في كل مرة يعِد الأستاذ الملخوم اللخمي أنه سيتوغل في كتاب الدكتور محمد أحمد محمود ليقرأه مع القراء. وفي كل مرة يدلف إلى الوراء ويتطوح ليناقش موضوعات أخرى ليست من صلب الكتاب ولا من حواشيه وليضيع زمن القارئ فيما لا طائل وراءه من الهذيان الحداثي. فمرة يتحدث عن كتاب «نايل كورس» الذي كان مقررًا للطلاب بالمدارس الثانوية، ومرة يتحدث عن جامعة الخرطوم «الجميلة ومستحيلة»، ومرة يتحدث عن نشرة «اليقظة» التي صدرت بضعة أعداد منها في خرطوم الثمانينيات، ومرة يتحدث عن مجلة «المحتوى» التي كان يصدرها بعض الليبراليين بجامعة الخرطوم، ثم يدلف ليحدثنا عن تعريف الإمام ابن منظور لكلمة «هراء» التي قال اللخمي إنه سيستخدمها في رده على مقالات المثقف والدبلوماسي الإسلامي الدكتور خالد موسى، الذي وصف مقالاته بالهراء لأنها انتقدت كتاب الدكتور محمد أحمد محمود الذي انتقد النبي صلى الله عليه وسلم. وزاد اللخمي من أدبه الجم فوصف مقالات المثقف الإسلامي خالد بأنها «مقالات مدفوعة الأجر». وانصرف إلى مهاجمة الدكتور خالد موسى الذي كان أول من عرض الكتاب ونقده نقدًا متلطفًا، إلا أنه أزعجهم مع ذلك لأنهم غير متعودين على المواجهة من أي مستوى، ولا يريدون مواجهة، ولا يقبلون نقدًا من أي مستوى. ومع ذلك يتصدَّون بسفه شرس على من يتصدى لهم بالحسنى مثل الدكتور خالد. ولننظر ماذا قال السفيه اللخمي عن الدكتور المهذب خالد موسى وعن لغته التي قال إنها: «تقول كل شيء، ولا تقول شيء، «يقصد شيئا!» تخفي كل شيء، ولا تخفي شيء «يقصد شيئًا!» مثل الذي يحاول أن يستتر بأصبعه من الناس لكي يتغوط. لذلك، وبالرغم من الضجيج، والغبار الكثيف، ومحاولة التمسح «بالتثاقف»، و«الأكاديمولوجيا»، فإن مقالاته قد أبانت عن مقاصدها، وطفحت بمقدار كبير من «شبهة الإرهاب الديني»، والإرهاب الفكري، كما تطفح مياه الصرف الصحي في شوارع الخرطوم». وإنما تجرأ السفيه اللخمي وقال ذلك عن خالد لأنه يعلم أن خالدًا لا يرد على مناجزيه إلا بقول خفيض. ولولا ذلك لما تجرأ عليه بهذه الجمل البذيئة المتطاولة. ثم أفاض الكويتب اللخمي في أحاديث «المثقفاتية» المتطفلين ولغوهم على سوح الفكر وأخبرنا أن: «الأديان كلها، حملت أفكارًا حاولت أن تناهض بها أفكار «يريد أفكارًا لأنها مفعول به!». وتطوع فعرفنا أن: «الأفكار عمومًا، لا تتطور إلا من خلال هذا السجال، فهناك قانون في الفكر يسمى «الجدل»، يقوم على أساس التأثير والتأثر، وينتج ما يسمى بالمثاقفة، أو «الديالكتيك» بالتصور الهيجلي الذي يقوم على أساس: دعوى نقيض مركب، و بهذه الطريقة يحصل التطور للأفكار». وعلمنا أشياء أخرى عن: «الثيولوجيا»، ومفاهيم الفلسفة الإغريقية، والعقلانية الأوربية الحديثة، وعرفنا بموسى بن ميمون وتوما الأكويني، وجيوردانوا برونو وجاليليو ومحمد شحرور، صاحب مقالة الإسلام التاريخي، وحدثنا عن الفتنة الكبرى والشيعة، والخوارج، وما يسمى بأهل السنة، [كما قال] وطبقة «الموالي»، وانتصار المأمون ذو «يقصد ذي» الأم الفارسية، على أخيه الأمين ذو «يقصد ذي» الأم العربية، وأحالنا إلى كتب أحمد أمين: فجر الإسلام - ضحى الإسلام - ظهر الإسلام، التي أحب أن يوهمنا أنه اطلع عليها. وحدثنا عن الحلم الذي رآه الخليفة المأمون، ورأى فيه رجل «يقصد رجلاً!» أبيض البشرة، فسأله من أنت؟ فقال له أنا أرسطو، وانحرف للتعريف بدار الحكمة ببغداد والمترجمين الكبار من أمثال ثابت بن قرة، وإسحاق بن حنين، وحنين بن إسحاق، وعرفنا بالفلاسفة المسلمين، وعلى رأسهم الفارابي، الذي لقب «بالمعلم الثاني»، باعتبار أن أرسطو هو المعلم الأول للبشرية، وابن سينا، والكندي في المشرق العربي، بينما ظهر ابن طفيل، وابن باجة، وابن رشد في المغرب العربي، الذين سعوا إلى التوفيق بين مفاهيم العقيدة الإسلامية، ومفاهيم الفلسفة اليونانية، وكلمنا عن :«عن ابن رشد ... الذي يعتبر من أكبر شراح أرسطو، وكان يطلق عليه لقب الشارح الأعظم». ووصف السجال الفكري بين الفلاسفة، والثيولوجيين، في الدولة الإسلامية لقرون. وتناول بالحديث الإمام ابن خلدون ثم تراجع قرونًا إلى الخلف فتطرق إلى إعدام الحلاج، وقتل شهاب الدين السهروردي، وذبح الجعد بن درهم. وزعم أن الحنابلة كفروا الإمام ابن جرير الطبري وحالوا بين الناس وتشييعه عندما توفي، حتى دُفن ليلاً في داره بواسطة أربعة أفراد فقط. وما فاته أن يتحدث عن تكفير المغاربة لابن رشد وموقف ابن تاشفين منه. ثم تقدم قرونًا إلى الأمام فتناول بترتيب تاريخي منكوس من سماهم فقهاء عصر النهضة، ورواد حركة الإصلاح الديني، مثل الشيخ محمد عبده، ورشيد رضا صاحب جريدة «المنار» «الصحيح أنها مجلة فقهية شهرية وليست جريدة يومية!»، وجمال الدين الأفغاني صاحب جريدة «العروة الوثقى» «وهي مجلة سياسية شهرية صدرت في باريس ولم تكن جريدة يومية!» وكما لا بد لأي حداثي أن يتطرق إلى كتاب «الإسلام وأصول الحكم» للشيخ المتعلمن الذي خان ثقافته الشرعية الأزهرية الشيخ علي عبد الرازق فقد فعل الملخوم. ثم انقلب اللخمي ليحلل وينظر فأدرج نقاد الدين والتدين في تيارين يقود أولهما طه حسين وصادق جلال العظم، وحسين مروة، وفرج فودة، ومحمد أركون، ونبيل فياض، ومهدي عامل، وفؤاد زكريا، ولويس عوض، «ولا أدري كيف يمكن أن يوضع هذا النفر المتنافر المتفاوت المستويات في تصنيف واحد؟!» ويقود التيار الثاني محمود محمد طه، وجمال البنا، ومحمد شحرور، ونصر حامد أبي زيد «يقصد أبو زيد!». وختم الكويتب الحداثي الملخوم دروسه «الهرائية» التي قدمها لنا والتي استغرقت أكثر من سبعمائة كلمة في مقاله قائلا:«نواصل في الحلقة القادمة استعراض الكتاب، «أي كتاب محمد أحمد محمود!» ومناقشة القضايا الأساسية التي أثارها، ثم يعقبه تعليق على مقالات الإسلامجي/ خالد موسى دفع الله». ولكن يبدو أن لخمة هذا الملخوم طبعًا وجبلة قد تضاعفت فنسي في تضاعيف الحلقة الثانية من مقاله أن يفي بما وعد به قارئه في خاتمة الحلقة الأولى، وذهل عن موضوع الدكتور خالد موسى بالكلية ولم يتعرض له بشيء! ولم يفعل اللخمي في متن حلقته الثانية سوى استعراض قائمة الفصول والمباحث والموضوعات التي احتواها كتاب محمود كما تبدَّت له من نظرة عامَّة أسداها إلى الكتاب وإلى صفحة الفهرست منه خصوصًا. ولو قام بتصوير صفحة الفهرست ونشرها بدل مقاله هذا لوفت بالغرض وكفت.