العميد سوركتي: عمال مشروع السودان الجديد استطاعوا اقتحام الإنقاذ ومن المفارقات التاريخية صارت جزءًا منهم..اللواء إيدام: الإنقاذ انتهت بخروج العسكريين منها في العام «1993م» وفشلت في تحقيق أهدافها..بروفيسور الطيب زين العابدين: ما يُحسب للإنقاذ أنها استخرجت البترول ولكننا لا ندري أين ذهبت عائداته ال «55» بليون دولار تمر اليوم السبت الذكرى ال «24» لثورة الإنقاذ الوطني التي جاءت في الثلاثين يونيو عام 1989م. وقد جرت خلال تلك السنوات أقدار وتصاريف كثيرة شكلت تجربة حكم الإنقاذ الوطني ذي الصبغة الإسلامية، والذي أحدث بدوره ردود أفعال داخلية وخارجية واسعة النطاق، ورسم ملامح تجربة يمكن أن توصف بما أحدثته في الواقع من نجاح أو فشل.. وقد اختلف بعض الخبراء والإستراتيجيين في وضع صورة محددة لقياس حكم الإنقاذ خلال السنوات المحسوبة آنفاً، فقد قال بعضهم بالفشل الذريع الذي أصاب التجربة، بينما قرأ بعضهم النجاحات المميزة لحكم الإنقاذ، وذلك كله عبر الاستطلاع التالي: استطلاع: عبد الله عبد الرحيم خوازيق نيفاشا يقول البروفيسور الطيب زين العابدين في تقييم تجربة الانقاذ خلال ال24 سنة الماضية، إننا لكي نقيم تجربتها لا بد من أن ننظر لحال البلد ككل واستطيع أن أقول إن حال السودان اليوم أسوأ مما كان عليه في العام 1989م. بالرغم من أن وجود مشكلة الجنوب منذ الاستقلال والسبب أن الحكومات الوطنية لم تتعامل مع قضية الجنوب بالفهم الكافي وحلها في الاطار الوطني وخاصة الحكومات العسكرية التي حاولت حل المشكلة عسكريًا من عبود والى الانقاذ. وما يدور اليوم من حرب في جنوب كردفان التي تشبه مشكلة الجنوب ومحاولة حلها أيضاً أمنياً وهناك انفلات أمني كبير في دارفور إضافة إلى أزمة جنوب كردفان واستطيع أن أقول إن الوضع الأمني والعسكري أسوأ بكثير مما كان عليه في العام «1989م». أما في القطاع السياسي فهناك احتقان سياسي وشكوى مُرة من قيادة الانقاذ وهي ليست من الاحزاب المعارضة وليست من الاحزاب الثورية بل إنها من قيادات الوطني داخل الحزب وداخل الحركة الاسلامية، وهناك ململة شديدة ودعوة للإصلاح لا يُستجاب لها وهناك شكوى من عدم الشورى ومن عدم المؤسسية لذلك لم نتقدم للأمام. وحول الوضع الديمقراطي يقول بروف الطيب إنه ضعيف بالرغم من أن هناك قدرًا من هامش الحرية ولكنه مقيد بيد السلطات، فالحرية الصحفية غير كافية، وعمومًا وضع الحريات غير جيد وحتى السياسي بيد أن الحكومة وكلما «يضيق بها» تلجأ للاحزاب لإيجاد موقف وطني، والاحزاب بدورها لها مطالب هي الأخرى. وفي تقييمه للوضع الاقتصادي يقول زين العابدين إنه وصل لدرجة أن يكون إنتاج السودان من أسوأ إنتاجات العالم رغم ما يقال عن النهضة الزراعية، وهناك الكثير عن مشروع الجزيرة الذي جفف. وما يحسب لمصلحة الانقاذ أنها استطاعت استخراج البترول في العام 1999م وكان حصيلة مدخلاته حوالى «55» بليون دولار كعائدات ولا ندري اين ذهبت إلى يومنا هذا رغم ما يقال بشأن السدود والطرق. وأقول إن أموال البترول سر لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى وقادة الإنقاذ. فهناك تدهور تام في كل المجالات الزراعة والصناعة والتعليم وغيره. والآن الوضع الاقتصادي للمواطن العادي باعتراف الرئيس ضعيف. ويضيف بروفيسور الطيب إن الجيش استُهلك بكثرة الحروبات التي ظل يخوضها، وقد كلف بمهمات سياسية وهي ليست مهمته وهذه هي مشكلة الانقاذ أنها تميل للقوة في كل شيء. وما يُحسب لها أنها فقط أنقذتنا من الوضع السائد في يونيو «89» وحكومته الضعيفة وزحف الحركة نحو الشمال إلا أن الإنقاذ قامت بتسليم الجنوب للحركة الشعبية رغم استشهاد الآلاف دون ذلك. وأقول إن ما حصل كان اتفاقًا بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني، ولكن مشكلة الإنقاذ أنها لم تحسم أمر الجنود الشماليين بالحركة الشعبية وأصبحوا من بعد «خوازيق» ضد البلد. لم الشمل وجمع السلاح أما عضو مجلس ثورة الإنقاذ اللواء إبراهيم نايل إيدام فيقول ل«الإنتباهة» إن الانقاذ انتهت مبكراً بخروج العسكريين منها في العام 1993م وقال انها إن لم تسكت الاصوات التي جاءت من أجلها وفشلت تماماً في إحداث خروقات في القضية الوطنية، وأضاف أن من أهداف الثورة هو لم الشمل وجمع السلاح من المقاتلين، وبالرجوع لتقييم هذين الهدفين فإن الحكومة لم تقم بجمع السلاح ولا لم الشمل بل إنها خلقت هوة كبيرة في المجتمع السوداني بالتفرقة القبلية. وقال إن المدنيين من رجال الجبهة الإسلامية حادوا بها عن الطريق الذي رسموه «هم» لها وأنهم كعسكريين لم يكن وقتها الحكم هدفهم بقدر عملهم على إصلاح النظام والحكم وتركه للآخرين، ورغم ذلك قاموا بضرب أهدافنا هذه عرض الحائط، بيد أنها لم تحقق حتى الآن الاجماع الوطني ولا الرخاء الذي يتحدثون عنه ولا الوحدة الوطنية ولا حتى السلام، وإننا الآن إذا رجعنا ليوم 30 يونيو 89 نجد أن مساحة القتال الموجودة وقتها أقل مما هي عليه اليوم والقتال وقتها كان في الجنوب وحده ولكن اليوم صار في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق. ويجب على الحكومة في ذكراها الراهنة أن تغير سلوكها مع الآخرين. هنالك أشياء حققت فيها نجاحات لا أنكرها مثل التنمية في بناء السدود والاعمار ولكن هناك جوانب لامسها القصور إلى يومنا هذا مثل طريق الانقاذ الغربي والذي كان حلماً وطريق السلام رغم أن الجنوب انفصل إلا أنه يمكن أن يحقق اللحمة الوطنية بجانب ضياع مشروع الجزيرة وأصبح أهله مشردين إضافة إلى أن الصناعة لم تتقدم التقدم المطلوب. وقال إنه إذا ما صرفت مدخلات البترول من العملة الصعبة على الزراعة وحدها لكفى السودان ما أصابه من قحط اقتصادي. وتطرق إيدام الى ديون السودان الخارجية وقال إنهم حينما استلموا السلطة كثورة إنقاذ وطني كانت قليلة جداً ولكنها اليوم صارت مبالغ وارقامًا خرافية متسائلاً من سيدفع هذه المبالغ. كما أنه أشار الى الفساد الذي ضرب دواوين الحكومة واستشرى في جسد الدولة بتأكيدات الرئيس نفسه إضافة إلى أسلوب الموازنات القبلية التي انتهجتها الحكومة وأشعلت فتيل الصراعات القبلية في السودان. وقال إيدام لا بد من أن تقوم الحكومة ب «خطوات تنظيم» وتبدأ بالحكم بين الناس بالعدل في التنمية والمناصب وبقية مناحي الحياة. مفارقات تاريخية أما العميد معاش ساتي محمد سوركتي فيقول إن مشكلة الانقاذ أنها قامت في مواجهة هجمة على هوية السودان والتي يقودها مشروع السودان الجديد ذو الاطراف والافكار الواضحة والمعلومة، انتهى الأمر بها في الحقيقة أن تكون هي نفسها جزءًا من مشروع السودان الجديد وهذه من المفارقات التاريخية .. ويبدو أن عمال مشروع السودان الجديد استطاعوا أن يقتحموا أسوار الإنقاذ مبكراً جداً ويسوقوها إلى ما ظلوا يعملون لأجله، ولهذا جرت أعمال كثيفة جداً من التفكيك في التعليم والادارة والاقتصاد والاجتماع، والتفكيك ركيزة أساسية جداً من مشروع السودان الجديد لأنه يعمل أساساً لتفكيك الدولة. ولذلك ضاع الخطاب الاسلامي في خضم العمل المعادي والسلبي جداً له وهذا بدوره أضاع قدراً كبيراً من قدسية المصطلحات والمقاصد الإسلامية، لذلك انتهت الإنقاذ إلى أن يتحرك بعضها ليأكل بعضها لهذا التناقض الشديد الذي سارت به في ممارستها للحكم. والخسائر الكلية لحكم الانقاذ أكبر من المنافع الجزئية التي تحققت وهذه حقيقة سيئة للغاية قد لا تعجب الكثيرين هذا بإيجاز رغم أن هناك الكثير الذي يتبغي إيراده وبيانه للناس. إنجازات وإخفاقات ولم يمكث المفكر الإستراتيجي اللواء الركن محمد الامين العباس طويلاً في رده لنا حول تقييم تجربة الانقاذ فقد بدأ حديثه بقوله: إننا إذا ما رجعنا ثلاثين عامًا للوراء فإن الانقاذ هي الإنقاذ. وقال إن الانقاذ نجحت في التعليم وهو الشيء الأساسي الذي نجحت فيه، بجانب فتح الجامعات الذي أتاح للعديد من الأسر من ذوي الدخل المحدود أن يدخل أبناؤها الجامعات وجعلت كليات مثل الطب والهندسة متاحة لكل الناس في الوقت الذي كانت فيه محصورة على «الشطار» جداً، وأضاف بقوله إن السودان الدولة الوحيدة في العالم والتي إذا ما أحرز فيها أحد طلابها درجة «80%» يكون راسباً. لأن الدرجات كلها عالية والفرص محدودة، ولهذا فإن ثورة التعليم كانت إحدى إنجازات الإنقاذ الرائعة. أما في التنمية فإن التحرك نحو استخراج البترول كان واحدًا من الإنجازات المهمة وكانت الخطوات الناجحة في إكمال خطوط أنابيب النفط وغيره من الأشياء المكملة لاستخراج النفط. ولكن في العمل السياسي فان النجاح لحد كبير محدود جداً، فالمشاركة السياسية لم تكن واسعة بصورة كبيرة ولو أنها فتحت أبواب المشاركة للجماعات السياسية المسلحة التي تقاتل الآن السودان لكان أفضل.. وهذه واحدة من الإخفاقات السياسية حسب نظري. وانا أؤكد أن الاحزاب السياسية نفسها تشارك في هذا الإخفاق وتشارك في ذلك بصورة مبالغ فيها ونجد أن التوزيع العادل للسلطة والثروة كلمتان تم استخدامهما بصورة واسعة وكبيرة جداً إلا أنه لم يتم تحديد المفاهيم الحوارية لهاتين المسألتين بصورة جلية وواضحة. ميزان قوى ويضيف ود العباس أنه إلى جانب الإخفاقات هناك إنجازات محدودة، ففي السياسة الخارجية السودان استطاع أن يبني بعض المقدرات الخاصة وذلك لأسباب عديدة وهي أن التيار الإسلامي أصبح لا يجد قبولاً في العالم مثلما حدث في مصر وفوز التيار الاسلامي في الجزائروتونس وفي السودان أصبحت التيارات الإسلامية غير قابلة للحكم لأن التيارات الإسلامية وجدت معاناة ومشكلات كبيرة جداً، وراشد الغنوشي في تونس قال إنه لا يرغب في إعادة التجربة السودانية في الحكم الإسلامي مرة أخرى. اعتقد أن القيادة السياسية استطاع الرئيس أن يحل بشخصيته القيادية الكثير من المشكلات المتعددة لأنه مُجمع عليه من قبل الشعب. أما القيادات الاخرى فالمشكلة أنه صار هناك تكرار في العمل السياسي مما جعل الكثيرين يشعرون بالإحباط لأنهم أحسوا بأنه لا تغيير إطلاقاً في الوجوه والسياسات، لذلك فإن هذه المسألة تحتاج الى ميزان قوى وميزان عادل لقياس المشكلات التي حدثت. وأكبر مشكلة واجهت الانقاذ برأيي هي نيفاشا «2005م»، وما ترتب عليها من انفصال الجنوب ورغم أنها أوقفت حرب «50» عامًا إلا أنها تُعتبر تجربة خاسرة بالنسبة للسودان والا تتكرر مرة ثانية وهي درس مستفاد يجب مراعاته واعتقد أن الدولة نجحت في بناء القوات المسلحة والامن والشرطة واستطاعت أن تطور هذه الأجهزة تطويرًا كبيرًا وبصورة عالية ولولاها لكان وضع السودان السياسي والجغرافي بصورة مغايرة جداً. خطأ جسيم ويقول إن تجربة الإنقاذ والتي تمر ذكراها ال «24» اليوم، فيها فشل وفيها نجاح. والشيء الثاني أنهم جاءونا باسم الاسلام السياسي ولم يستغلوا الفرصة ليكونوا نموذجاً ومثالاً لكل الدول العربية والإسلامية بخصوص نجاح تجربة الاسلام السياسي. وبالنسبة للفشل كان يجب أن يتوفر الأمن والاستقرار والدليل الدخول في حرب تلو الاخرى، وفيما نجحوا فيه أنهم استطاعوا أن يمكثوا «24» سنة في الحكم وهذا لحكمة الله لأنه هو الوحيد الذي يعطي الحكم لمن يشاء واحتمال أن يمكثوا أكثر من «24» سنة أخرى قادمة. أما نجاحاتهم في مجال التنمية والبنية التحتية فهناك إنجازات واضحة فيما يتعلق بالسدود والإنشاءات ووفروا لحد كبير جداً المواد التموينية للمواطن فليس هناك شح لا في المحروقات ولا المأكولات رغم ارتفاع الاسعار هذه ضمن نجاحاتهم والتي يلمسها المواطن بإضافة الى التوسع في التعليم إلا أنه كمي وليس كيفيًا، فالعطالة تقابل كثرة المتعلمين والخريجين. فهناك أشياء تُحسب لهم وأخرى عليهم رغم أن الشعب السوداني غير مجمع عليهم ومن أسوأ الأشياء التي نجحوا فيها إضعاف المعارضة والصحيح كان هو تقوية المعارضة.. لذلك أرى أن الإنقاذ يواجهها واجب كبير جداً فلا بد من الوقفة لتقييم التجربة نجاحها وفشلها ومن الصعب الاستمرار بهذه الصورة.