رغم أن الحكومة قد أعلنت قفل أنابيب النفط الجنوبي الذي سمحت بإطلاق سراحه تماشياً مع الظروف الإنسانية التي تعيشها جوبا وإنسان جوبا، بعد مفاوضات استمرت لفترة ليست بالقصيرة، انتهت باتفاق أحسب أنها الأكثر تأثيراً على الاطلاق من واقع الحياة التي اعترت مسيرة البلدين. وقد قوبلت تلك الاتفاقية بارتياح كبير هنا وهناك، وكانت فرحة جوبا أعمق بحسب الكثيرين الذين ظلوا يتابعون الأوضاع عن كثب. ولما لم تعمل حكومة جوبا بصدق لإنزال هذه الاتفاقيات إلى التطبيق وإعطائها الثوب المناسب من الصدق والجدية وحسن التوجه، انطلقت منها ما عكر صفو الخطوة التي اتخذتها الخرطوم التي أعلنت مباشرة إغلاق أنابيب النفط في ردة فعل قوية لما ظلت ترتكبه جوبا من دعم للجبهة الثورية ولحاملي السلاح واستضافتهم والقيام بالدور التنسيقي لأعمالها العدائية تجاه الخرطوم، الشيء الذي يخالف نص وروح الاتفاق الذي بموجبه تم تمرير بترول الجنوب وقد رفع السودان شكواه ضد دولة الجنوب للجهات الوسيطة والمراقبة للاتفاق الشهير، فيما ظل الجنوب يكرر نكرانه لكل الدعاوى التي رفعها السودان ضده، وقام خلال ذلك بتفنيد كل التهم. ولم يلبث الوضع كثيراً إذ ثبتت دعاوى الخرطوم ضد جوبا في دعمها الذي لم يتوقف أبداً للجبهة الثورية والحركات المسلحة بحسب تصريحات الرئيس عمر البشير ووزير الخارجية. فقد أعلنت جوبا ترتيبها لاجتماع الجبهة الثورية هذه الأيام بغرض التنسيق والاستشارة للانقضاض على الخرطوم بحسب زعمهم. وقد كشف الرئيس البشير عن توافر معلومات بأن دولة الجنوب تعكف على تقديم دعم جديد للحركات المسلحة والمتمردين في السودان فيما أعتبر كرتي دعم جوبا عقبة كؤوداً أمام تحسن العلاقات بين البلدين وأنه يمنع تطبيق اتفاقيات التعاون بأديس أبابا. ولفت إلى أن الدعم سيجعل العلاقة بين البلدين متوترة. ويقول الدكتور محمد الأمين المحلل السياسي والخبير الإستراتيجي ل «الإنتباهة» إن الجنوب دولة بها أكثر من مصدر قوة ومصدر لإطلاق وإصدار القرار، لذلك تأتي خطوات جوبا متضاربة حيال الاتفاقيات التي توقعها مع السودان، وقال مضيفاً إن الحال عندهم أصبح مثاراً للجدل حتى لدى المعارضة نفسها التي تجد نفسها مجبورة على التعامل مع وضع كهذا، رغم خطورة ذلك عليهم، إذ أن بوادر الاختلاف داخل نظام الجنوب بالإمكان الاتفاق حولها مما يجعل الحركات المتمردة على فوهة البركان حال الوصول إلى اتفاق أشبع رغبات القيادات الجنوبية، رغم أن التحالفات التكتيكية مقبولة في عالم السياسة، ولكن قادة الجنوب جنرالات حرب لا يفقهون كثيراً في السياسة. وبحسب شهود عيان تحدثوا لوسائل الإعلام، فإن ممثلي قيادات الجبهة الثورية والحركات المتمردة وصلوا إلى جوبا قبل انتقالهم إلى العاصمة اليوغندية كمبالا. وقال شهود بحسب الرأي العام إن المتمرد أحمد آدم بخيت القيادي بحركة العدل و المساواة التحق بوفد رئيس الحركة جبريل إبراهيم الذي وصل جوبا قبل عدة أيام، ومن المنتظر حسب مصادر مقربة من أن يكون قد وصل أمس الأول قادماً من بانتيو وفد يضم قيادات عسكرية من قطاع الشمال من المقرر أن تشارك في اجتماعات كمبالا التي يسبقها لقاء تشاوري بجوبا غداً الجمعة، وأفادت الأنباء أن عبد العزيز الحلو وجبريل إبراهيم قد وصلا جوبا من ولاية الوحدة. ورغم ثبوت دعم الجنوب للمعارضة السودانية بما لا يدع مجالاً للشك إلا أن حزب المؤتمر الوطني الحاكم ما زال يأمل في أن تعود جوبا إلى رشدها وتعمل على تنفيذ الاتفاقيات المشتركة قبل اكتمال فترة الستين التي حددتها اتفاقية تمرير البترول الجنوبي للتصدير في حال الوصول لطريق مسدود بشأن الاتفاق حال البدء في تمريره كاحتراز للجوانب الفنية المتعلقة بسلامة الأنابيب وضمان الصلاحية، ودعا صديق حامد رئيس قطاع التنظيم بالمؤتمر الوطني الجنوب إلى الإسراع في تنفيذ الاتفاقيات لتجاوز قرار إيقاف ضخ النفط عبر الأراضي السودانية الذي دافع عنه باستماتة، مؤكداً أنه قرار منطقي وعادل لحماية مصالح الدولة في وقت رفض الجنوب تطبيق الاتفاق، مضيفاً أن على جوبا إذا كانت تريد مصلحتها يتوجب عليها الالتزام بروح ونص الاتفاق بينها والخرطوم، وقال إن ما تبقى من المهلة كافٍ لتنفيذ الاتفاقيات مع جوبا ومقترحات الوسيط الإفريقي ثابو أمبيكي.