السناري.. كان في الأصل سوداني ويرجع أصله إلى سنار لكنه ولد في دنقلا.. وسافر إلى مصر وصار من أعيانها، وأنفق مبالغ كبيرة على منزله.. ونابليون استولى عليه وقام بتحويله إلى مجمع علمى.. ومكتبة الاسكندرية أعادته للنشاط الثقافي، وعاشت «الإنتباهة» ساعات داخل أروقة بيت السنارى الأثرى بحي السيدة زينب العريق في قلب قاهرة المعز تستنشق عبق التاريخ وتنهل من مشاربه الثقافية، وفى كل مرة تنتقل من غرفة إلى غرفة داخل البيت. وكانت صورة السناري حاضرة أمامنا تحثنا على ضرورة تحويل بيته بالتعاون مع الجانب المصري الى مركز إشعاع ثقافى سوداني مصري، مما يخدم العلاقة المتجذرة على الصعيد الشعبي ولا تتاثر بهبوب عواصف السياسة وأنواء الصراع بين مسؤولى البلدين. القاهرة: ست البنات حسن وكان القدر كتب على السناري أن يكون مظلوماً حياً وميتاً، وحين أرادت القاهرة أن تتصالح معه بعد سنوات طويلة من الظلم اكتفت بإعادة ترميم بيته الذي يقع فى منطقة ذات خصوصية دينية وثقافية فى قلب القاهرة، وعندما توجهت «الإنتباهة» لاستطلاع الأمر ومعرفة ما يدور فى أروقة هذا المكان الثقافى الكبير لم تجد سوى عدة ورش لبعض المبدعين من الشباب ومن لهم اهتمام بالرسم على الزجاج وبعض المهتمين بالمسرح، ولكن البيت مازال خاوياً على عرشه الثقافي من أية مادة تعرف الرواد من هو ابراهيم السناري وما دوره فى اثراء الحياة الثقافية بين شعبي وادي النيل.. و «الانتباهة» لم تكتشف فقط ظلم السناري من القاهرة فقط بل وقع عليه ظلم بين من السودان وأبناء عشيرته بسبب تجاهل السفارة السودانية فى مصر ممثلة فى الملحقية الثقافية، بالإضافة إلى تقصير من الإعلام فى التعريف بالمفكرين السودانيين ودورهم الثقافى بين الخرطوموالقاهرة، وقرأت الانتباهة» فى عيون القائمين على ادارة بيت السناري علامات استفهام كثيرة اهمها لماذا يهمل السودان مبدعيه فى حين أن هناك حفنة من التصريحات بين مسؤولي البلدين تتعلق بإثراء الحياة الثقافية بين شعبي وادي النيل. وبيت السناري ليس فقط تحفة أثرية ومعمارية، بل هو واحد من أهم الآثار والبنايات فى العاصمة المصرية القاهرة وبالتحديد فى حي السيدة زينب العريق.. وقام بإنشاء هذا المنزل ابراهيم كتخدا السنارى عام 1794م وهو سوداني الاصل ولقب بالسناري نسبة إلى مدينة سنار فهو أحد أبنائها. ويشير الجبرتي الملقب بأبو التاريخ إلى أن أصله كان يرجع إلى دنقلا بالسودان التى يقال انه ولد فيها، ولا يوجد اختلاف على ذلك بين المؤرخين.. ويقع بيت السنارى بجوار مسجد السيدة زينب فى قلب القاهرة وبالتحديد خلف مدرسة السنية الثانوية للبنات، وتذكر كتب التاريخ عن هذا المنزل أن السنارى قد ذهب إلى الوجه البحرى شمال مصر وبالتحديد إلى مدينة المنصورة بمحافظة الدقهلية وكان قد عمل هناك فى البناء فى البداية، وتعلم القراءة والكتابة وعمل فى كتب السحر والتنجيم، وذاع صيته بين العامة والخاصة ثم ذهب بعد ذلك إلى الصعيد وعمل مع مصطفى بك الكبير أحد المماليك فى ذلك الوقت.. ثم تعلم اللغة التركية.. وصعد نجم السناري فى ذلك الوقت حتى أصبح من أعيان القاهرة.. ودارت الأحداث وتوالت طموحات السناري إلى أن أصبحت له مكانة كبيرة وشأن عالٍ فى عصره.. وبنى منزله الذي يمتاز بروعة التصميم وجمال الزخارف وصرف عليه أموالاً باهظة حتى أصبح من أجمل المنازل والقصور فى عصره، وأصبح الآن وبعد إحراق المجمع العلمي بعد ثورة «25» يناير، أصبح بيت السناري يستقبل مقتنيات المجمع العلمي من خرائط وكتب ووثائق، ورواق السناري فى الازهر هو أحد أروقة العلم، وسمي السناري تيمنا بعاصمة السلطنة الزرقاء «سنار» وابراهيم السناري هو احد أبنائها الذين عاشوا في مصر. ويذكر أن السنارى قد تم قتله فى 17 جمادى الآخر سنة 1206ه عام 1801 ميلادية فى مدينة الإسكندرية مع غيره من الأمراء الذين كان حسين باشا القبطان العثماني قد طلبهم للحضور إليه، فلما حضروا قتلهم ودفنهم جميعاً في الاسكندرية، واكد عمرو علي رئيس وحدة المناشط في بيت السناري أن إبراهيم السناري كان قد تدرج فى المناصب إلى أن وصل إلى منصب كتخدا وهو ما يعادل محافظ حالياً. ويعد بيت السنارى واحداً من ثلاثة بيوت اختارها الفرنسيون عام 1798م بعد حملة نابليون بونابرت على مصر من أجل إقامة أعضاء لجنة العلوم والفنون التى جاءت مع حملة نابليون بونابرت لإعداد دراسات وصفية عن البلاد، وكان من أبرزها كتاب «وصف مصر» الشهير.. وبيت السنارى الأثري يحمل بين جدرانه وأسقفه بعضاً من جماليات العمارة الإسلامية مما جعله تحفة فنية نادرة وأنموذجاً فريداً فى البناء، وتوجد فيه مشربيات رائعة تطل على الخارج، وتتوسط فناء البيت نافورة بديعة الصنع.. وهو يتبع الآن لمكتبة الاسكندرية وهى التى تبنت فكرة إحياء الدور القديم للبيت وترميمه، ومنذ حوالى عامين ونصف تم فتح أبواب بيت السناري لتقديم الأنشطة المتنوعة للشباب في العلوم والفنون والآداب، وإذا أردنا أن نحكي عن هذا البيت القديم فإن فصول حكايته تبدأ مع دخول الحملة الفرنسية لمصر بقيادة نابليون بونابرت الذى أنشأ المجمع العلمي فيه، واعطاه نابليون أهمية خاصة، وفي الحملة الأولى لأعضائه ثم انتخاب العالم الفرنسي مونج رئيساً له.. لذلك أطلق على الحارة التي يقع فيها البيت اسم مونج نسبة له.. وقد عرفت الحارة في حي السيدة زينب بالقاهرة بهذا الاسم حتى الآن، وفى هذا البيت عكف العشرات من العلماء والفنانين والرسامين الفرنسيين على تأليف كتاب «وصف مصر» الذى تضمن ملامح ومعالم وآثار البلاد وعادات وتقاليد وحكايات العباد من أهل المحروسة في تلك الفترة.