الاستعدادات النفسية لشهر رمضان يعتبر شهر رمضان من أكثر شهور السنة قرباً وأهمية للشخصية السودانية، فقد أنتجت العقلية السودانية وعبر قرون نظاماً غذائياً وسلوكياً خاصاً بهذا الشهر، بل ارتبطت به كثير من المظاهر السلوكية المميزة لكل ما هو سوداني لدرجة الارتباط الشرطي في إطار أفعال الاستعداد لشهر رمضان، فمن منا لا يعرف الزريعة «بتشديد الراء» وطريقة صنعها، تلك العجيبة التي تجعلنا نفكر في براءة الاختراع للذي أوجدها في الحياة «تقوم كبار الأمهات بجلب الذرة وهي في ذاك الزمان أنواع منها الفتريتة والصفيرة والمايو.. ألخ، وغسلها جيداً ثم طرحها على جوالات «خيش» مترادفة فوق بعضها على كومة رمل مبلول ثم تغطيتها بجوالات أخرى أيضاً مبلولة، ومن ثم تركها لأيام حتى تنبت زرعاً برعماً لتقوم كبار الأمهات وبعناية فائقة بطرحها على بروش السعف تحت أشعة الشمس لتجف، هذه المراحل قصيرة الزمن كثيرة العمل تمر مليئة بالدعوات وشحن النفس بكرم الشهر القادم والشوق إليه، بنهاية هذه المرحلة يقوم الصبية بحمل نبات الزريعة الجاف إلى الطاحونة ليصبح دقيقاً جاهزاً ليصنع طعاماً أو شراباً «الحلو مر» لو كانت هذه العملية لغيرنا من الشعوب لاعتبرت أول زراعة محمية في العالم، تتحول الحياة إلى بيئة من الفعل والنشاط مفعمة بعبق التوابل والأغذية الرمضانية تنشط روح المشاركة بين الناس ويتدرج الفرح والحبور كمراحل النمو، لكبار الذكور من الأجداد والآباء فرحهم وتهيئتهم لذواتهم لاستقبال شهر الصيام، وكذلك للنساء طقوسهن وللشباب من الجنسين والأطفال نصيب من الاستعداد النفسي، هكذا تتحول البيئة إلى طقس روحي يمنح النفس لوناً من الهدوء والاستقرار أو قل اليقين.. تتسم جميع الاستعدادات النفسية والاجتماعية بالإيجابية، فتجعل لعبادة الصيام فوائد كثيرة عضوية ونفسية واجتماعية وحتى اقتصادية ولكن للاستعدادات النفسية أيضاً جوانب سلبية وللأسف ارتبطت هذه الناحية بهذا العصر والتغير الكبير الذي انتاب الشخصية السودانية ومزاجها مما حول كل الأنشطة الجمعية إلى عبث، فأصبحت الطاقة والحيوية والمتعة التي يمنحها المشروب التقليدي «الحلو مر» عكس ذلك يعد مقبولاً في غير رمضان ومرفوضاً مع الصيام وهو دليل نفس هضمي للاستعداد النفسي السالب والذي يهاب الصيام ويعتبره خصماً على الأداء الاقتصادي والاجتماعي ويعتبر أصحاب هذا البناء النفسي السالب من أكثر الأشخاص عرضة للمرض في أو قبل شهر رمضان ودائماً ما يكون هؤلاء أسيري التدخين والتمباك والعادات السلوكية الضارة وهم يتمتعون بليالي رمضان ويكون الأكثر نشاطاً بها، بينما يختفون تأوهاً في نهاره. وهناك فئة ثالثة بين هذه وتلك تكون استعداداتهم النفسية لرمضان مشحونة بالرغبة في التغيير والانعتاق من الروتين، لذلك يشرعون في تصميم برامج التغيير والتحرر من عاداتهم السيئة كالرغبة في الاقلاع عن التدخين أو تقليل الشحوم وإنقاص الوزن، إنهم يبدون همة وحماساً لتنفيذ برامجهم لكنهم ما أن يمر اليوم الأول من الصيام حتى يسقطوا تباعاً في ضد البرنامج الموضوع، فتجد الراغب في الإقلاع عن التدخين قد ازدادت نسبة التدخين لديه وكذلك ازدياد الوزن لأقصاه للراغبين في إنقاصه، هؤلاء يعدون أنفسهم لشهر رمضان بهذه الطريقة وهي كحلول شهر رمضان سنوية لا يتغير في الطريقة شيء ولا السقوط المبكر لإرادة التغيير شيء. هي وغيرها تقع في الاستعدادات النفسية لشهر رمضان بالأسلوب السوداني، نرجو أن يتمتع الجميع فيه بالصحة النفسية التي سنفتح ملف علاقتها بالصيام وأية فوائد نفسية للصيام من خلال زاويتنا في الأسابيع القادمة.