مازلنا داخل قهوة العمال بسوق أم درمان حيث يوجد كم هائل من الصنايعية والحرفيين، التقينا في المرة السابقة بعمال النقاشة، ونُفرد هذه المساحة لنلتقى لعمال الحفر وبعض من الفنيين. حالهم كغيرهم من الصنايعية تمر عليهم أيام عديدة بدون عمل والمبالغ التي يتحصلون عليها نظير أعمالهم لا تكاد تكفي إيجار المنزل وجزءًا من مصروف المنزل ناهيك عن منصرفات المدارس. أول من التقينا به من الحفارين كان كوكو صديق الذي عمل حفارًا منذ «6»سنوات، وعند سؤالنا عن المهنة والعائد منها أجاب قائلاً: نحسب السعر للمتر حسب نوعية الأرض حيث يبلغ سعر المتر في الأرض «الرقيطاء» «100»ج والأرض «السوجة» «170»ج لأنها قوية ومتعبة في الحفر ونستعمل «السلبة والبكارة» في حالة البئر العميقة. ولا أستطيع أن أحفر أكثر من متر في اليوم ويكون ذلك بمساعدة زميل لنقتسم بعدها الأجرة التي لا تكفي مصروفات المنزل ومتطلباته، وفي مرات عديدة نعاني من الكشات وتُصادر معداتنا مما يضطرنا لشراء معدات جديدة وبأسعار غالية ومهنتنا هذه مهنة شاقة وخطرة وتُعرِّض أرواحنا للخطر، وكثيرون من الحفارين ماتوا بسبب «انهيار» الآبار عليهم. تجاني موسى وهو يعمل حفارًا منذ أكثر من «20» سنة يقول: بدأت العمل في هذه المهنة منذ أن كان سعر المتر في الحفر «50» قرشًا ثم تدرج إلى «10 15 25»ج، ليصل إلى مبلغ «200»ج. و«الشغل» غير متوفر فأحيانًا يمر علينا شهر كامل دون عمل، وفي فترة الركود هذه نلجأ لبعض الأعمال الهامشية الأخرى لسد النقص في المصروفات. ومن داخل القهوة التقينا الخطاط مصطفى أحمد عبد الله فقال إن لديه رسالة يود توجيهها عبر «صوت الأغلبية الصامتة» حيث قال: كان هنالك مقترح من الحكومة بتحويل هذه القهوة إلى جوار النادي القبطي ومقابر الشنقيطي ولكننا رفضنا ذلك المقترح لأن الناس عرفت أماكن وجود الصنايعة بأم درمان بقهوة سوق العمال وهي منطقة وسطى ويسهل الوصول إليها لذا نحن كصنايعية وعبركم نوجه صوتنا للمسؤولين بأن يدعوا قهوة العمال وشأنها. وأيضًا التقينا النجار عبد الرحمن حامد الذي كان يعمل نجارًا بالأشغال العسكرية ولكنه ترك الوظيفة الحكومية منذ العام «1981م» يعمل بالعمل الحر من داخل القهوة، يقول عبد الرحمن: أبنائي جميعهم ربيتهم من ريع تلك المهنة ولكن عمومًا «الشغل» غير متوفِّر إلا من بعض الزبائن المعتمدين الذين يلجأون إلينا حال الحاجة إلى صيانة أو «تلقيم»، ويتراوح الدخل في اليوم ما بين «50 200»ج، عندما يتوفر «الشغل» ولكن تمر علينا أيام قد تمتد لشهر بدون أن يكون هنالك علينا طلب. محمد خير سعد يعمل بنّاء منذ أكثر من ثلاثة عقود من الزمان قال في إفادته لنا: أبني المتر المربع «طوبة ونص» بسعر «40»ج، وفي اليوم نبني «20» مترًا وذلك بمساعدة الكثير من العمال «الطُلبة» الذين يأخذ كل واحد منهم مبلغ «40»ج، ولكن تمر علينا أيام عديدة بدون عمل.