«ح» يعيش وسط أسرته خارج البلاد في إحد دول الخليج، وهذه الأسرة تتكون من «أبوين واربعة أبناء» واشتهرت تلك الأسرة بالثراء والعلم والنجاح فوالده يعمل طبيبًا بأحد المستشفيات الكبرى بالبلاد أما والدته فهي معيدة في الجامعة تم انتدابها إلى الخليج وبالتالي استقرت الأسرة بذات الدولة لمدة تجاوزت «15» عامًا، وكثيرًا ما تميزت بالترابط والنهج الديني الذي شبَّ عليه أبناؤهم ونسبة لوجودهم خارج البلاد أُلحق أبناؤهم الثلاثة بمدارس الدولة والابن الصغير «برياض الأطفال» وكانوا يقضون مع بعضهم أطول الفترات بالرغم من انشغال والديهم بالعمل على أساس ألّا يتركوا فراغًا في حياة أبنائهم وحاولوا توفير كل مستلزمات الحياة ورفاهيتها لهم حتى ينعموا بحياة رغدة، وكبر الأبناء وكما يقول المثل « في فمهم ملعقة من ذهب» لا يعرفون متاعب الحياة وصعابها ولم يضعوا اعتباراً أن تمر عليهم لحظة يفتقدون فيها ذاك النعيم، أما من ناحية مستواهم الدراسي فكانوا مميزين بين أصدقائهم بالتوفيق والنظافة والنظام حتى وصل «ح» إلى المرحله الثانوية، وكان دائمًا هو الأول بين رفاقه، وعند مرحلة الشهادة الثانوية كرست الأسرة كل جهودها حتى يحرز «ح» أعلى النسب التي تمكِّنه من دراسة الطب في بلده وعند إعلان النتيجة تحصل «ح» على نسبة «99%» وفي أثناء تلك الفرحة الغامرة بنجاح الابن قرر والداه علي أن يدرس بالسودان ويكون مع جده في المنزل و«خيلانه» وقالت الأم لتكتمل الفرحة سوف نذهب إلى السودان ونقيم لك حفلة نجاح كبرى ونبدأ في ترتيب وضعك هناك وبعد مضي شهر سافرت الأسرة إلى وطنهم ومكثوا طوال فترة إجازتهم مع جد والدتهم، وفي تلك الإجازة أخذ الوالد بالترتيب والتنسيق والتقديم لابنه «ح» للجامعة وبعد تعديل النسبة تمكن من الالتحاق بكلية الصيدلة بإحدى الجامعات العريقة ووفروا له غرفة خاصة بالمنزل بها كل احتياجاته بجانب أنهم فتحوا له حساباً بالبنك حتى لا يُضطر إلى أن يستدين من أحد حتى ولو أقرب شخص له، وبعد أن قُضيت الإجازة رجع والدا «ح» وإخوتُه إلى الخارج وبدأ «ح» في سير حياته الجديدة في السودان في الوقت الذي لم يجرب فيه طعم المسؤولية بمفرده، وبدأت الدراسة وذهب إلى الجامعة وكان من ضمن المجتهدين المستقيمين وسط شباب الجامعة ولا علاقة له بالفتيات وكل تعامله مع الشباب حتى ارتبط بهم ارتباطًا كليًا، بعدها حاولوا استغلال وضعه المادي وقالوا له إننا اتفقنا أن نستأجر شقة لنتمكَّن من الدراسة الجماعية والمراجعة المستمرة بعيدًا عن منازلنا حتى لا نخلق فوضى وسط أهلنا ونسبِّب لهم ازعاجًا ونكون براحتنا في كل قضاء مستلزماتنا، وبعد أن أصروا على «ح» وأقنعوه بذلك أخبر جده بالفكرة وأقنعه أن ذلك من مصلحته ويساعده في أن يحرز أكبر الدرجات العلمية في الجامعة ووافق الجد على أن يكون ذلك لفترة مؤقتة وهي الامتحان، رجع «ح» فرحًا بموافقة الجد وقالوا له إن الفكرة هي من مصلحتنا لكن ينقصنا المال، وقال لهم لا تحملوا همًا، إني سأتكفل بكل المصاريف وبدأوا رحلة البحث عن الشقة مصرين على أن تكون بعيدة عن أهلهم، وبالفعل استقر الشباب الستة بالشقة وعلى أساس فكرة الدراسة والتكثيف لم يترك «ح» مرجعًا ولا كتابًا إلا أن أحضره في الشقة، وفي مساء اليوم الثاني تفاجأ بدخول أصدقائه في وقت متأخر من الليل ومعهم بعض القناديل من الحشيش، وبعد مجادلة ونقاش حاد بينهم استفزوه بأنهم من اللحظة لن يعتبروه رجلاً لأن ما يحمله من أفكار هي تخص الفتيات الصغيرات وحزن «ح» لقولهم وجلس في مكان منفرد عنهم وجلس إلى جانبه أحد الأصدقاء الماكرين وحاول إقناعه بأن تناول المخدرات لا يعتبر انحرافاً وإنما ذلك يمدنا بالطاقة وسهر الليالي في المذاكرة، فقط عليك أن تجرِّب ذلك لكنه رفض بشدة وقال لهم اتركوني في حال سبيلي لا أريد ذلك، وبعد عدة محاولات معه استجاب لهم «ح» بتناول المخدِّر وبالتكرار والاستمرار أصبح من المدمنين وصعب عليه التخلي عن المخدرات ولم يستطع التوفيق في دراسته وازدادت حالته سوءًا وأصبحت الشقة مكانًا لتجمع الشلل المنحرفة حتى أصبحوا مصدر إزعاج لسكان البناية الذين بدورهم أبلغوا الشرطة التي حضرت إلى مداهمة المقر بموجب أمر تفتيش صادر عن النيابة وتم القبض عليهم وهم في حالة تخدير تام واتَّخذت الشرطة إجراءاتها القانونية في مواجهتهم وتقديمهم للمحكمة التي بدورها أصدرت حكمًا قضى بالسجن 3 أشهر في مواجهة المتهمين الستة، وكان الخبر صاعقة على أسرة «ح» وأسفر عن حالة إغماء حادة لوالدته التي وضعت كل آمالها وأحلامها ولكن ما غفر له هو أخلاقه العالية التي عرفه بها كل من حوله وأجمعوا على أن مجالسته لرفقاء السوء هي سبب انحرافه إلى طريق المخدرات.