صادف أمس الثلاثاء 2/ يوليو 3102م ذكرى الغزو المسلَّح الذي قامت به (الجبهة الوطنية) المعارضة قادمة من ليبيا. وعلى نسق ذلك الغزو، جاء غزو العدل والمساواة قادمة أيضًا من ليبيا في 01/ 5/8002م. وعلى ذات النهج كذلك تنشط اليوم (الجبهة الثورية) انطلاقًا من دولة الجنوب. ما سبب تلك (الغزوات) التي تقوم بها جماعات (المعارضة السودانية) مستخدمة السلاح الأجنبي والتمويل الأجنبي انطلاقًا من أرض الأجنبي. قال الشاعر الصوفي في قصيدة (عشق) الفيّاضة بالترميز العرفاني، (القلب الذي لا يذكر ليس بقلب... القلب الذي لا ينبض بعشقك ليس سوى طين... لفراقه عن الوردة ينتحب البلبل ويعيِّط). كذلك في السياسة السودانية لفراقه عن (وردة) السلطة.. ينتحب (البلبل) ويعيِّط!. وقد أثبتت التجارب أن الطامحين إلى السلطة بغير سند جماهيري، وأن الخاسرين في السياسة السودانية، أي المنتحبين لفراق (وردة السلطة)، من أجل عودتهم إلى كرسي الحكم، هم الذين يقاتلون بلدهم بسلاح الأجنبي وأموال الأجنبي، إنطلاقًا من أرض الأجنبي. في هذا السياق هناك عدة تجارب سودانية. منها الغزو المسلَّح للجبهة الوطنية المعارضة للخرطوم في 2/7/6791م والغزو المسلَّح لحركة العدل والمساواة في 10/ مايو 2008م. ذلك إلى جانب تجربة (الجبهة الثورية) الراهنة. عند غزو 01/5/8002م، نشرت صحيفة نيويورك تايمز بتاريخ 13/ مايو 2008م، نقلاً عن خبير الشؤون السودانية (جون بريندر غاست) أن الهجوم على العاصمة السودانية، كان مجرد وسيلة للضغط على الحكومة السودانية،للإنفراد بعقد صفقة لتقاسم السلطة، دون بقية فصائل دارفور. سنرى لاحقًا أن تلك قراءة غير دقيقة للشؤون السودانية. بل هي قراءة هواة، أكثر منها قراءة محترفين. جاء ذلك التحليل الذي طرحه (بريندر غاست) على خلفية النتائج السياسية لغزو 2/7/6791م، وتداعياته التي أفضت إلى المصالحة الوطنية في أغسطس 1977م. ففي سابقة سياسية سودانية، جاءت المصالحة الوطنية في أغسطس 1977م، بين الرئيس جعفر نميري ومعارضيه في الجبهة الوطنية، باستثناء الراحل الشريف حسين الهندي، بعد عام من فشل هجوم 2/ يوليو 1976م الذي قامت به مليشيات الجبهة الوطنية القادمة من ليبيا. ومثلما حدث في غزو 01/5/8002م، كذلك في غزو السودان 2/7/6791م، كان من بين مقاتلي الجبهة القادمين من ليبيا الى الخرطوم عدد مقدّر من أبناء دارفور، بحكم خلفياتهم الأنصارية وولائهم لحزب الأمة. حيث وفرت ليبيا المعسكرات العسكرية والتدريب والسلاح مثلما فعلت في غزو 01/5/8002م، واقترحت طرابلس في غزو 2/7/6791م، أن يشارك سلاح الطيران الليبي في قصف العاصمة السودانية، لولا اعتراض بعض قادة الجبهة الوطنية مثل القيادي الإسلامي السيِّد عثمان خالد. تجدر الإشارة إلى أن الراحل بابكر كرّار النور قائد حركة التحرير الاسلامي ورئيس الحزب الاشتراكي الإسلامي، كان مهندس العلاقة بين الجبهة الوطنية والنظام الليبي، كان بابكر كرار عبر علاقته برئيس الوزراء المصري عبد العزيز حجازي، وراء تأسيس العلاقة بين الجبهة الوطنية والنظام الليبي. كان بابكر كرار وراء تأسيس العلاقة بين الجبهة الوطنية والرئيس الليبي، حيث قدَّم قادة الجبهة الوطنية الى الرئيس الليبي الذي كان يكن احتراماً كبيراً للراحل بابكر كرار، الذي وضع بصماته على (الكتاب الأخضر)، وعند رحيل بابكر كرار كانت مانشيتات الصحف الليبية: (وفاة المناضل بابكر كرار). وكان بعضهم يشير إلى أن الرئيس نميري باستخدام السّمّ، كان وراء الرحيل المبكر للمفكر بابكر كرار وهو في بداية الخمسينات من عمره. وتأسيسًا على تلك السابقة، أصبح السيد الصادق المهدي مهندس العلاقة بين الحركة الشعبية بقيادة المتمرد جون قرنق والعقيد القذافي. حيث أفاد الدكتور رياك مشار في لقاء تلفزيوني بذلك. حيث ذكر أن تقديم للحركة الشعبية إلى القذافي بواسطة السيد/ الصادق المهدي نقل الجيش الشعبي من مرحلة السلاح الخفيف إلى السلاح الثقيل. وذلك ما أمكنه من القتال بكفاءة ضد الجيش السوداني. غير أن بابكر كرار كان رافضاً لغزو الجبهة الوطنية في 2/يوليو 1976م ووصفه بأنه غير وطني وغير ديني وغير أخلاقي. بعد ذلك الدور الليبي في غزو السودان في 2/ يوليو 1976م، سارع الرئيس جعفر نميري الى توقيع اتفاقية دفاع مشترك مع مصر، لحماية السودان من القذافي. حيث جاء غزو السودان في 2/ يوليو 1976م، قادماً من ليبيا. ونشرت صحيفة واشنطن بوست بتاريخ 13/ مايو 2008م، أن ليبيا تدعم العدل والمساواة التي نفذت الهجوم على العاصمة السودانية في 10/ مايو 2008م. (ليبيا القذافي) كانت وراء الغزوين الإثنين ضد السودان، في 2/ 7/ 1976م، و10/ 5/ 2008م، وقد غابت حقيقة مهمة عن محلل الشؤون السودانية (جون بريندر غاست)، وهي أن الذي يهاجم الخرطوم بثلاثمائة وتسعة لاندكروزر عسكرية (جديدة) تكتظ بالمقاتلين والأسلحة الفتاكة، لا يهدف للتفاوض، بل يهدف فقط للإستيلاء على السلطة، بكل تداعيات الإستيلاء من التصفيات وشلالات الدماء. لا يهدف إلى التفاوض ذلك الذي يستهدف السيطرة على القيادة العامة للجيش والقصر الرئاسي ومطار الخرطوم الدولي والإذاعة والتلفزيون القومي وقاعدة وادي سيدنا لاستخدام الطائرات الحربية، لتكملة تنفيذ مخطط الاستيلاء على السلطة. لا يهدف إلى التفاوض مَن كان برفقته تشكيل وزاري وقوائم اغتيالات. غاب عن (بريندر غاست) أن الحكومة التي وقعت اتفاقية نيفاشا واتفاقية أبوجا واتفاقية سلام الشرق واستعدت لمفاوضات (سرت)، ثمّ فاوضت في العاصمة القطرية الدوحة (لاحقاً)، ليست بحاجة إلى غزو من طراز 10/ مايو 2008م، لإقناعها بالمفاوضات، بل الصورة غاية في الوضوح وهي أن (العدل والمساواة) هي التي اختارت الإستيلاء بالقوة العسكرية على السلطة بدلاً عن التفاوض. في غزو 2 يوليو 1976م، كانت هناك الجبهة الوطنية التي تكونت من ثلاثة أحزاب رئيسية، اعلنت مشاركتها ووقوفها وراء ما حدث، هي الاتحادي الديمقراطي وحزب الأمة والإخوان المسلمون. وقد أعلن رئيس الجبهة الوطنية السيد الصادق المهدي في بيان قرأه من إذاعة طرابلس مسؤولية الجبهة عن الحادث، كان عمر الصادق حينها يقل عن أربعين عاماً. في ذلك البيان ذكر السيد الصادق المهدي أن هجوم مسلَّحي الجبهة الوطنية كان يهدف إلى إقامة نظام الإشتراكية المبرأة من الإلحاد!. في السودان أسمى الرئيس نميرى الذين قاموا ب الغزو ب (المرتزقة). لكن في غزو السودان في 10 مايو 2008م لم يعلن أي حزب سياسي وقوفه وراء ما حدث بل وقفت (العدل والمساواة) وحيدة معزولة سياسياً تماماً، ووطنياً، وإقليمياً، ودولياً. حيث لم تُشرك العدل والمساواة معها في الهجوم على الخرطوم أحداً حتى حركة عبد الواحد محمد نور. كل ذلك يلقي بالسؤال إن كان التعريف الصحيح للعدل والمساواة هي انها (جماعة ضغط سياسي عسكرية) مستخدمة لأجندة سياسية لا علاقة لها بدارفور. لقد استخدم الاتحادي الديمقراطي، وحزب الأمة، في إطار الجبهة الوطنية أبناء دارفور في غزو السودان في 2 يوليو 1976م، فمن الذي استخدمهم اليوم في غزو السودان في 10 مايو 2008م؟. لأن الذي يعرف جبريل إبراهيم وخليل إبراهيم وأحمد حسين وجمّالي، وغيرهم من قيادات العدل والمساواة، عن كثب، يستبعِد جداً أن يكونوا قد قاتلوا أو يقاتلون من أجل أجندة عرقية أو جهوية. وقد أدان السيد الصادق المهدي غزو العدل والمساواة ضد الخرطوم. كما أدان أيضًا السيد محمد عثمان الميرغني الهجوم على العاصمة. إقليمياً أدانت مصر والجامعة العربية وأثيوبيا واريتريا هجوم (العدل والمساواة)، وسارعت أمريكا وبريطانيا الى ادانة هجوم (العدل والمساواة). الذي غاب عن مخططي الهجوم على العاصمة السودانية في 10/ مايو 2008م، أن لندنوواشنطن لن تسمحا للنفوذ الفرنسي بأن يتسلَّل إلى السودان، كما لن تسمحا لنفوذ القذافي أن يتسلّل إلى السودان عبر عدله ومساواته. لقد أزاح التحالف الأنجلو- فوني الأمريكي- البريطاني خلال التسعينات النفوذ الفرنسي من جهورية الكنغو ورواندا وبورندي، حيث حلّ النفوذ الأنجلو- فوني محلّ النفوذ الفرانكفوني، وتبقَّت بعض الجيوب الأفريقية الفرانكفونية في بعض دول الجوار وغيرها، تنتظر (يومها) الأنجلو- فوني. ولا بد من التقرير أن منطق الموقف الأمريكي والبريطاني من إدانة هجوم 10 مايو ضدّ، الخرطوم، كان يقتضي اعلان (العدل والمساواة) منظمة إرهابية. ولكن واشنطن لن تفعل خشية كشف تناقض سياستها السودانية، إذ أن واشنطن لاتزال متمادية في سياستها الظالمة في تعمد تصنيف السودان ضمن الدول الراعية للإرهاب، كيف تعتبر (العدل والمساواة) منظمة إرهابية بينما هي أي العدل والمساواة- معادية لنظام إرهابي، حسب التصنيف الأمريكي. إذا كانت أمريكا حقيقة تعتقد أن السودان راعي للارهاب كان ينبغي عليها ان تهنئ العدل والمساواة على هجومها على العاصمة بدلاً من ادانتها. بعد ما حدث عصر السبت الكبير 10/ مايو 8002م، في شوارع العاصمة السودانية، فإن السؤال الذي يجب ان تجيب عليه لندنوواشنطن، ما هي المستحقات الإرهابية التي يجب استيفاؤها من جانب (العدل والمساواة)، والدول التي وراءها، حتى يتمّ الإعلان بأنها منظمة إرهابية، وأن الذين يقفون وراءها إرهابيون؟.