كامل إدريس في نيويورك ... عندما يتفوق الشكل ع المحتوى    أيهما تُفَضَّل، الأمن أم الحرية؟؟    مباحث قسم الصناعات تنهي نشاط شبكة النصب والاحتيال عبر إستخدام تطبيق بنكك المزيف    عقار: لا تفاوض ولا هدنة مع مغتصب والسلام العادل سيتحقق عبر رؤية شعب السودان وحكومته    إجتماع بسفارة السودان بالمغرب لدعم المنتخب الوطني في بطولة الأمم الإفريقية    بولس : توافق سعودي أمريكي للعمل علي إنهاء الحرب في السودان    البرهان وأردوغان يجريان مباحثات مشتركة    شاهد بالصورة.. الطالب "ساتي" يعتذر ويُقبل رأس معلمه ويكسب تعاطف الآلاف    شاهد بالفيديو.. الفنانة ميادة قمر الدين تعبر عن إعجابها بعريس رقص في حفل أحيته على طريقة "العرضة": (العريس الفرفوش سمح.. العرضة سمحة وعواليق نخليها والرجفة نخليها)    شاهد بالفيديو.. أسرة الطالب الذي رقص أمام معلمه تقدم إعتذار رسمي للشعب السوداني: (مراهق ولم نقصر في واجبنا تجاهه وما قام به ساتي غير مرضي)    بالصورة.. مدير أعمال الفنانة إيمان الشريف يرد على أخبار خلافه مع المطربة وإنفصاله عنها    وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    بعثه الأهلي شندي تغادر إلى مدينة دنقلا    تراجع أسعار الذهب عقب موجة ارتفاع قياسية    عثمان ميرغني يكتب: لماذا أثارت المبادرة السودانية الجدل؟    الخارجية ترحب بالبيان الصحفي لجامعة الدول العربية    الفوارق الفنية وراء الخسارة بثلاثية جزائرية    نادي القوز ابوحمد يعلن الانسحاب ويُشكّل لجنة قانونية لاسترداد الحقوق    ياسر محجوب الحسين يكتب: الإعلام الأميركي وحماية الدعم السريع    محرز يسجل أسرع هدف في كأس أفريقيا    شاهد بالصور.. أسطورة ريال مدريد يتابع مباراة المنتخبين السوداني والجزائري.. تعرف على الأسباب!!    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    سر عن حياته كشفه لامين يامال.. لماذا يستيقظ ليلاً؟    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    إسحق أحمد فضل الله يكتب: كسلا 2    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    4 فواكه مجففة تقوي المناعة في الشتاء    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    شاهد بالصورة.. "كنت بضاريهم من الناس خائفة عليهم من العين".. وزيرة القراية السودانية وحسناء الإعلام "تغريد الخواض" تفاجئ متابعيها ببناتها والجمهور: (أول مرة نعرف إنك كنتي متزوجة)    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    انخفاض أسعار السلع الغذائية بسوق أبو حمامة للبيع المخفض    ضبط أخطر تجار الحشيش وبحوزته كمية كبيرة من البنقو    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    محافظ بنك السودان المركزي تزور ولاية الجزيرة وتؤكد دعم البنك لجهود التعافي الاقتصادي    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التمرد العلماني انقلاب على الديمقراطية..د. رفيق حبيب
نشر في الانتباهة يوم 16 - 07 - 2013

استمر تحالف القوى العلمانية في البحث عن مسارات بديلة لمسار التحول الديمقراطية. منذ سقوط النظام السابق، فبدأ بالدستور أولاً، ووصل إلى الدعوة لانتخابات رئاسية قبل موعدها الدستوري. وهي ليست الدعوة الأخيرة، بل هي واحدة من سلسلة الدعوات التي سوف تستمر مستقبلاً، وتهدف كلها للخروج من مسار العملية الديمقراطية، إلى مسار آخر، تظن القوى العلمانية أنه سيؤدي إلى وصولها للحكم. ومنذ انتخابات الرئاسة، توسع تحالف القوى العلمانية ليضم أنصار النظام السابق، وأصبح هذا التحالف هو الذي يقود عملية الانقلاب على الديمقراطية، ويحاول تغيير مسار العملية السياسية، حتى يعود النظام السابق للحكم، بدعم من القوى العلمانية، إذا كان هذا التحالف لا يضم كل القوى العلمانية، إلا أنه مع الوقت أصبح يضم أغلب القوى العلمانية، ولم يعد هناك حضور مؤثر لقوى علمانية، خارج إطار التحالف مع أنصار النظام السابق. فهل ينتصر هذا التحالف في النهاية؟ وهل يستطيع إسقاط الرئيس المنتخب؟ وهل يستطيع إخراج حزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان المسلمين من المعادلة السياسية، أو تحجيم دورهما؟ وهل ينجح الانقلاب على الديمقراطية، وتنجح الثورة المضادة، وتعود مصر إلى مربع ما قبل الثورة؟
التمرد العلماني:
في كل خطوة من خطوات مسار العملية الديمقراطية، تمردت القوى العلمانية على نتائج صندوق الانتخاب، وحاولت دفع البلاد إلى مسار بعيد عن الاحتكام لصندوق الاقتراع في العديد من المرات، ثم حاولت إعادة الانتخابات في مرات أخرى.
ففي البداية حاولت القوى العلمانية بكل السبل، أن تشكل لجنة لوضع الدستور معينة، وبدون انتخابات، حتى تهيمن عليها النخب العلمانية، وتضع الدستور المناسب لها وكان هدف القوى العلمانية هو وضع دستور، يذكر مرجعية الشريعة الإسلامية، ولكن بصورة تسمح بتقييدها وتفريغها من معناها وعملت القوى العلمانية على حل اللجنة التأسيسية ومجلس الشعب المنتخب، بعدما فشلت في تأجيل الانتخابات، بدعم من الذراع القضائي للنظام السابق، حتى تلغي نتائج الإرادة الشعبية. لكن القوى العلمانية فشلت في وقف عمل اللجنة التأسيسية الثانية، وفشلت في وقف الاستفتاء على الدستور، رغم موجة العنف التي قامت بها ثم استطاعت تلك القوى من خلال الذراع القضائي للنظام السابق، تأجيل انتخابات مجلس النواب الجديد، وأكدت على محاولة إسقاط الرئيس. ويلاحظ أن القوى العلمانية وقوى النظام السابق، حققوا نجاحات جزئية ومؤقتة، بسبب أحكام قضائية، ولكنهم لم يحققوا أي نجاح من خلال مخططات العنف والفوضى. وفي مرات تظهر دعوات لإسقاط الرئيس المنتخب، وتشكيل مجلس رئاسي، لحكم البلاد لفترة انتقالية، ومرات أخرى تظهر الدعوة إلى انتخابات رئاسية قبل موعدها الدستوري فالقوى العلمانية وأنصار النظام السابق، يراهنون على أن إعادة الانتخابات الرئاسية، سوف يتيح لهم فرصة للوصول للسلطة، نظراً لما يرونه من فشل للرئيس في حل المشكلات العاجلة، حيث يراهنون على أن ضغط المشكلات الآنية، يوفر لهم فرصة للفوز بمقعد الرئاسة، قد لا تكون متاحة لهم عند نهاية فترة الرئيس.
الإفشال المتعمد
لجأت القوى العلمانية إلى إثارة حالة من التوتر السياسي، ونشر حالة من العنف والفوضى، حتى تفشل الرئيس، وتعرقل أي تقدم يمكن أن يتحقق، حتى لا يستطيع الرئيس والحكومة، تحقيق نتائج ملموسة على الأرض، وكان أول ما ركزت عليه القوى العلمانية، هو تعميق حالة التوتر، حتى تعرقل الاتفاق مع صندوق النقد الدولي وتضرب حركة السياحة، حتى تضغط على سعر العملة المحلية، لرفع سعر الدولار، وهو ما يؤثر سلباً على الحالة المعنوية لعامة الناس. أما أنصار النظام السابق، فكان عليهم مهمة عرقلة أي حل يتم في المشكلات العاجلة اساسا، خاصة مشكلة الوقود والكهرباء، حتى تزيد حجم المشكلات، ومدى تكرارها، مما يتسبب في حالة إحباط عام، يتم استغلالها لإسقاط الرئيس وقامت وسائل الإعلام العلمانية، وسائل إعلام النظام السابق، بنشر حالة من الإحباط واليأس، ونشر الإشاعات والمعلومات المغلوطة وإبراز المشكلات، وافتعال مشكلات، وتجاهل كل إنجاز يتحقق. ومحاولة الإفشال لا ترتبط بدور المعارضة السياسية، والتي يفترض أن تعمل من أجل المصلحة العامة، وتوضح لعامة الناس برنامجها، وتحاول إقناع عامة الناس، ان برنامجها وأسلوبها أفضل، حتى يتم انتخابها ولكن القوى التي تعمل من أجل افشال المنتخب، حتى تنجح في الانتخابات، تنقلب ضمناً على العملية الديمقراطية، وتنقلب ايضاً على الثورة لأن عمليات التخريب والعنف والفوضى ليست ممارسة سياسية، بقدر ما هي انقلاب مخطط على العملية الديمقراطية وفشل العملية الديمقراطية، يؤدى إلى فشل الثورة، لأن الثورة حررت المجتمع وسمحت أن يكون هو صاحب السلطة، ومحاولات هزيمة الخيارات الشعبية، تؤدى إلى إفشال الإرادة الشعبية، ومن ثم عرقلت التحول الديمقراطي، وعرقلت مسار الثورة. ولقد كان رهان القوى العلمانية وأنصار النظام السابق، على أن عملية الافشال المتعمد سوف تعمق من المشكلات لحد يقلص شعبية الرئيس وحزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان المسلمين وتصورت تلك القوى أنها يمكن أن تعمل من أجل إفشال الرئيس ثم تجبره على خوض انتخابات رئاسية جديدة في الوقت الذي تحدده وفي كل الأحوال، لا يحق لاية قوة سياسية فرض موعد للانتخابات، أي لا يحق لها أن تحدد الموعد الذي تعتقد أنه أنسب لها، لأن الانتخابات لها مواعيد دستورية، مرتبطة بنهاية الولاية الانتخابية.
لماذا الرئاسية؟
رغم أن القوى العلمانية عملت على تأجيل الانتخابات البرلمانية، إلا أنها تعمل من أجل فرض انتخابات رئاسية قبل موعدها الدستوري رغم أنه من يستطيع النجاح في الانتخابات الرئاسية، يفترض أن يتمكن من تحقيق نجاح في الانتخابات البرلمانية ولكن القوى العلمانية وأنصار النظام السابق، يخشون من عدم قدرتهم على تحقيق تحالف شامل لكل أحزابهم في الانتخابات البرلمانية، كما يدركون أنه من الصعب عليهم مجتمعين، تحقيق أغلبية مطلقة في انتخابات مجلس النواب كما أن القوى العلمانية تدرك أن الانتخابات البرلمانية، تقوم في جزء مهم منها على الانتماءات السياسية والحزبية. والقوى العلمانية، ومعها أنصار النظام السابق، يظنون أن الانتخابات الرئاسية تمثل فرصة أفضل لهم، وكان هذا ظنهم قبل الانتخابات الرئاسية، والتي لم يحققوا فيها الفوز لذا تراهن القوى العلمانية على أن استغلال الفترة الاولى من ولاية الرئيس، والتي تشهد العديد من المشكلات المستعصية، بإشاعة حالة احباط في المجتمع، وتعميق حالة اليأس، وتوفير لحظة خاصة ومناخ خاص، يمكن أن يوفرا فرصة للقوى العلمانية وأنصار النظام السابق للوصول للحكم خاصة وان الانتخابات الرئاسية تدور حول شخص، مما يجعلها تختلف نسبياً عن الانتخابات البرلمانية.
خطأ الحسابات السياسية:
لم تدرك القوى العلمانية وأنصار النظام السابق، الحسابات السياسية الاجتماعية، التي تتشكل في المجتمع المصري، واصبح رهانها على تحقيق انتصار سياسي بأي ثمن، فالمجتمع المصري يتحول بعد الثورة من مجتمع لا حزبي إلى مجتمع حزبي، ومن مجتمع له توجهات ثقافية واجتماعية إلى مجتمع له إنتماءات سياسية واضحة، ومن مجتمع يتفرج على عالم السياسية، الى مجتمع يصنع هو عالم السياسة. فلم تدرك القوى العلمانية بعد، همية عامل الانتماء السياسي أو الحزبي، وهو عامل حاسم في تحديد نتائج الانتخابات، وهذا العامل يقوم اساسا على الانتماء السياسي لعامة الناس، وهو انتماء يحدد خيار كل فرد أو مجموعة للقوى السياسية التي تعبر عنه أو عنهم والانتماء السياسي يحدد أولاً الهوية السياسية للفرد، ثم يحدد بعد ذلك، الحزب الذي يختاره الناخب من الأحزاب التي تحمل تلك الهوية، وتلك مسألة مهمة، لان الاختيارات السياسية، لا تقوم فقط على تقييم اداء الأحزاب العملي والتطبيقي، ولا تقوم فقط على تقييم أداء الرئيس، بل تقوم اساسا على خيارات الهوية السياسية اولا، ثم بعد ذلك يأتي الخيار العملي التطبيقي. والمجتمع المصري، يشهد نمواً ملحوظاً للانتماءات السياسية والحزبية، بعد ان مارس عامة الناس حقهم في الانتخاب مما يعني ان الناخب اصبح له هوية سياسية يرتبط بها، ثم يبحث عن من يعبر عن تلك الهوية، ثم يبحث بين المعبرين عن تلك الهوية، عن الأكثر قدرة على تحقيق النجاح والإنجاز مما يعني ضمناً، ان الناخب يختار الحزب الذي ينتخبه على عدة مراحل، وحسب الأحزاب المتاحة والموجودة على الساحة كما أن الناخب عندما يحدد هويته السياسية اولاً، يبحث عن الأحزاب الكبرى المعبرة عن تلك الهوية، أي الاحزاب القادرة على تحقيق نجاح انتخابي، حتى لا يفتت أصوات المنتمين للهوية السياسية التي ينتمي لها، مما يؤثر سلبا على الأحزاب التي تعبر عن تلك الهوية. وهذه العناصر معاً، تجعل السلوك الانتخابي مرتابط اساسا بخيارات الهوية السياسية، والتي تمثل امتدادا للهوية الاجتماعية الثقافية الحضارية لهذا فمن يختار القوى العلمانية، يرتبط اساساً بالهوية العلمانية، ثم يختار بين الأحزاب العلمانية الحزب الذي يعبر عنه، والحزب الذي يتصور انه الأكبر والأكثر كفاءة وقدرة لهذا تحاول القوى العلمانية الهروب من صفتها العلمانية، متصورة انها تستطيع اخفاء تلك الهوية العلمانية، حتى تحصل على تأييد جماهير لا تؤيد الهوية العلمانية وهنا تتكرر الحسابات الخطأ، لان أي حزب غير اسلامي، هو حزب علماني بالضرورة، ولا يمكن ان يكون هناك حزب غير إسلامي، وغير علماني. كما لا توجد أحزاب بلا هوية، وربما تراهن قوى النظام السابق، وبعض القوى العلمانية، على ان يتوجه الناخب في الانتخابات بعيداً عن مسألة الهوية وهو أمر صعب تحقيقه لذا تتبع قوى النظام السابق خاصة، مخططا آخر، لانها الأكثر فهماً لطبيعة المجتمع، الذي استبدت به وسيطرت عليه حيث تحاول أن تجعل عامة الناس محاصرين بالاحباط واليأس، حتى لا يتمكنوا من تحديد اختيارهم بحرية، وحتى يصبحوا أسرى المشكلات المزمنة الراهنة، التي تسبب فيها النظام السابق ويتصور انصار النظام السابق، انه اذا غرق الناس في المشكلات بعد الثورة، فسوف يلجأون الى رموز النظام السابق، وكأنهم القادرون على حل تلك المشكلات العاجلة، رغم ان النظام السابق هو الذي تسبب فيها. لذا يراهن انصار النظام السابق، على تحقيق نجاح انتخابي في ظل انتخابات تغيب عنها خيارات الهوية السياسية حتى يتمكنوا من تحقيق انتصار انتخابي، وهو نفس ما حاوله مرشح النظام السابق في الانتخابات الرئاسية ولكن القوى العلمانية موقفها أضعف، حيث ان توجهها العلماني معروف، لذا فان حضورها السياسي والانتخابي، يستدعي بالضرورة مسألة الهوية السياسية ومشكلات انصار النظام السابق، انهم في حاجة لغطاء من قوى سياسية تنسب نفسها للثورة، لان قوى النظام السابق لا يمكن ان تنسب نفسها للثورة وفي نفس الوقت، فإن قوى النظام السابق تحاول تقديم نفسها بعيدا عن مسألة الهوية، وتركز على مسألة المصالح الآنية، ولكن تحالفها مع القوى العلمانية يفسد هذا الامر. وتجارب الدول الديمقراطية، تعطي أمثلة مهمة في السلوك الانتخابي، ففي الولايات المتحدة الامريكية انتخب الرئيس باراك أوباما من القاعدة الانتخابية المؤيدة للحزب الديمقراطي، وبها أغلب القاعدة الانتخابية للأمريكان من اصول لاتينية وآسيوية وإفريقية، حيث قدم باراك اوباما وعودا انتخابية عديدة للمهاجرين من اصول ملونة، او غير البيض وهي نفس الوعود والبرامج التي تميز الحزب الديمقراطية، عن الحزب الجمهوري وبعد نهاية ولاية باراك اوباما الاولى، ورغم ذلك انتخب من هذه القاعدة مرة اخرى واوضحت استطلاعات الرأى ان قاعدة الناخبين من غير البيض، لا يمكن ان تختار مرشح الحزب الجمهوري لهذا اختارت باراك أوباما على أساس الهوية السياسية وليس على أساس النجاح أو الفشل.
فهل فشل الرئيس؟
هل يمكن أساساً الحكم على نجاح أو فشل الرئيس قبل نهاية ولايته؟ الحقيقة أن أي رئيس يضع خطة عمل لفترة ولايته كلها، وليس لعام واحد فقط وكل المشكلات المزمنة، لا تحل من خلال الحلول العاجلة، بل من خلال الحلول طويلة الأجل لذا فالحكم على العام الأول للرئيس، هو مجرد حكم مرحلي وليس حكما نهائيا كما ان الرئيس يواجه مشكلات مزمنة ومتراكمة منذ عقود. وحل تلك المشكلات في عام، غير ممكن اساسا كما ان الرئيس واجه ظرفا خاصاً. لانه جاء بعد ثورة، وبالتالي يواجه حالة من الفوضى النسبية، وتردي اداء الدولة كما يواجه الرئيس شبكات النظام السابق، اي الدولة العميقة، التي تقاوم أي تغيير او إصلاح وما يواجه الرئيس يعد ظرفاً خاصا، شديد التعقيد، ولا يمكن التغلب على كل مشكلاته في عام واحد. ورغم خصوصية الظروف التي تواجه الرئيس محمد مرسي، فان اي رئيس في أية دولة وفي الظروف العادية لا يستطيع تحقيق انجاز ملموس وظاهر في عام واكثر من هذا نجد ان الدول المتقدمة ومنها امريكا، أن شعبية الرئيس في العام الاول من الولاية الا ولى، تكون اقل من الشعبية التي حصل عليها في الانتخا بات، فأغلب رؤساء الولايات المتحدة الامريكية، لم يستطيعوا الحصول على نفس درجة التأييد التي حصلوا عليها في الانتخابات، بعد العام لاول طبقا لاستطلاعات الرأي، رغم ان اغلبهم اعيد انتخابه لولاية ثانية، فاذا كان هذا ما يحدث في الاحوال العادية، وفي الدول المتقدمة، فيصبح من الطبيعي ان يحدث في الظروف الخاصة التي تواجه الرئيس محمد مرسي وهو يواجه مشكلات تراكمت عبر عقود، وليس سنوات!
وعامة الناس تحكم على الرئيس او الحكومة، من خلال النتائج الملموسة على ارض الواقع، واغلب المشكلات المزمنة تحتاج للعديد من المراحل لحلها، قبل ان تظهر نتائجها لذا يصبح الحكم الموضوعي على اداء الرئيس والحكومة، غير ممكن لعامة الناس، والتي تنتظر النتائج، ولا تتابع ما تحقق من اجل الوصول الى هذه النتائج وفي ظل الحصار الاعلامي المتعمد للرئيس والحكومة اصبح من الصعب على عامة الناس، معرفة ما تم من انجاز، حتى يكون لديهم امل في تحقيق نتائج نهائية، تغير الحالة العامة، وتحسن ظروف الحياة.
وهذا ما يكشف لنا أبعاد مخطط القوى العلمانية وانصار النظام السابق، فمن خلال توتير الحياة السياسية، ومخططات العرقلة والإفشال، والحصار الإعلامي الشامل، تحاول هذه القوى منع تحقيق اي انجاز او منع عامة الناس من معرفة ما يتحقق وهو ما يعني ان القوى العلمانية وانصار النظام السابق يخشون من نجاح الرئيس بل ان تصاعد وتيرة التصعيد السياسي من قبل هذه القوى، يعني انها تدرك ان محاولات عرقلة وافشال الرئيس، لا يمكن ان تستمر طويلا، وان بقاء الرئيس لنهاية ولايته، سيتيح له تحقيق النجاح كما ان تحقيق الاستقرار السياسي سيؤدي الى انكشاف خطط العرقلة والافشال مما سيؤدى الى إلحاق هزيمة بالقوى العلمانية وانصار النظام السابق.
الفشل لا يغير الهوية:
يقف امام مخططات القوى العلمانية للانقلاب على الديمقراطية دور الهوية السياسية في الاختيارات الانتخابية ففشل الرئيس اذا حدث لن يجعل صاحب الهوية الاسلامية علمانيا، والعكس ايضا صحيح فاذا فشل رئيس علماني فان الناخب العلماني لن يصبح اسلاميا ورغم ان تغير الخيارات السياسية وارد كما ان تغير الهوية السياسية وارد ايضا إلا ان هذه التغييرات فردية وليست جماعية، مما يجعل اثرها النهائي بسيطا هذا اذا كان لها اثر ظاهر، ففي الانتخابات الرئاسية مثلا، نجد من غير اختياره عن اختياره في انتخابات مجلس الشعب كما ان هناك فئة محدودة في المجتمع ليست لها هوية سياسية ثابتة، وايضا هناك فئة تغلب المصالح على الهوية، ولكن تلك الفئات التي تتأرجح في خياراتها السياسية، لا تمثل اغلبية كبيرة لان الاغلبية كما اوضحت نتائج الانتخابات والاستفتاءات مالت الى خيارات مرتبطة بهويتها السياسية سواء كانت هوية اسلامية او علمانية مما يعني ان نسبة التغير في خيارات الهوية لا تسمح بحدوث تحولات انتخابية كبرى. وفي الواقع نجد ان انصار القوى الاسلامية يبنون اختياراتهم على هوية محددة كما ان انصار القوى العلمانية يبنون خياراتهم على الهوية السياسية، اما انصار النظام السابق فيحددون خياراتهم تبعا لموقفهم الرافض للثورة، والرافض لاي تغيير او إصلاح بعد الثورة، مما يجعلهم في صف القوى العلمانية، لان النظام السابق مع استبداده كان علمانياً.ومعني هذا، ان القوى العلمانية وانصار النظام السابق، يراهنون على اختفاء الخيارات القائمة على الهوية، حتى يحققوا نصرا انتخابيا، ولكن اختفاء دور الهوية ان حدث، وهو لن يحدث، سيكون مؤقتاً، ثم يعود دور الهوية السياسية في الظهور مرة أخرى مما يعني أن أي نصر انتخابي، تبحث عنه القوى العلمانية وأنصار النظام السابق، إن تحقق، سيكون مؤقتاً، واستثناءً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.