (خمسة وعشرين قرشًا)، في منتصف السبعينيات إلى جنيه في منتصف الثمانينيات حتى وصلت إلى عشرة جنيهات في العام الماضي. حلاقة بالبركة: يقول الأسطى إبراهيم إن سعر الحلاقة هو سعر معروف ومحدد في عدد من الصالونات التي تعمل في مجال الحلاقة إلا أنه لا يحدِّد مبلغًا محددًا لسببين: الأول: أنَّ معظم الزبائن من المعارف في محيط مناطق الموردة وبانت والعباسيَّة، وهم من نوعيَّة الزبائن الذين ارتبطوا بالمحل وهم يدفعون ولا يناقشون في مقابل عدم توقف الأسطى إبراهيم في سعر الحلاقة. عدم الاستعداد للحلاقة للشباب: حول صرعات موضات الحلاقة الحديثة يقول صاحب المحل إبراهيم إن الشباب لهم موضات حلاقة يعرفونها، وأنا لستُ من أنصار الحلاقة الحديثة فهي ليست ذات جدوى، زائدًا أنَّها توضِّح ثقافة أخرى غير ثقافة أهلنا السُّودانيين. ما عندنا كاتلوج: يستغرب الأسطى إبراهيم وجود كاتلوجات للحلاقة بمحلات الحلاقة التي يعمل بها شباب، ويقول إن الحلاقة هي أمر معروف حلاقة (نمرة 1) أو (نمرة 2) فقط، وهي ما يُعرف في عهدي الخمسينيات والستينيات بالحلاقتين الإنجليزية والمصرية، فالإنجليزية تكون (نمرة 1) أما المصرية فهي (نمرة 2) وما يحدث الآن بمحلات الحلاقة ما هو إلا تقليد لحلاقات لاعبي الكرة والفنانين.. وهو ما لا نرضاه لأولادنا. المحل منتدى اجتماعي: زائداً المهنة التي يقوم بها الأسطى إبراهيم (الحلاقة) فهو يمثل واسطة علاقات اجتماعية ما بين أهل بانت والموردة والعباسية والهاشماب وحي الضباط، وذلك بوجود جميع أهل هذه المناطق بالمحل، زائدًا وضع الأمانات الخاصة بأي شخص لشخص آخر بالمحل من كتب وإسبيرات عربات وأحذية الرياضة وهدايا الآخرين بالمحل.. مما جعل جميع العابرين بسوق الموردة يقفون ويجلسون لدقائق به لتلقي أخبار معارفهم منه. أخيرًا الأسطى إبراهيم له خمسون عامًا في مهنة الحلاقة مما جعله أقدم وأشهر حلاق في السُّودان.