من المعلوم أن البحث عن الذهب وفَّر فرص عمل كثيرة لقطاعات كبيرة من فئات الشعب السوداني كما أنه ساهم بطريقة مباشرة في زيادة دخل الفرد بل في التحول الكبير لبعض «المحظوظين» وانتقالهم من دائرة الفقر إلى دائرة الأثرياء بين ليلة وضحاها، ولكن من يتجول في حقول الذهب ومن يغبر أرجله في تلك المواقع يشفق على حال تلك الفئات البشرية التي لا تعير صحتها أي اهتمام بل ما إن تصل «هذه الفئات» إلى مواقع التعدين حتى يصبح كل همها هو الحصول على «كنز الذهب» وبأي وسيلة كانت ومن المؤسف حقًا أن الحالة الاقتصادية عامة جعلت العديد من العمال يتجهون إلى هذه المهن الشاقة وهم لا يبالون بما يحيط بهم من مخاطر، ولا يهتمون بما يمكنهم من الحفاظ على صحتهم الغالية، ومن أمثلة ذلك فإن بموقع سوق الذهب بدلقو مثلاً هناك ما لايقل عن «350» طاحونة للذهب وكل واحدة منها تعمل بطريقتها الخاصة، ومما يثير الشفقة على هؤلاء حقًا أن الذين يعملون في هذه الطواحين لا يبالون بما يتصاعد من هذا الغبار الحجري الضار وربما لا تستطيع أن تميز ملامح الشخص من كثره ما عليه من الأتربة ولا تجد واحدًا منهم يكلف نفسه ليستخدم «كمامة» أنف حفاظًا على صحته، ومن هنا تبرز أهمية الإرشاد والتثقيف الصحي من قبل الجهات المعنية حتى لا تضيع هذه الطاقة البشرية من الشباب بمثل هذه التصرفات الخاطئة وهم في مثل هذه الأعمار الصغيرة، ويوجد بالولاية الشمالية عدد من المواقع للتنقيب عن الذهب بكل من محليات «حلفا دلقو البرقيق دنقلا» حيث اتجه إليها المنقبون من شتى ولايات السودان المختلفة.. «الإنتباهة» قامت بزيارة إلى هناك لاستجلاء حقيقة الواقع والتقت عددًَا من العاملين في هذا المجال، حيث يرى العامل صالح جاه الرسول وهو عامل في إحدى طواحين الذهب بسوق دلقو أن المشكلات التي تواجههم تتمثل في عدم وجود تهوية جيدة في موقع السوق ومن المشكلات الصحية الخطرة التي تهدد المنقبين «التعامل مع الزئبق» وهذا الغاز السام يتعامل معه الصاغة والمنقبون بكل عفوية ويشير المهندس/ علي محمد المختص في مجال البترول إلى أن التعامل مع الزئبق يحتاج إلى حذر شديد موضحًا أن هذا السائل يسمى بالزئبق السام ومن مخاطره أن استنشاقه بصورة متواصلة دون حماية يؤدي إلى الفشل الكلوي مشيرًا إلى خطورة التعامل مع الزئبق بهذه العفوية التي نشاهدها من قبل عمال الطواحين، وأضاف «إن الزئبق يفرز غازات خانقة وهو غاز « «h2s مثل غاز ثاني أكسيد الكربون، وأضاف «أن حرق الزئبق المخلوط مع الذهب له مضار عديدة علي المدى البعيد كما يؤثر مباشرة على الكلى» ويضيف أما «حجر الكركارة» وهو الذي يستخلص منه الذهب فله أيضًا مضار كبيرة على صحة الإنسان عندما يتم طحنه ويتصاعد منه الغبار فيسري في جسد الإنسان مسببًا له العديد من المشكلات ومن المؤسف أن كل المنقبين والعاملين في الطواحين يتجاهلون هذه الأخطار الحقيقية وناشد الجهات المختصة أن تقوم بعمل مكاتب تابعة لوزارة المعادن للوقوف على سير العمل وتقديم الإرشادات والنصائح لسلامة المنقبين وبالرغم من أن المحلية أوجدت بسوق دلقو وحدة صحية مصغرة إلا أن حجم الأعداد الموجودة بمواقع التنقيب تحتاج إلى عيادة متكاملة لمواجهة الحالات الطارئة، وإذا كانت هذه معاناة المنقبين من الناحية الصحية فإن معاناة أصحاب شركات التعدين ليست بأحسن حالاً من معاناة المنقبين وذلك فيما يتعلق بعملية التنقيب. ويرى أحد المهندسين وهو صاحب شركة تعدين فضَّل حجب اسمه أن معاناة أصحاب الشركات السودانية تتمثل في عدم منحهم تصاديق للعمل وأضاف: «في الوقت الذي تجد فيه الشركات الأجنبية تساهيل منقطعة النظير من الجهات المختصة نواجه نحن أصحاب الشركات السودانية مشكلات كبيرة تتمثل في الحصول على تصاديق من وزارة الطاقة والتعدين، وأكدوا أنهم على استعداد لتدريب و تعليم أبناء الشمالية طريقة التعدين والاستفادة من هذه العمالة لتوظيفها في الشركات السودانية ولكننا دائمًا ما نفاجأ بالشركات الأجنبية تستولي على مناطق كبيرة في التعدين ونعاني نحن في الحصول على تصاديق للتنقيب في مساحة صغيرة. عمومًا تبقى هذه المخاطر مشتركة في كل المواقع وبما أن موقع «القعب» غربي دنقلا جذب أكبر عدد من المنقبين بالشمالية فإن دور الجهات الصحية يتعاظم تجاه هذه الفئات في هذا الموقع وذلك من أجل الحفاظ على صحة المنقبين من المخاطر المتعددة التي تواجههم.