القوة المشتركة تكشف عن مشاركة مرتزقة من عدة دول في هجوم الفاشر    كامل إدريس يلتقي الناظر ترك ويدعو القيادات الأهلية بشرق السودان للمساهمة في الاستشفاء الوطني    شاهد بالصورة والفيديو.. بأزياء مثيرة.. حسناء أثيوبية تشعل حفل غنائي بأحد النوادي الليلية بفواصل من الرقص و"الزغاريد" السودانية    شاهد بالفيديو.. بلة جابر: (ضحيتي بنفسي في ود مدني وتعرضت للإنذار من أجل المحترف الضجة وارغو والرئيس جمال الوالي)    اللجنة العليا لطوارئ الخريف بكسلا تؤكد أهمية الاستعداد لمواجهة الطوارئ    حملة في السودان على تجار العملة    اتحاد جدة يحسم قضية التعاقد مع فينيسيوس    إيه الدنيا غير لمّة ناس في خير .. أو ساعة حُزُن ..!    خطة مفاجئة.. إسبانيا تستعد لترحيل المقاول الهارب محمد علي إلى مصر    من اختار صقور الجديان في الشان... رؤية فنية أم موازنات إدارية؟    المنتخب المدرسي السوداني يخسر من نظيره العاجي وينافس علي المركز الثالث    الاتحاد السوداني يصدر خريطة الموسم الرياضي 2025م – 2026م    إعلان خارطة الموسم الرياضي في السودان    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    ترتيبات في السودان بشأن خطوة تّجاه جوبا    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    تحديث جديد من أبل لهواتف iPhone يتضمن 29 إصلاحاً أمنياً    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    ميسي يستعد لحسم مستقبله مع إنتر ميامي    تقرير يكشف كواليس انهيار الرباعية وفشل اجتماع "إنقاذ" السودان؟    محمد عبدالقادر يكتب: بالتفصيل.. أسرار طريقة اختيار وزراء "حكومة الأمل"..    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    "تشات جي بي تي" يتلاعب بالبشر .. اجتاز اختبار "أنا لست روبوتا" بنجاح !    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    أول أزمة بين ريال مدريد ورابطة الدوري الإسباني    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    بزشكيان يحذِّر من أزمة مياه وشيكة في إيران    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    مصانع أدوية تبدأ العمل في الخرطوم    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    الشمالية ونهر النيل أوضاع إنسانية مقلقة.. جرائم وقطوعات كهرباء وطرد نازحين    شرطة البحر الأحمر توضح ملابسات حادثة إطلاق نار أمام مستشفى عثمان دقنة ببورتسودان    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التمرد العلماني انقلاب على الديمقراطية..د. رفيق حبيب
نشر في الانتباهة يوم 16 - 07 - 2013

استمر تحالف القوى العلمانية في البحث عن مسارات بديلة لمسار التحول الديمقراطية. منذ سقوط النظام السابق، فبدأ بالدستور أولاً، ووصل إلى الدعوة لانتخابات رئاسية قبل موعدها الدستوري. وهي ليست الدعوة الأخيرة، بل هي واحدة من سلسلة الدعوات التي سوف تستمر مستقبلاً، وتهدف كلها للخروج من مسار العملية الديمقراطية، إلى مسار آخر، تظن القوى العلمانية أنه سيؤدي إلى وصولها للحكم. ومنذ انتخابات الرئاسة، توسع تحالف القوى العلمانية ليضم أنصار النظام السابق، وأصبح هذا التحالف هو الذي يقود عملية الانقلاب على الديمقراطية، ويحاول تغيير مسار العملية السياسية، حتى يعود النظام السابق للحكم، بدعم من القوى العلمانية، إذا كان هذا التحالف لا يضم كل القوى العلمانية، إلا أنه مع الوقت أصبح يضم أغلب القوى العلمانية، ولم يعد هناك حضور مؤثر لقوى علمانية، خارج إطار التحالف مع أنصار النظام السابق. فهل ينتصر هذا التحالف في النهاية؟ وهل يستطيع إسقاط الرئيس المنتخب؟ وهل يستطيع إخراج حزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان المسلمين من المعادلة السياسية، أو تحجيم دورهما؟ وهل ينجح الانقلاب على الديمقراطية، وتنجح الثورة المضادة، وتعود مصر إلى مربع ما قبل الثورة؟
التمرد العلماني:
في كل خطوة من خطوات مسار العملية الديمقراطية، تمردت القوى العلمانية على نتائج صندوق الانتخاب، وحاولت دفع البلاد إلى مسار بعيد عن الاحتكام لصندوق الاقتراع في العديد من المرات، ثم حاولت إعادة الانتخابات في مرات أخرى.
ففي البداية حاولت القوى العلمانية بكل السبل، أن تشكل لجنة لوضع الدستور معينة، وبدون انتخابات، حتى تهيمن عليها النخب العلمانية، وتضع الدستور المناسب لها وكان هدف القوى العلمانية هو وضع دستور، يذكر مرجعية الشريعة الإسلامية، ولكن بصورة تسمح بتقييدها وتفريغها من معناها وعملت القوى العلمانية على حل اللجنة التأسيسية ومجلس الشعب المنتخب، بعدما فشلت في تأجيل الانتخابات، بدعم من الذراع القضائي للنظام السابق، حتى تلغي نتائج الإرادة الشعبية. لكن القوى العلمانية فشلت في وقف عمل اللجنة التأسيسية الثانية، وفشلت في وقف الاستفتاء على الدستور، رغم موجة العنف التي قامت بها ثم استطاعت تلك القوى من خلال الذراع القضائي للنظام السابق، تأجيل انتخابات مجلس النواب الجديد، وأكدت على محاولة إسقاط الرئيس. ويلاحظ أن القوى العلمانية وقوى النظام السابق، حققوا نجاحات جزئية ومؤقتة، بسبب أحكام قضائية، ولكنهم لم يحققوا أي نجاح من خلال مخططات العنف والفوضى. وفي مرات تظهر دعوات لإسقاط الرئيس المنتخب، وتشكيل مجلس رئاسي، لحكم البلاد لفترة انتقالية، ومرات أخرى تظهر الدعوة إلى انتخابات رئاسية قبل موعدها الدستوري فالقوى العلمانية وأنصار النظام السابق، يراهنون على أن إعادة الانتخابات الرئاسية، سوف يتيح لهم فرصة للوصول للسلطة، نظراً لما يرونه من فشل للرئيس في حل المشكلات العاجلة، حيث يراهنون على أن ضغط المشكلات الآنية، يوفر لهم فرصة للفوز بمقعد الرئاسة، قد لا تكون متاحة لهم عند نهاية فترة الرئيس.
الإفشال المتعمد
لجأت القوى العلمانية إلى إثارة حالة من التوتر السياسي، ونشر حالة من العنف والفوضى، حتى تفشل الرئيس، وتعرقل أي تقدم يمكن أن يتحقق، حتى لا يستطيع الرئيس والحكومة، تحقيق نتائج ملموسة على الأرض، وكان أول ما ركزت عليه القوى العلمانية، هو تعميق حالة التوتر، حتى تعرقل الاتفاق مع صندوق النقد الدولي وتضرب حركة السياحة، حتى تضغط على سعر العملة المحلية، لرفع سعر الدولار، وهو ما يؤثر سلباً على الحالة المعنوية لعامة الناس. أما أنصار النظام السابق، فكان عليهم مهمة عرقلة أي حل يتم في المشكلات العاجلة اساسا، خاصة مشكلة الوقود والكهرباء، حتى تزيد حجم المشكلات، ومدى تكرارها، مما يتسبب في حالة إحباط عام، يتم استغلالها لإسقاط الرئيس وقامت وسائل الإعلام العلمانية، وسائل إعلام النظام السابق، بنشر حالة من الإحباط واليأس، ونشر الإشاعات والمعلومات المغلوطة وإبراز المشكلات، وافتعال مشكلات، وتجاهل كل إنجاز يتحقق. ومحاولة الإفشال لا ترتبط بدور المعارضة السياسية، والتي يفترض أن تعمل من أجل المصلحة العامة، وتوضح لعامة الناس برنامجها، وتحاول إقناع عامة الناس، ان برنامجها وأسلوبها أفضل، حتى يتم انتخابها ولكن القوى التي تعمل من أجل افشال المنتخب، حتى تنجح في الانتخابات، تنقلب ضمناً على العملية الديمقراطية، وتنقلب ايضاً على الثورة لأن عمليات التخريب والعنف والفوضى ليست ممارسة سياسية، بقدر ما هي انقلاب مخطط على العملية الديمقراطية وفشل العملية الديمقراطية، يؤدى إلى فشل الثورة، لأن الثورة حررت المجتمع وسمحت أن يكون هو صاحب السلطة، ومحاولات هزيمة الخيارات الشعبية، تؤدى إلى إفشال الإرادة الشعبية، ومن ثم عرقلت التحول الديمقراطي، وعرقلت مسار الثورة. ولقد كان رهان القوى العلمانية وأنصار النظام السابق، على أن عملية الافشال المتعمد سوف تعمق من المشكلات لحد يقلص شعبية الرئيس وحزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان المسلمين وتصورت تلك القوى أنها يمكن أن تعمل من أجل إفشال الرئيس ثم تجبره على خوض انتخابات رئاسية جديدة في الوقت الذي تحدده وفي كل الأحوال، لا يحق لاية قوة سياسية فرض موعد للانتخابات، أي لا يحق لها أن تحدد الموعد الذي تعتقد أنه أنسب لها، لأن الانتخابات لها مواعيد دستورية، مرتبطة بنهاية الولاية الانتخابية.
لماذا الرئاسية؟
رغم أن القوى العلمانية عملت على تأجيل الانتخابات البرلمانية، إلا أنها تعمل من أجل فرض انتخابات رئاسية قبل موعدها الدستوري رغم أنه من يستطيع النجاح في الانتخابات الرئاسية، يفترض أن يتمكن من تحقيق نجاح في الانتخابات البرلمانية ولكن القوى العلمانية وأنصار النظام السابق، يخشون من عدم قدرتهم على تحقيق تحالف شامل لكل أحزابهم في الانتخابات البرلمانية، كما يدركون أنه من الصعب عليهم مجتمعين، تحقيق أغلبية مطلقة في انتخابات مجلس النواب كما أن القوى العلمانية تدرك أن الانتخابات البرلمانية، تقوم في جزء مهم منها على الانتماءات السياسية والحزبية. والقوى العلمانية، ومعها أنصار النظام السابق، يظنون أن الانتخابات الرئاسية تمثل فرصة أفضل لهم، وكان هذا ظنهم قبل الانتخابات الرئاسية، والتي لم يحققوا فيها الفوز لذا تراهن القوى العلمانية على أن استغلال الفترة الاولى من ولاية الرئيس، والتي تشهد العديد من المشكلات المستعصية، بإشاعة حالة احباط في المجتمع، وتعميق حالة اليأس، وتوفير لحظة خاصة ومناخ خاص، يمكن أن يوفرا فرصة للقوى العلمانية وأنصار النظام السابق للوصول للحكم خاصة وان الانتخابات الرئاسية تدور حول شخص، مما يجعلها تختلف نسبياً عن الانتخابات البرلمانية.
خطأ الحسابات السياسية:
لم تدرك القوى العلمانية وأنصار النظام السابق، الحسابات السياسية الاجتماعية، التي تتشكل في المجتمع المصري، واصبح رهانها على تحقيق انتصار سياسي بأي ثمن، فالمجتمع المصري يتحول بعد الثورة من مجتمع لا حزبي إلى مجتمع حزبي، ومن مجتمع له توجهات ثقافية واجتماعية إلى مجتمع له إنتماءات سياسية واضحة، ومن مجتمع يتفرج على عالم السياسية، الى مجتمع يصنع هو عالم السياسة. فلم تدرك القوى العلمانية بعد، همية عامل الانتماء السياسي أو الحزبي، وهو عامل حاسم في تحديد نتائج الانتخابات، وهذا العامل يقوم اساسا على الانتماء السياسي لعامة الناس، وهو انتماء يحدد خيار كل فرد أو مجموعة للقوى السياسية التي تعبر عنه أو عنهم والانتماء السياسي يحدد أولاً الهوية السياسية للفرد، ثم يحدد بعد ذلك، الحزب الذي يختاره الناخب من الأحزاب التي تحمل تلك الهوية، وتلك مسألة مهمة، لان الاختيارات السياسية، لا تقوم فقط على تقييم اداء الأحزاب العملي والتطبيقي، ولا تقوم فقط على تقييم أداء الرئيس، بل تقوم اساسا على خيارات الهوية السياسية اولا، ثم بعد ذلك يأتي الخيار العملي التطبيقي. والمجتمع المصري، يشهد نمواً ملحوظاً للانتماءات السياسية والحزبية، بعد ان مارس عامة الناس حقهم في الانتخاب مما يعني ان الناخب اصبح له هوية سياسية يرتبط بها، ثم يبحث عن من يعبر عن تلك الهوية، ثم يبحث بين المعبرين عن تلك الهوية، عن الأكثر قدرة على تحقيق النجاح والإنجاز مما يعني ضمناً، ان الناخب يختار الحزب الذي ينتخبه على عدة مراحل، وحسب الأحزاب المتاحة والموجودة على الساحة كما أن الناخب عندما يحدد هويته السياسية اولاً، يبحث عن الأحزاب الكبرى المعبرة عن تلك الهوية، أي الاحزاب القادرة على تحقيق نجاح انتخابي، حتى لا يفتت أصوات المنتمين للهوية السياسية التي ينتمي لها، مما يؤثر سلبا على الأحزاب التي تعبر عن تلك الهوية. وهذه العناصر معاً، تجعل السلوك الانتخابي مرتابط اساسا بخيارات الهوية السياسية، والتي تمثل امتدادا للهوية الاجتماعية الثقافية الحضارية لهذا فمن يختار القوى العلمانية، يرتبط اساساً بالهوية العلمانية، ثم يختار بين الأحزاب العلمانية الحزب الذي يعبر عنه، والحزب الذي يتصور انه الأكبر والأكثر كفاءة وقدرة لهذا تحاول القوى العلمانية الهروب من صفتها العلمانية، متصورة انها تستطيع اخفاء تلك الهوية العلمانية، حتى تحصل على تأييد جماهير لا تؤيد الهوية العلمانية وهنا تتكرر الحسابات الخطأ، لان أي حزب غير اسلامي، هو حزب علماني بالضرورة، ولا يمكن ان يكون هناك حزب غير إسلامي، وغير علماني. كما لا توجد أحزاب بلا هوية، وربما تراهن قوى النظام السابق، وبعض القوى العلمانية، على ان يتوجه الناخب في الانتخابات بعيداً عن مسألة الهوية وهو أمر صعب تحقيقه لذا تتبع قوى النظام السابق خاصة، مخططا آخر، لانها الأكثر فهماً لطبيعة المجتمع، الذي استبدت به وسيطرت عليه حيث تحاول أن تجعل عامة الناس محاصرين بالاحباط واليأس، حتى لا يتمكنوا من تحديد اختيارهم بحرية، وحتى يصبحوا أسرى المشكلات المزمنة الراهنة، التي تسبب فيها النظام السابق ويتصور انصار النظام السابق، انه اذا غرق الناس في المشكلات بعد الثورة، فسوف يلجأون الى رموز النظام السابق، وكأنهم القادرون على حل تلك المشكلات العاجلة، رغم ان النظام السابق هو الذي تسبب فيها. لذا يراهن انصار النظام السابق، على تحقيق نجاح انتخابي في ظل انتخابات تغيب عنها خيارات الهوية السياسية حتى يتمكنوا من تحقيق انتصار انتخابي، وهو نفس ما حاوله مرشح النظام السابق في الانتخابات الرئاسية ولكن القوى العلمانية موقفها أضعف، حيث ان توجهها العلماني معروف، لذا فان حضورها السياسي والانتخابي، يستدعي بالضرورة مسألة الهوية السياسية ومشكلات انصار النظام السابق، انهم في حاجة لغطاء من قوى سياسية تنسب نفسها للثورة، لان قوى النظام السابق لا يمكن ان تنسب نفسها للثورة وفي نفس الوقت، فإن قوى النظام السابق تحاول تقديم نفسها بعيدا عن مسألة الهوية، وتركز على مسألة المصالح الآنية، ولكن تحالفها مع القوى العلمانية يفسد هذا الامر. وتجارب الدول الديمقراطية، تعطي أمثلة مهمة في السلوك الانتخابي، ففي الولايات المتحدة الامريكية انتخب الرئيس باراك أوباما من القاعدة الانتخابية المؤيدة للحزب الديمقراطي، وبها أغلب القاعدة الانتخابية للأمريكان من اصول لاتينية وآسيوية وإفريقية، حيث قدم باراك اوباما وعودا انتخابية عديدة للمهاجرين من اصول ملونة، او غير البيض وهي نفس الوعود والبرامج التي تميز الحزب الديمقراطية، عن الحزب الجمهوري وبعد نهاية ولاية باراك اوباما الاولى، ورغم ذلك انتخب من هذه القاعدة مرة اخرى واوضحت استطلاعات الرأى ان قاعدة الناخبين من غير البيض، لا يمكن ان تختار مرشح الحزب الجمهوري لهذا اختارت باراك أوباما على أساس الهوية السياسية وليس على أساس النجاح أو الفشل.
فهل فشل الرئيس؟
هل يمكن أساساً الحكم على نجاح أو فشل الرئيس قبل نهاية ولايته؟ الحقيقة أن أي رئيس يضع خطة عمل لفترة ولايته كلها، وليس لعام واحد فقط وكل المشكلات المزمنة، لا تحل من خلال الحلول العاجلة، بل من خلال الحلول طويلة الأجل لذا فالحكم على العام الأول للرئيس، هو مجرد حكم مرحلي وليس حكما نهائيا كما ان الرئيس يواجه مشكلات مزمنة ومتراكمة منذ عقود. وحل تلك المشكلات في عام، غير ممكن اساسا كما ان الرئيس واجه ظرفا خاصاً. لانه جاء بعد ثورة، وبالتالي يواجه حالة من الفوضى النسبية، وتردي اداء الدولة كما يواجه الرئيس شبكات النظام السابق، اي الدولة العميقة، التي تقاوم أي تغيير او إصلاح وما يواجه الرئيس يعد ظرفاً خاصا، شديد التعقيد، ولا يمكن التغلب على كل مشكلاته في عام واحد. ورغم خصوصية الظروف التي تواجه الرئيس محمد مرسي، فان اي رئيس في أية دولة وفي الظروف العادية لا يستطيع تحقيق انجاز ملموس وظاهر في عام واكثر من هذا نجد ان الدول المتقدمة ومنها امريكا، أن شعبية الرئيس في العام الاول من الولاية الا ولى، تكون اقل من الشعبية التي حصل عليها في الانتخا بات، فأغلب رؤساء الولايات المتحدة الامريكية، لم يستطيعوا الحصول على نفس درجة التأييد التي حصلوا عليها في الانتخابات، بعد العام لاول طبقا لاستطلاعات الرأي، رغم ان اغلبهم اعيد انتخابه لولاية ثانية، فاذا كان هذا ما يحدث في الاحوال العادية، وفي الدول المتقدمة، فيصبح من الطبيعي ان يحدث في الظروف الخاصة التي تواجه الرئيس محمد مرسي وهو يواجه مشكلات تراكمت عبر عقود، وليس سنوات!
وعامة الناس تحكم على الرئيس او الحكومة، من خلال النتائج الملموسة على ارض الواقع، واغلب المشكلات المزمنة تحتاج للعديد من المراحل لحلها، قبل ان تظهر نتائجها لذا يصبح الحكم الموضوعي على اداء الرئيس والحكومة، غير ممكن لعامة الناس، والتي تنتظر النتائج، ولا تتابع ما تحقق من اجل الوصول الى هذه النتائج وفي ظل الحصار الاعلامي المتعمد للرئيس والحكومة اصبح من الصعب على عامة الناس، معرفة ما تم من انجاز، حتى يكون لديهم امل في تحقيق نتائج نهائية، تغير الحالة العامة، وتحسن ظروف الحياة.
وهذا ما يكشف لنا أبعاد مخطط القوى العلمانية وانصار النظام السابق، فمن خلال توتير الحياة السياسية، ومخططات العرقلة والإفشال، والحصار الإعلامي الشامل، تحاول هذه القوى منع تحقيق اي انجاز او منع عامة الناس من معرفة ما يتحقق وهو ما يعني ان القوى العلمانية وانصار النظام السابق يخشون من نجاح الرئيس بل ان تصاعد وتيرة التصعيد السياسي من قبل هذه القوى، يعني انها تدرك ان محاولات عرقلة وافشال الرئيس، لا يمكن ان تستمر طويلا، وان بقاء الرئيس لنهاية ولايته، سيتيح له تحقيق النجاح كما ان تحقيق الاستقرار السياسي سيؤدي الى انكشاف خطط العرقلة والافشال مما سيؤدى الى إلحاق هزيمة بالقوى العلمانية وانصار النظام السابق.
الفشل لا يغير الهوية:
يقف امام مخططات القوى العلمانية للانقلاب على الديمقراطية دور الهوية السياسية في الاختيارات الانتخابية ففشل الرئيس اذا حدث لن يجعل صاحب الهوية الاسلامية علمانيا، والعكس ايضا صحيح فاذا فشل رئيس علماني فان الناخب العلماني لن يصبح اسلاميا ورغم ان تغير الخيارات السياسية وارد كما ان تغير الهوية السياسية وارد ايضا إلا ان هذه التغييرات فردية وليست جماعية، مما يجعل اثرها النهائي بسيطا هذا اذا كان لها اثر ظاهر، ففي الانتخابات الرئاسية مثلا، نجد من غير اختياره عن اختياره في انتخابات مجلس الشعب كما ان هناك فئة محدودة في المجتمع ليست لها هوية سياسية ثابتة، وايضا هناك فئة تغلب المصالح على الهوية، ولكن تلك الفئات التي تتأرجح في خياراتها السياسية، لا تمثل اغلبية كبيرة لان الاغلبية كما اوضحت نتائج الانتخابات والاستفتاءات مالت الى خيارات مرتبطة بهويتها السياسية سواء كانت هوية اسلامية او علمانية مما يعني ان نسبة التغير في خيارات الهوية لا تسمح بحدوث تحولات انتخابية كبرى. وفي الواقع نجد ان انصار القوى الاسلامية يبنون اختياراتهم على هوية محددة كما ان انصار القوى العلمانية يبنون خياراتهم على الهوية السياسية، اما انصار النظام السابق فيحددون خياراتهم تبعا لموقفهم الرافض للثورة، والرافض لاي تغيير او إصلاح بعد الثورة، مما يجعلهم في صف القوى العلمانية، لان النظام السابق مع استبداده كان علمانياً.ومعني هذا، ان القوى العلمانية وانصار النظام السابق، يراهنون على اختفاء الخيارات القائمة على الهوية، حتى يحققوا نصرا انتخابيا، ولكن اختفاء دور الهوية ان حدث، وهو لن يحدث، سيكون مؤقتاً، ثم يعود دور الهوية السياسية في الظهور مرة أخرى مما يعني أن أي نصر انتخابي، تبحث عنه القوى العلمانية وأنصار النظام السابق، إن تحقق، سيكون مؤقتاً، واستثناءً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.