في مثل هذه الأيام وتحديداً في الثامن عشر من يوليو، عام 65 ميلادية حدث حريق روما الشهير الذي دبره ونفذه الطاغية الإمبراطور نيرون وهو يستمتع بمنظر النيران تشتعل في روما لمدة ستة أيام وسبع ليال وهو يتغنى بأشعار هوميروس كما جاء في المصادر المختلفة وبأشعاره وهو يعزف على القيثارة. تقول المصادر: «وبدأت النيران من القاعدة الخشبية للسيرك الكبير حيث شبَّت فيها النيران وانتشرت بشدة لمدة أسبوع في أنحاء روما، والتهمت النيران عشرة أحياء من جملة أحياء المدينة الأربعة عشر، وبينما كانت النيران تتصاعد والأجساد تحترق وفى وسط صراخ الضحايا كان نيرون جالساً في برج مرتفع يتسلى بمنظر الحريق الذي خلب لبه وبيده آلة الطرب يغنى أشعار «هوميروس» التي يصف فيها حريق «طروادة». وهلك في هذا الحريق آلاف من سكان روما واتجهت أصابع اتهام الشعب والسياسييّن تشير إليه أنه هو المتسبب في هذا الحريق المتعمد، وتهامس أهل روما بالأقاويل عليه وتعالت كلماتهم وتزايدت كراهية الشعب نحوه، وأصبح يحتاج إلى كبش فداء يضعه متهماً أمام الشعب وكان أمامه اختياران إما اليهود أو المسيحية الحديثة في روما، ولكن كان اليهود تحت حماية بوبياسبينا إحدى زوجات نيرون، فألصق التهمة بالمسيحيين، وبدأ يلهِّي الشعب في القبض على المسيحيين واضطهادهم وسفك دمائهم بتقديمهم للوحوش الكاسرة أو حرقهم بالنيران أمام أهل روما في الستاديوم وفى جميع أنحاء الإمبراطورية حتى إن مؤهلات الولاة الذين كانوا يتولون الأقاليم هو مدى قسوتهم في قتل المسيحيين، وسيق أفواج من المسيحيين لإشباع رغبة الجماهير في رؤية الدماء، وعاش المسيحيون في سراديب تحت الأرض وفى الكهوف وما زالت كنائسهم وأمواتهم إلى الآن يزورها السياح». نيرون تولى الحكم وهو في السادسة عشرة من العمر بعد مؤامرات خبيثة من أمه التي قتلها فيما بعد وزوجته التي ألحقها بأمه. فشل «نيرون» في الساحة السياسية والعسكرية وسيطرت عليه فكرة انه كان بارعًا في الغناء والتمثيل. فكان يخرج إلى اليونان ويطوف مدنها يحصد الجوائز في مجال التمثيل والغناء. جوائز لا تجرؤ لجان تحكيمها أن ينتقدوه أو يعطوا الجائزة الأولى لغيره في كل المجالات التي يدخل فيها. كان يسير في جيش من الممثلين والمغنين يحملون أوسمته وجوائزه ويدخل بها إلى روما دخول الجيش المظفر العائد من ميدان المعركة في هذا الوقت كان ينظر للممثلين والمغنين نظرة دونية من قبل باعتبارهم مهرجين يقومون بهذه الأعمال من أجل الكسب. فكان الاحتقار هو السمة الأساسية التي يوصم بها الممثل عندما يفرغ من مسرحيته ثم يتوسل للجمهور ليصفق له. ومع إصرار «نيرون» على ممارسة التمثيل والغناء، فقد زاد ذلك من حنق الشعب عليه. وكان نيرون يستدعي في كل الأوقات معلمه سينيكا ليحضر بروفاته وأشعاره وأغانيه ويطلب منه أن يبدي إعجابه بتلك الأغاني والأشعار وكان معلمه سينيكا يجد مشقة كبيرة في حضور تلك البروفات المملة وكان عليه طيلة الوقت أن يقول إنها من عبقريات نيرون تماماً مثل لجنة التحكيم في برنامج نجوم الغد التي لا تجد شيئاً جديداً تقوله غير الكلام المكرور المعاد الذي نستمع له كل مرة. وأخيراً عندما ضاق المعلم سينيكا ذرعاً بذلك العذاب اليومي ترك مذكرة لنيرون يقول فيها : ( أستطيع أن أتحمل كل حماقاتك وغباواتك .. لكنني لم أستطع أن أتحمل غناءك وأشعارك الكريهة ولهذا قررت أن أنتحر» وتحسى سماً فمات. ولكن نيرون أصر أنه لن يسامحه لأنه لم يأخذ إذنه عندما قرر أن ينتحر. «المتتبع لتاريخ روما يدرك ان الحكم المبراطوري كان ينتقل في الغالب بالمكيده وقتل الإمبراطور حتى يصل عرش الحكم لغيره، وبالنسبة لنيرون فكانت نهايته لا تختلف كثيرًا عن غيره ممن سبقوه. فبعد المذابح والحرائق التي اشعل بها روما انصرف إلى اليونان ليمارس هوايته في الغناء والرقص والتمثيل، وفي هذه الأثناء قامت ثورة في بلاد الغال على يد أحد نبلاء فرنسا ويدعى «فيندكس» ومع تزايد وتيرة الثورة وانحسار وهزيمة «نيرون» وفشله في ادارة الأزمة انصرف عنه أصدقاؤه وحاشيته ولم يجد بدًا من أن يهرب من قصره إلى كوخ بعيد لأحد خدامه الذين بقوا معه. وهناك كان يبكي كثيرًا على ما وصل إليه وتذكر أمه وقال إنها هي من جلبت عليه اللعنة. وظل مختبئًا حتى شعر بأصوات سنابك الجنود تحوم حول المكان فما كان منه إلا أنه قرر أن يقتل نفسه، وبعد محاولات كثيرة فشلت بسبب خوفه من الموت، قتل نفسه ومات الطاغية الذي أرهق روما بمجونه وجنونه. وغنائه وأشعاره التي كانت أقسى على شعب روما من العذاب الجسدي» آخر الكلام شخصي وخاص جداً: اللهم أمتني إن كان في الممات راحة لي من أغاني وأغاني .. وأحيني إن كان في الحياة خير لي بدون أغاني وأغاني.