ليست الدعوة لوحدة الحركة الإسلاميَّة في حد ذاتها هي ما استرعى الانتباه لكونها دعوة نادت بها كثيرٌ من المنابر بما في ذلك الحزب الحاكم الذي ما فتئ يرحِّب بأي دعوة للحوار مع كل القوى السياسيَّة بما في ذلك الحركات المسلَّحة ولكن اتخذت الدعوة صفة «مدهشة» لأنَّ من نادى بها الرجل الثاني في حزب المؤتمر الشعبي الذي ظل دائمًا يرفع شعار «لا صلح لا تعاون ولا تفاوض مع النظام»، بل فجر في الخصومة حتى أكَّد أنَّ مطلبه الأساسي «إسقاط النظام» ومن ثم لم يستوعب من اطَّلع على دعوة السنوسي التغيير المحوري في مواقف الشعبي أثر ما تعرَّض له الإخوان في مصر من ثم تبارت أجهزة الإعلام في الوصول لصاحب الدعوة لاستنطاقه حولها وكان من بينها هذا الحوار الذي أجريناه معه على عجل حتى لا نكون من المسبوقين . واضح من الهجوم الذي واجهته دعوتك للوحدة من قبل الشعبيين أنها شخصيَّة ولا تمثل مؤسَّسة الحزب؟ أستهل بفقرة من رسالة جاءتني من شيخ حسن حين كان معتقلاً عام «2003» وجاءته مبادرة من أهل السلطة رد عليها برسالة أرسلها لي أقرأ فيها: «المذهب الأرشد في هذا الدين عندي أن يتحرَّى المؤمن في كل الأسباب مبادرة، دعوة أو مجاوب مجادلة لمن يخالفه الرأي ولو كان يخشاه من ذلك الآخر طغيان ظالم يغضبه فيصده عن حملته الحسنى أو كان يرى في ذلك الآخر إصرارًا على الباطل ينسد في وجهه هو فيُيئسه من هداه، ذلك أنَّ المؤمن الرشيد ينفتح نحو الطغاة المستبدين ترحيبًا أن يستجيب الآخرون فيتقون أو يتقبل الله مسعى الموعظة في سبيله فلن يضيع مسعاه سدى». كان ذلك في عنفوان المعارضة الشديدة بين النظام، المؤمن مهمته دعوة الناس وسواء قلت توحيد الحركة أو الإسلاميين يبقى ذلك قائمًا. لم يكن هناك أي عمل مشترك بيننا وبين الوطني لأن «شعارنا لا صلح لا تعاون لا تفاوض مع النظام» أعقبناه ب«نحن نريد إسقاط النظام»، قررت ولاية الخرطوم أن تسير موكبًا بعد أحداث مصر واجتمعت الولاية وحضرت اجتماعها وتقرر ان يجتمع الجميع في مسجد فاروق نحو السفارة المصرية لنعبِّر عن وقفة الشعب السوداني مع الشعب المصري وأيدت أمانة الخرطوم وفي يوم الجمعة وأنا على المنصة هتفوا: « وحدة إسلامية.. وحدة إسلامية» فقلت لهم إن هذا المعنى هو الذي جاء بنا إلى أن نشترك في هذه المنصَّة وقلت إن تأييدنا ليس لمرسي ولا الإخوان بل تأييد لمبدأ الحرية الذي ينادون به وهو مبدأ قرآني، وكذلك الشورى، وبناء عليها جاء رئيس منتخب، ومن هذا المنطلق قلت لا بد من وحدة الصف الإسلامي بالداخل والخارج في مواجهة العلمانيَّة ولم أذكر بتاتًا عمر البشير ولا توحيد الحركة الإسلامية ثم جاء الزبير وقال: السنوسي نادى بوحدة الحركة الإسلامية وأنا أؤيد ذلك» وأنا بجانبه نفيتُ ذلك وكل ما قيل بخلاف ذلك ليس صحيحًا وصحيفة واحدة فقط هي التي أوردت حديثي كما هو. لماذا لم تنفِ بوضوح وفي الحال أمام أجهزة الإعلام؟ لم أُرد مقاطعته. السودان واجه محنًا وحملات علمانية عديدة، لماذا لم تستفزكم لوحدة الصف المسلم بالداخل كما استفزتكم أحداث مصر؟ هذه المناسبة لا علاقة لها بما يحدث في السودان، ولو أردنا أن نتحدث لقلنا هنا عسكري وهناك عسكري، هنا ظلم وهناك ظلم، هنا قمع للحريات وهناك قمع، هنا لا توجد شورى وهناك لا توجد، ولو قلت ذلك في المنصَّة لانقطع عقد الجمع ولحدثت فوضى لن تشرِّف الموقف السوداني، أما موقفنا السابق فقد قلنا إن الميثاق يريد أن تكون هوية السودان علمانية فنحن خارج الميثاق. حسب علمي أنك ترى عدم وجود وحدة على مستوى دمج الحزبين ولكنك تؤمن بوحدة حول القضايا الكبرى! نحن في الأساس اختلفنا مع إخواننا في الرابع من رمضان على مبادئ وقلنا لا بد من توفر الحرية في السودان، وهذا من قِيم الدين لأننا قبل أن نكون حزبًا شعبيًا نحن حركة إسلامية تقوم على قِيم القرآن الذي يعطي الحرية، فإذا منعه القائمون بأمر النظام يكونون قد منعوا مبدأ قرآنيًا، ثانيًا الشورى، وقد منعونا إياها بحل البرلمان المنتخب، ثالثًا العدل والآن ليس هناك عدل، فالأجهزة القضائية لا تنصف مظلومًا الآن، رابعًا أن لا بد من فيدرالية الحكم في السودان لتعطي الولايات حق انتخاب الوالي وحكومته، أيضًا طالبنا بعفة ونزاهة يد المسؤولين، إذا النظام قام بإزالة تلك الخلافات فلا مانع من التوحد معه لأننا محكومون بالآية: «فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتو الزكاة فإخوانكم في الدين». بعض الشعبيين يعتقدون أنك أقرب للحكومة بحكم علاقتك بشيخ علي عثمان واستقبالك لشباب الوطني في دارك؟ علاقتي يحكمها القرب والبعد من السلوك الإسلامي، لا أعادي شخصًا إلا إذا كان معاديًا للاسلام. علاقتي مع علي عثمان كانت وطيدة علاقتي أطيب مع عمر البشير لمعرفته بي عام «80» حين كان لا يعرفه أحد، وكان ذلك من مقتضيات العمل السري الذي كنت أقوم عليه، ومازلنا أنا وهو نحفظ ود تلك العلاقة رغم انتقادي الدائم للنظام.. ولا يعني أن تحافظ على المبادئ التي تدعو لها أن تخاصم وتفجر في الخصومة لذلك يزورني ناس الحكومة والمعارضة فبيتي كأنه حائط المبكى للحكومة والمعارضة يزورونني في الليل ثم يصبحون هم في الحكومة وأن في المعارضة منهم أصدقاء ومنهم من قاتلنا سويًا في يوليو 76 ومنهم أرحام وصاحب الدعوة هكذا كما أن روحي متعلقة بالشباب وبالطلاب لذلك عندما أراد شباب المؤتمر الوطني أن يفطروا معي رحَّبت بهم فجاء وفطر معي أكثر من «50» وعندما أثنوا على شخصيتي قلت لا داعي لذلك فوقف أحد شباب الشعبي وقال: رغم ذلك نحن نريد إسقاط النظام. فردَّ عليه شاب من الوطني قائلاً: «نحن نريد إصلاح النظام»، فقلت لهم إذا أردتم يا أبنائي أن نتحاور معكم فاذهبوا وطبقوا المبادئ التي ذكرتها آنفًا في المؤتمر الوطني، فإذا فعلتم قطعًا سنلتقي. أنا لي 59 سنة في الحركة ومواقفي كلها معروفة ولا أريد أحدًا أن يزايد عليَّ؟ يقولون إن أشواق الوحدة تراود الشباب دون الشيوخ؟ بالعكس الشباب أكثر تعنتًا لأنهم هم من يُوقع عليهم تعذيب الأمن والقتل ولم يقتل أحد من الشيوخ، وهم أقل فقهًا لأن من قرأ المقدمة التي أوردتها من رسالة شيخ حسن لا ينسى أنه صاحب دعوة حتى لو صدَّه ظالم أسوة برسولنا الكريم الذي فعلوا به ما فعلوا، لذلك لا تغيب عني الدعوة بالحسنى ولا تغيب عني الدعوة بالجهاد في سبيل الجهاد ولست من الذين يأخذون دعوة سلمية منبطحة مع الحكام أو دعوة متطرفة وأرى أنَّ وحدة الحركة الإسلاميَّة ليست وحدها كافية بل لا بد من وحدة الشعب االسوداني كله في مواجهة الأخطار التي تواجه السودان والإسلام، ماذا لو توحدت الحركة الإسلامية ولم يتوحد أهل دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق ولو توحدت الحركة الإسلامية في السودان لابد من توحد المسلمين في العالم في مواجهة العلمانية التي بدأت تزحف من المغرب إلى تونس إلى ليبيا إلى مصر وإذا اجتاحت أولئك حتمًا ستأتينا لذلك لا أقف كثيرًا عند وحدة الحركة الإسلامية في السودان ولكن أهتم بوحدة الصف الإسلامي في مواجهة العلمانية التي اتخذت الآن مواقف حادة جدًا والربيع العربي فاز فيه الإسلاميون في غفلة من العلمانيين لذلك انتبه العلمانيون أنه لو بقيت الحركة الإسلامية واستمرت الحرية لضاعوا لذلك سقط العلمانيون الذين أرادوا أن يستنصروا بالشرطة والجيش فإذا رأوا توحد الصف المسلم في السودان فسيتوحدون والعكس صحيح، هذا هو فهمي للوحدة أما أن يُحصر الأمر في التقاء الوطني والشعبي فهذا فهم ضيق... قبل أيام كان هناك هجوم على الرسول الكريم والغريب أن الهجوم بدأ في الدنمارك التي تقف الآن مع مرسي بينما يقف ضده العرب الذين هبط عندهم الوحي يقفون ضد مرسي. هناك في الفيس واليوتيوب من يهاجم القرآن ويقولون ألفه محمد بينما يرون في الكعبة حجارة لا تساوي شيئًا فهل هذا المناخ مناسب للدعوة لتوحد الوطني والشعبي؟ بهذا الفهم فالمؤتمر الوطني أكثر فقهًا من الشعبي أنه مدَّ يده مرارًا للوحدة فصدَّها الشعبي؟ غاضبًا: أتقولين هذا بعد ما ذكرته لك من كبت الحريات وغيره؟ «الفقيه فيهم منو»؟ من أسس الحركة الإسلامية غيري وشيخ حسن؟ وفي الحقيقة ليس هناك حركة إسلامية من الجانب الآخر! «انتي خليتيني أقول الكلام ده» هم الذين انشقوا وأعلنوا حالة الطوارئ ووضعونا نحن شيوخ الإسلام في السجن! أين الفقه الذي تتحدثين عنه؟ هل يُعقل أنَّ الحركة الإسلاميَّة الآن في قيادتها الزبير ولا طعن لي فيه وبكري ونحن موجودون الآن في المعارضة نحن أسسناها وحفظة القرآن فيها! عندما دخلت الحركة الإسلامية عام «54» أي «59» بداخلها وكثير من قياداتها الآن لم يولدوا قتلوا إخواننا وبعضهم مازال مسجونًا مثل يوسف لبس بحكم «15» سنة فهل يُعقل أن يتحدثوا عن وحدة الحركة الإسلامية ويوسف مازال سجينًا؟ انت ممزق بين حزب لم يستطع أن يشكِّل معارضة فاعلة وقوية وبين دولة لا تعجبك ولكن لا بديل لها سوى العلمانية! لستُ ممزقًا هذا تعبير غير صحيح لا أقبله، ثانيًا لعل جبريل نزل عليك وأخبرك أن البديل سيكون علمانيًا، في كل مكان للباطل جولة وللحق جولة وفي مصر الآن جولة الباطل وستأتي جولة الحق، وأنا متفائل أن الحق سينتصر. يقال إن المعارضة إذا وصلت للحكم ستستهدف الشعبي بنفس مستوى الوطني باعتبارهما «أولاد بطن واحد». البطن بطلع منها مؤمن ومنها كافر ولو قتلتني المعارضة سأكون شهيدًا. هاني رسلان قال لي إن إخوان مصر لا يعترفون بإخوان السودان وإن الحركة الإسلامية بمختلف مسمياتها بدأت كحركة حديثة تنادي بالشورى ولكنها عندما وصلت للحكم عن طريق القمع تحولت لحزب عالم ثالثي يعاني من أمراض نظرائه في العالم الثالث؟ ومن هو رسلان؟ عميل المخابرات المصرية يتحدث عن تاريخ الحركة الأسلامية؟ هذا رأيه، هو واحد من النخبة التي قامت عليها الدولة العميقة تربوا تحت عبد الناصر والسادات والطاغية حسني، لا يعيشون إلا النظام القهري والديكتاتوري، النخبة التي كانت تندِّد بالعسكر عندما قامت ثورة 25 يناير يرحِّبون الآن بحكم العسكر.. أما عن علاقتنا معهم فنحن سمَّينا أنفسنا سنة «54» إخوان مسلمين وسبق دعوة الإخوان على يد حسن البنا في مصر ثم جاءت الحركة الإسلامية في السودان على يد حسن الترابي ولكن فيما بعد لم نكن أعضاء في تشكيل الحركة الإسلامية في في مصر وإسترتيجتنا مختلفة ولكن القضايا الإسلامية تجمعنا. ونحن الحركة الإسلامية الوحيدة التي سبقت كل الحركات الإسلامية حتى مصر في الدخول في الحكم، نميري عارضناه معارضة سلميَّة ثم عسكريَّة في 76 وكنت قائدها ثم مصالحة ثم مشاركة في الحكم ثم الدخول في البرلمان ثم مشاركة في حكومة الصادق المهدي، الإخوة في مصر تجربتهم كانت أقل نتيجة للظلم الذي وقع عليهم من عبد الناصر فلم ينالوا نصيبهم من الحكم ولكن الشعب المصري جاء بهم فينبغي أن يقبلوهم وحتى إذا فشلوا في السنة فالدستور يتيح له «4» سنوات ولذلك نحن نقف معهم ومع المسلمين في كل العالم لأنه لولا مصر ما كان السودان قد استقلَّ. إذن لم يفكر الإسلاميون عندما وصلوا للحكم في مقابلة الترابي في السُّودان بل أنتم من ذهب إليهم؟ هذا بسبب قلة تجربتهم؟ نحن ذهبنا لدعوتهم ليستفيدوا من تجربتنا ولم تكن هناك استجابة ورغم ذلك أول مساندة وجدوها منا. نحن مسلمون يشد بعضنا بعضًا وحتى إذا اندلعت النار في جارك يجب أن تخمدها حتى لا تصلك لذلك حتى المرشد عندما أتى للسُّودان لم يزرنا ولم نأخذ عليه ذلك. الترابي عندما ذهب لمصر حذَّر الإخوان من الجيش وأنه سيغدر بهم! من أين أتاه هذا الإحساس؟ لأنَّه لُدغ من نفس العسكر.