ليس من ضرورة، لإعلان الحكومة المرتقبة الآن، فالصحافة وبعض مجالس المدينة ومنتديات السياسة هي المنشغلة كل يوم بتكهنات وتخمينات فيها من التعارضات اليومية والتناقضات في النقل والرواية والمعلومة ما لا يحتمل، وكله تشويش على الرأي العام، وحرث في الماء في ما لا طائل تحته، نظراً للعبة التسريبات المقصودة والمطلوبة لذاتها من بعض الراغبين والطامعين في اعتلاء كراسي السلطة. من ناحية موضوعية، التغيير المطلوب ليس في الأشخاص، ولا في الأسماء التي تتداولها صحفنا كل يوم، التغيير المطلوب واللازم هو في السياسات وبرامج الحكومة وخططها لعلاج الوضع السياسي والأزمة الاقتصادية والمشكلات الاجتماعية والقضايا الرئيسة للمجتمع، هذا هو المطلوب، لأننا لا ننتظر ونطالب بذهاب هذا الوزير وبقاء ذاك والإتيان بأولئك. هذا الخلل في التفكير يجعلنا ننظر بنوع من السطحية الفجّة لقضايا التغيير، حين نربطه فقط بمن يذهب ومن يأتي من الأشخاص، فماذا يعني إن بقي كل الوزراء في أماكنهم ومواقعهم أو ذهبوا، إن كانت الحكومة وبرامجها هي ذاتها لا تتغير، فقد انتهى عهد الوزراء الملهمين المبادرين الذين يفعلون ما قاله رهين المحبسين أبو العلاء المعري: إني وإن كنت الأخيرَ زمانُه لآتٍ بما لم تستطعه الأوائلُ لقد صارت الحكومات كتلة واحدة تتداخل برامجها وتتقاطع أعمالها مع بعضها البعض، تفكر بعقلية متحدة وتصدر عن قوس واحدة، بمرتكزات وبرامج وأفكار وموجهات متفق عليها في الحزب الحاكم ومن يحالفه، فليست هناك مساحة للتغريد خارج السرب، ولن يأتي وزير جديد يصنع المعجزات أكثر مما هو كائن اليوم.. فالتغيير ليس هو الأشخاص، فقد مللنا حتى نحن صُنّاعَ الصحف الذين نسوِّد صفحاتها كل يوم، من الأخبار المصنوعة والمضللة حول شكل التشكيل الوزاري وعدد الوزارات والوجوه التي ستخرج والقادمين الجدد للملعب التنفيذي... فنحن نساهم في إفقار العقل السياسي الجمعي وتغييبه وتجميده بترسيخ فكرة أن مجرد إعلان حكومة جديدة بالأسماء المتداولة كل يوم ستمتلىء الأرض عدلاً مثلما ملئت جوراً وظلماً. صحيح قد يشكل دخول حزب مثل الاتحادي الديمقراطي «الأصل» الحكومة إن حدث ذلك بالفعل نقلة جديدة في شطرنج العملية السياسية والتوافقات الحزبية، لكن ذلك لا يعني أن السياسات الكلية للحكم ستتغير وتتبدل، فأي حزب يدخل الحكومة الآن لا يستطيع أن يحدث تحولاً ملموساً وذا أثر بالغ، وسيكون وجوده تعضيد لما هو قائم والمحافظة على مصالح حزبية قبل الهدف الأسمى الكبير بالاتفاق على القضايا الوطنية التي لا خلاف حولها والمشاركة في الهمِّ الوطني. وعليه فإن الصواب يقتضي أن لا يتعجّل أهل الحكم في إعلان حكومتهم القادمة تلبية لرغبات مسفوحة الدم على صفحات الصحف، فالحاجة للتغيير في الوجوه تسبقها دوافع جادة في رسم منهج جديد في ممارسة السلطة، وإجراء إصلاحات مركزية وجوهرية على الصعد السياسية لدرء الرزايا التي تحيط بالبلاد ومنع الانحدار الحاد في ممارسة السلطة وغلواء بطشها، ومحاربة الفساد، وتزكية المفاهيم الجامعة لبرامج الحكومة واتجاهاتها، وإصلاح الخدمة العامة، وتطبيق صارم لما جاء من موجهات جليلة في خطاب رئيس الجمهورية الأخير في البرلمان وما يرد على ألسنة كبار مسؤولي الدولة في المناسبات المختلفة كلها تذهب في اتجاه الإصلاح السياسي والاجتماعي وإقالة عثرة الاقتصاد. وعندما يكون الحديث عن الحوار السياسي، وتكوين حكومة عريضة، يجب الأخذ في الاعتبار أن ما يريده الناس، هو صياغة جديدة لمنهج الحكم وتدابير وترتيبات شاملة تعالج كل الأزمات والقضايا الكلية في البلاد، والاطمئنان عليها، ولا يريدون فقط الإحلال والإبدال في وجوه الوزراء والمستشارين ووزراء الدولة والخبراء الوطنيين والولاة وبقية المسميات السلطوية الإسفنجية الممتلئة بماء الصولجان.!