كثير من المفاهيم تغيرت في واقع مجتمعنا السوداني اقتصاديًا واجتماعيًا وموروثات وأعراف وتقاليد إذ لم يعد الأمر كما كان.. كان الناس في زمان مضى وهو ليس ببعيد يخجلون من أن يتحدثوا عن طلاق أي من قريباتهم باعتباره عيبًا اجتماعيًا ووصمة يجب مداراتها.. وعورة يجب ألا تكشف..! أقول هذا مدخلاً للحديث عن إعلانات طلب الطلاق لعدم الإنفاق والغيبة وخوف الفتنة.. وبحثت في الأمر من جميع نواحيه علي أجد مبررًا كافيًا لهذا التوجه الذي أصبحنا لا نخجل من الإعلان عنه ويربط بين الطرفين المتنازعين رباط مقدس يسمى عقد النكاح «القسيمة» الممهور بتوقيع وكيلين وشاهدين..! ولم يعد هناك رشيد يدعو لبحث الأمر وديًا بممثل لكل طرف لإصلاح ذات البين.. وقد وجدت خلال ذلك البحث أن ما يحدث في مثل هذا النوع من الإعلانات كان نتاجًا طبيعيًا لإفرازت لوثت كل شيء في حياة الناس قل الحياء ولم يعد مثل هذا الإعلان في نظر الكثيرين معيب انه واقع افرزه واقع الاغتراب أو تغير الأوضاع الاقتصادية وتزايد الاحتياجات الحياتية ولم يعد بمقدور بعض أولئك الأزواج المطلوبين لدى محاكم الأحوال الشخصية الإنفاق نتيجة واقعهم العملي سواء كان داخل السودان أو خارجه.. وربما لسلوكيات بعضهم ولعدم رشد بعضهم الآخر.. ولربما أن الأمر فيه مكايدة..!! ربما أن زماننا هذا أصابنا بلوثة هلع وعدم يقين أن طرفي المعادلة لم يعد احدهما حريصًا على استمرارية عشهما الذي تعاهدا في بداياته أن يبنياه كالقماري قشة قشة.. ولقد أتاح لي عملي الصحفي حينًا وقضاء بعض الضروريات في المحاكم الشرعية أن أرى حالات زوجات يطالبن بالنفقة بعد أن رضين بالحياة التي نقول إنها ماشة بالكاد ورغم ذلك نجد أن بعض الأزواج لم يف بذلك القليل الذي رضيت به الزوجة من أجل استمرار حياتهما الزوجية أعلم أن للأمر عدة وجوه.. وللبيوت أسرارها.. وما أعظم ما يتم ويجري بداخلها.. إنها ستر وغطاء على أصحابها.. ولكن لكل وجه من وجوه هذه الظاهرة مترتبات اجتماعية واقتصادية.. وأخري قليلة ونادرة كيدية!! سبحان الله مغير الأحوال من حال إلى حال.. كنا ولا نزال نقول للعروسين بيت مال وعيال.. وبعبارة أخرى نقول تغلبك بالعيال وتغلبها بالمال كطرفي معادلة مطلوبة لاستمرارية الحياة.. وباعتبار ان المال والبنين زينة الحياة الدنيا! إنها من مفارقات حياة اليوم.. والبعد عن البيت الكبير.. ورحيل الكبار.. والجشع الذي ساد حتى بين الأشقاء.. ولم يعد بين الأسر من يحرص على إصلاح ذات البين.. ولم تعد النفوس متطايبة كما كانت.. الطمع وتطلع بعض الزوجات والذي لا يملك الزوج إليه سبيلا.. ضعف الرواتب لمن هم في السلك الوظيفي وارتفاع تكلفة المعيشة وتعدد أوجه الصرف.. وفي ظل هذا الواقع المرير ينسى شريكا الحياة تحت ضغوطها أن ما يربط بينهما من أطفال يجب أن يكون حاضرًا دومًا.. وما نقرأه من قضايا وجرائم حدثت كانت بسبب ضغوط الحياة.. ليتنا نكون أكثر ترويًا عندما تطلب زوجة الطلاق للغيبة وخوف الفتنة أو لعدم الإنفاق.. قليل سيكون موضع قناعة إن كنت ترسله بانتظام.. ولكن ألا ترسل إطلاقًا أو متقطعًا لا يمكن أن يكون مقبولاً في ظل ظروف ضاغطة وحياة لا ترحم وشبح تشرد الأطفال يلوح في الأفق.. إنها دعوة للأهل إن كانوا قادرين على إعانة الزوج أو الزوج حتى تستمر الحياة بين الزوجين وحتى لا تنهدم أركانها المودة والرحمة والسكن.. ! علينا أن نعمل مهما كان على استمرار دور الأسرة الممتدة التي كانت ترعى وتربي.. وأعجبني كثيرًا أن بعض الأسر كونت مجالس عائلة تلتقي كل مرة عند احدها وهو مجلس معني بكل ما يتعلق بالأسرة ومن بين أهم مهامها إصلاح ذات البين بين الأزواج.. وفي ظني أن مثل هذه الأسر لن نجد من بناتها من تطلب الطلاق لأحد الأسباب التي اشرنا إليها ما لم يكن هنالك سبب يؤدي لاستحالة الحياة بين الزوجين..